التعليم فى مصر، هو الملف الأكثر إثارة للجدل على مدى ما يزيد على قرن من الزمان.. والسبب أن التعليم هو سر النجاح والفشل، وهو كلمة السر فى الأمل أو الإحباط، ولأنه ببساطة هو المستقبل، وهو الذى قال عنه الرئيس حق من حقوق الإنسان المصرى وقال: ليس لدينا تعليم جيد. وفى مصر توالت أنظمة حكم، ملكية وجمهورية، وحكومات ليبرالية واشتراكية، وثورية، ومختلطة، ومع ذلك ظل التعليم هزيلًا ومتراجعًا، وعلى مدى عقود طويلة سمعنا كثيرًا عن خطط وإستراتيجيات وأفكار ورؤى لتطوير التعليم، ولكن هذا كله تبخر كما لو كان مجرد دخان فى الهواء. وأمام هذا الحال تعامل كل طرف من أطراف المجتمع بشكل منفرد.. فالأسرة قررت أن وزارة التربية والتعليم «ملهاش لازمة» وباتت العلاقة بين التعليم والمواطن هى مجرد «شهادة» يشتريها ليس بغرض التعليم والتعلم، وإنما كنوع من الوجاهة الاجتماعية، ومن أجل هذه الوجاهة حرقت الأسر أعصابها وخصصت أغلب ميزانيتها للدروس الخصوصية، التى التهمت ما كانت الأسر تخصصه للكسوة والطعام. وهكذا تحولت المدارس من حدائق للأطفال، ونافذة تظل على المستقبل، ومراكز للتربية والتعليم إلى ساحات قتال، ومسرح لكل أنواع البلطجة والتجاوزات، وانهارت العلاقة بين التلميذ والأستاذ، والأخير انزوى مهموما براتبه الذى لم يعد يكفل له حياة كريمة، فلم يجد أمامه سوى الإتجار فى الدروس الخصوصية على أمل أن يحيا على شفا الكرامة! فيما انشغلت إدارات المدارس بفض النزاعات حول جدول حصص لا يحضرها أحد، وهكذا غابت القيم والتقاليد التعليمية، ليحل محلها المعارك الدموية، التى تختلط فيها دماء التلاميذ والمدرسين والمديرين! ووسط حالة التوهان هذه تحولت الثانوية العامة إلى فأر تجارب، فصارت «عقدة فى كل بيت» وتحولت مدارس التعليم الفنى إلى «سبوبة» تحت لافتة التطوير، فيما تكدس آلاف التلاميذ والطلاب فوق بعضهم بعضًا فى فصول عجزت عن استيعاب ما يقرب من 20 مليون طالب فى مدارس مصر المختلفة، وهو ما أجبر بعض المدارس على تحويل دورات المياه إلى فصول دراسية! ووسط هذه اللوحة شديدة البؤس والفوضى توغلت الأمية وازدادت أعداد المتسربين من التعليم. والسؤال: هل لهذه الدوامة من نهاية؟.. هل نحن قادرون على أن نجعل من التعليم قاطرة للتنمية مثلما فعلت دول كثيرة فى مقدمتها ماليزيا التى اهتمت بالتعليم وتطويره، فانطلقت من أوحال الفقر والجوع والتخلف، إلى مصاف الدول العظمي؟.. والمفاجأة أنه عندما طرحنا السؤال على خبراء مصريين قالوا بثقة إن هذه الأحلام ممكنة وأن التعليم فى مصر ورغم واقعه المؤسف قابل للإصلاح.