تثير قضية الاعتداء بالسب علي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. كثيراً من الشجن.. والألم علي ما جري للمجتمع المصري خلال عام واحد.. ذلك أن عقلاء المصريين يلاحظون تدهوراً خطيراً في التعامل بين الناس.. فلم يعد الصغير سناً يحترم الكبير، بل لم نعد نسمع كلمة «الله يسامحك» التي «كان» الشعب المصري مشهوراً بها.. كان إذا اعتدي واحد علي آخر كان هذا الآخر يكتفي بقول هذه العبارة.. ليس فقط استرشاداً بالتراث المسيحي وإدارة الخد الايسر.. ولكن اتباعاً للتقاليد المصرية القديمة.. منذ العصور الفرعونية الاولي.. وأتذكر هنا اليوم الاول لي بمدرسة دمياط الابتدائية.. فقد وقفت رافعاً إصبعي أرجو الذهاب إلي دورة المياه قائلاً: أفندي.. أفندي - فما كان من الاستاذ - ومازلت أتذكر اسمه وهو أنور ابراهيم داوود، إلا أنه لطمني علي خدي بعنف وهو يصرخ «أنا بك يا ولد».. ذلك ان مدرس الابتدائي في اربعينيات القرن الماضي كان موظفاً كبيراً وكان كل من حوله يناديه: يا بك.. بينما كان المدرس بالمدرسة الأولية التي جئت منها نقول له: يا أفندي.. وبالمناسبة كان ناظرنا في دمياط الثانوية يحمل رتبة البكوية.. وأنا من جيل كان يحترم، حتي الصبي الأكبر منه بعام واحد!! ولا أتذكر أنني رفعت عيني في عيني والدي رحمه الله أبداً فإذا أعطاني «مليماً» انحنيت وقبلت يديه.. واذا مشيت في الشارع ووجدت من هو اكبر مني يحاول العبور كنت أتنحي عن الطريق.. ليمر هو قبلي، وإذا داس أحدهم علي قدمي كان يعتذر وهو يبتسم.. كان الكل يحترم الكل، الغريب قبل القريب.. كانت تلك هي اساسيات التعامل بين المصريين، الأساسيات التي تربينا عليها.. فأين نحن مما يحدث الآن من انهيار أخلاقي أخشي ألا نكتشف خطورته.. لأن القاعدة تقول: من شب علي شيء.. شاب عليه.. هذا عن العلاقة بين الناس.. فماذا عن العلاقة بين المواطنين والمسئولين وزمان كان الدستور وكانت القوانين كلها تنص علي الاحترام المتبادل وعلي احترام الحاكم، وكانت النصوص تتحدث عن عدم العيب في الذات الملكية، أي عدم سب الملك.. ورغم ذلك كنا في المظاهرات الصاخبة نقول ما لا نجرؤ علي قوله فرادي خصوصاً بعد ان ساءت العلاقة بين الملك والشعب.. كذلك كان التعدي علي الموظف يعتبر تعدياً علي موظف عام اثناء تأديته وظيفته.. وكان قطع زرار جاكيت عسكري الشرطة جريمة يعاقب عليها القانون.. حقيقة نحن لا نطالب بذلك الآن.. ولكننا نحذر من مغبة هذا الانهيار الاخلاقي الذي سيدمر المجتمع المصري كله.. إننا نلاحظ أن احداً لم يعد يحترم أحداً، نعم تلك طبيعة الثورات، خصوصاً بعد الذي عاناه الشعب تحت الحكم الظالم السابق.. ولكننا نحذر من ان الناس لن تعود إلي ما كانت عليه من سنوات قريبة.. واذا كان للمواطن ان ينظر لرجل الشرطة الان بغيظ ظالماً أو مظلوماً من كثرة ما لقيه من تعنت بعض رجال الشرطة.. ولكن ليس إلي حد أن يقف بلطجي - في عز النهار - ويلطم مأمور قسم شرطة وسط القاهرة علي وجهه.. أو أن يحاول البعض اقتحام أقسام الشرطة أو إحراقها وإطلاق سراح من فيها من مجرمين.. هنا نقول لا.. فإذا كان القانون يعاقب المواطن اذا أخطأ.. فإننا الآن نملك أن نحاكم ونعاقب رجل الشرطة الذي يتجاوز ويعتدي علي المواطن.. فقد ذهب هذا العصر إلي غير رجعة والحمد لله.. إن من يتابع العبارات التي يقولها الأن المواطن في المظاهرات أو حتي في التعامل العادي يصاب بالصدمة.. واعتقد أن الطالب بما يعانيه من مدرسة لا تعلمه شيئاً.. له الحق في ان يرفض هذه المدرسة وهذا المدرس.. ولكن ليس له الحق في ان يدمر المقعد الذي يجلس عليه أو يرد علي المدرس دون احترام. ولست هنا بحاجة إلي التذكير ببيت الشعر الذي نظمه أمير الشعراء أحمد شوقي الذي يقول فيه: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت اخلاقهم ذهبوا والأمل في ان يعود الاستقرار سريعاً.. حتي لا نفقد ما بقي من اخلاقيات كان يتمتع بها شعب مصر.. ونظرة علي ما يقوله الصبية والاطفال في المناطق العشوائية يزعج ليس فقط رجال التربية.. ولكن كل حريص علي بقاء أخلاقيات هذه الأمة.. وهنا لا استعدي نواب مجلس الشعب علي النائب الذي اساء للسيد المشير محمد حسين طنطاوي، الذي هو قائم بعمل رئيس الجمهورية ولكن ما يسيء ان نري السيد النائب يصر علي موقفه.. هنا لابد من وقفة.. وأنا لا أريد أن نكسب ثورة.. ولكن في المقابل نخسر الأخلاق.. ورحم الله مدارس كنا نراها تحمل اسم: مدارس الأخلاق الحميدة..