سبق أن أوضحت، أن الديمقراطية لا تعرف شيئا اسمه «التوافق علي مرشح معين»، وأن الديمقراطية لا سبيل لتطبيقها، إلا عن طريق صناديق الانتخاب. الديمقراطية، هي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، أي أن الشعب يختار حكامه وممثليه بنفسه وعن طريق الانتخاب الحر النزيه المباشر. فلو اختل أي شرط من هذه الشروط لاختيار المرشح، فلا يكون المرشح مختارا من الشعب، ويكون اختياره ليس بالطريق الديمقراطي السليم.. وبالتالي، لن يكون المرشح معبرا تعبيرا صادقا عن الإرادة الشعبية. هذه هي القواعد العامة المعروفة في اختيار ممثلي الشعب، سواء كانوا حكاما، أو في المجالس التشريعية أو أي مجالس أخري ممثلة للشعب. وما أثير في الآونة الأخيرة عن الرغبة في مرشح للرئاسة، يتم اختياره بالتوافق، فهذا الأمر يمكن تصوره وقبوله في المرحلة التي تمر بها البلاد حاليا، نظرا لأننا مازلنا في بداية طريق الديمقراطية، والأوضاع الداخلية أمنيا وسياسيا واجتماعيا، مازالت قلقة وغير مستقرة.. ومن هنا، فربما يكون التوافق علي مرشح رئاسة الدولة- في هذه المرحلة- أفضل من العملية الانتخابية، حتي ندرأ أي خلافات أو إشكالات قد تظهر نتيجة هذه الانتخابات، خاصة في المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، ولكن للتوافق علي اختيار رئيس للبلاد، شروط لابد من توافرها وهي كالآتي: أول هذه الشروط: أن يكون المرشح للرئاسة علي درجة كبيرة من الوعي السياسي، وملمًا بالمشاكل الداخلية والخارجية للبلاد، ومن ناحية أخري، لابد أن يكون ذا سمعة طيبة وأمانة في العمل وصدق في القول وحب للوطن، وبصفة عامة لابد أن يكون المرشح علي درجة لا تقل عن الامتياز. أما عن الشرط الثاني.. فلابد أن يكون التوافق علي المرشح شاملا لكافة الاتجاهات السياسية والشعبية في البلاد، بحيث يتوافر شبه إجماع علي صلاحيته لتولي منصب رئيس الجمهورية، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هناك إجماع كامل، بل يكفي أن تكون الأغلبية الشعبية موافقة عليه، فالكمال لله وحده. والشرط الثالث: هو أن يكون المرشح بصحة جيدة وسنه تسمح بتحمل أعباء ومسئولية هذا العمل الجسيم، خاصة في ظل هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، فالبلاد تعاني مشاكل كبيرة وكثيرة، لابد لمن يتصدي لها، أن يكون علي درجة كبيرة من التحمل. هذه في تقديري، أهم الشروط الواجب توافرها في حالة ما إذا تم التوافق علي مرشح معين. ولكن، الأهم من ذلك كله، هو ضرورة أن يوضع الدستور أولا، قبل اختيار رئيس البلاد، لأن الرئيس الذي يصلح لنظام حكم برلماني قد لا يصلح لنظام حكم رئاسي. وكذلك، الرئيس قد يصلح لنظام اقتصادي رأسمالي ولا يصلح لنظام اقتصادي اشتراكي أو شيوعي. وكذلك، الرئيس الذي يصلح لإدارة دولة مدنية قد لا يصلح لإدارة دولة دينية.. وهكذا، فلابد أولا وقبل اختيار الرئيس الجديد للدولة، أن نعرف ما هي المهام الموكلة إليه بحيث نستطيع أن نختار الرجل المناسب في المكان المناسب. يهمني أن أوضح- في ضوء ما تقدم- نقطة في غاية الأهمية، هي أنه لا يجوز أبدا أن تتفق الأغلبية الممثلة في التيار الديني فيما بينها علي مرشح معين، ثم يقال إن هذا المرشح، هو المرشح التوافقي، أو حتي إذا ما تم اختيار هذا المرشح بطريق الانتخاب، عن طريق الإيعاذ للبسطاء من شعبنا بانتخاب هذا الشخص. فمثل هذا التصور سيكون له عواقب وخيمة، لأن الليبراليين قد يكون لهم رأي مخالف، وإخواننا المسيحيون قد يكون لهم رأي آخر، وشباب الثورة قد يكون لهم رأي ثالث، والمستقلون قد يكون لهم رأي رابع. ومن هنا، لابد أن يكون التوافق شاملا لأغلب طوائف الشعب ويكون شبه إجماع علي اختيار الرئيس، فإذا كان هذا الاختيار سيشوبه نوع من التحايل أو التضليل، فلن يهدأ الشارع ولا باقي الطوائف السياسية الأخري. نخلص من كل ما تقدم، أن طريق اختيار الرئيس المقبل للبلاد ليس المشكلة، خاصة في الظروف التي تمر بها مصر. ولكن، المهم هو أن يوفقنا الله في اختيار رئيس صالح أمين، صادق مع نفسه ومع شعبه، يستطيع أن يأخذ بيدنا وينقلنا من هذا الخضم الهائل من المشاكل ويعبر بنا إلي بر الأمان بإذن الله تعالي.