«مد يدك إلى من يسقط، فأريج الزهور لا يلتصق إلا باليد الحانية» هكذا تقول الحكمة.. وهكذا الإحسان أيضا، فمن يحظى بمثل ذلك يكثر أعوانه، ويحصد المحبة.. ومن يمتلك فكرًا مرنًا يحقق ما يريد.. وكذلك الرجل حينما تبنى منهجًا مغايرًا وصف بالجنون، وعندما قدم سياسة تخلق كوادر قيل له «أنت تؤسس لغيرك».. من هنا كان للابتكار معنى فى قاموسه. عصبيته الزائدة وتقلب المزاج ليست نقاط ضعف، وإنما بحثا عن النجاح بأقصر الطرق، المقارنة بالغير تزعجه، يسعى دائما إلى الأفضلية، والاختلاف. سيف عونى العضو المنتدب لفروع شركة «وديان لتداول الأوراق المالية».. رغبته فى الوصول إلى الصورة المتكاملة كثيرا ما تعرضه إلى الضرر، لكن يظل متمسكًا بها ويفتش عنها حتى لو على حساب نفسه، بدايته المهنية حملت النشاط، ورسم له أصدقاؤه طريقًا للقمة، لكن مطبات الحياة كان لها وجهة أخرى. على مسافة أمتار من تمثال إبراهيم باشا بميدان الأوبرا، الذى كاد يحدث أزمة مع تركيا، لما يحكيه عن انتصار للجيش المصرى ضد الأتراك، وبالطابق الخامس، نهاية ممر ضيق يجلس الشاب الثلاثينى يبحث ويحلل، وقد تبدى على وجهه علامات البساطة مختلطة بالجهد، والتعب. «يبدو أفضل حالا، رغم أن العشوائية لاتزال تسيطر على المشهد, وللخروج من ذلك مطلوب من الحكومة شفافية أكثر، ومعلومة متكاملة، تساعد على تطمين المستثمر المحلى واستقطاب الاستثمارات الأجنبية التى لاتزال المعلومات منقوصة لاتخاذ قرار استثمارى» من هنا بدأت نقطة الحوار. «اللى يرى الأمور تدعو إلى التفاؤل سوف يظل هكذا، والعكس للمتشائم» هكذا كانت أول كلماته، لكن وفقًا لرؤية الشاب الثلاثينى أن مسار الإصلاحات تبدو جيدة، طبقًا للمؤشرات الاقتصادية سواء فى معدلات التضخم أو ميزان المدفوعات، أو الاحتياطى النقدى، أو حتى فى مؤشرات الاستيراد أو التصدير، لكن التكلفة الاجتماعية شوهت، وأضرت بالبرنامج الاقتصادى، رغم عمليات الحماية التى تحاول الحكومة توفيرها. أسلوب الحياة البسيط والاتزان فى مواجهة الصعاب هى التى شكلت منه انسانًا مغايرًا، فى تحليله للأمور، حيث يعتبر أنه من الظلم مقارنة تجربة التعويم الحالية بما شهده الاقتصاد ما بعد 2003، فالمشهد مختلف تماما. «لا اجتهاد مع النص» قالها الشاب الثلاثينى حينما سألته على المشهد فى السياسة النقدية، وتابع: «لا توجد سياسة واضحة، فلا يزال هناك حالة غموض، وتعمل دون تكامل، مع السياسة المالية، وباقى الجهات المعنية، لذلك حدث الارتباك بين السياستين». أقاطعه قائلا: لكن الظروف التى شهدتها البلاد وضعت الاهتمام بالسياسة النقدية على حساب المالية لمواجهة التضخم ولفترة زمنية. يرد قائلا: ربما، لكن الأفضل تحقيق توازن بين الطرفين، وليس الاهتمام بحساب واحدة على الأخرى، ويكفى عمليات الزيادة المتتالية التى شهدتها أسعار الفائدة، وأضرت الاستثمار، وساهمت فى زيادة أعباء الدين المحلى، لذا على البنوك العمل على تمويل المشروعات الإنتاجية، والاستثمارية التى تهدف الى تنشيط الاستثمار والمشروعات القومية، ولابد أن يكون هناك توافق فى عمليات التنفيذ». القناعة من الصفات التى غرسها والده بداخله منذ سنوات عمره الأولى، وهنا يمثل الحكومة بالطالب الذى يدخل إلى الامتحان ويقوم بالإجابة عن الأسئلة البسيطة، حيث تعتمد على الأساليب التقليدية فى السياسة المالية، والتركيز على شرائح بعينيها، دون فئات أخرى». أساله بماذا تعنى بالفئات الأخرى؟ يجيبنى أن «ضم الاقتصاد غير الرسمى المقدر بنحو 1.6 تريليون جنيه، وكذلك القطاع الخدمى والمهن الحرة، سوف يساهم بدور كبير فى زيادة الإيرادات، خاصة الضرائب العقارية، والسيارات». الشاب الثلاثينى يهتم بالتفاصيل كى يحدد قراره بدراسة متأنية، لذا يعتبر نجاح الشركات الحكومية المزمع طرحها بالبورصة، قادرة على تغيير السلوك الاستثمارى، والأهم فى الطروحات ليس التغطية فى اول يوم تداول فقط، وإنما الاستمرارية، وأستفادة المستثمرين، خاصة مع وجود مجلس ادارة للشركة بفكر جديد هدفه نمو الشركة، بما يحقق مصالح المستثمرين. قانون الاستثمار له مؤيدين ومعارضين، لكن «عوني» لديه وجهة نظر خاصة أن هدف القانون جذب الاستثمار، والتدفقات الاجنبية المباشرة، بعيدا عن أستثمارات المحفظة، التى تعتبر أموالا ساخنة، قابلة للتخارج فى أى لحظة». لاتزال البنوك تواجه انتقادات حادة من المراقبين بأن سياستها لا تخدم الاستثمار، وإنما تضع العراقيل، وللرجل وجهة نظر خاصة فى هذا الصدد، حيث إن دور البنوك تمويل للاستثمارات، والمشروعات، التى تساعد على الانتاج والتصدير، خاصة أن التكامل يتحقق فى الاقتصاد بالتكامل بين القطاع البنكى، وغير المصرفى، لكن ما يحدث على أرض الواقع مخالف تماما، حيث إن الاهتمام الأول والأخير للبنوك الدخول فى أدوات الدين فقط. منذ سنوات عمره الأولى حدد الرجل مشواره، فى البيزنس، وساعده على ذلك عمل والده، لذلك عندما يتحدث عن القطاعات القادرة على قيادة قاطر الاقتصاد يكون دقيقًا، إذ إنه يراها فى القطاع الصناعى والمقاولات باعتبارهما من المجالات كثيفة العمالة، وكذلك القطاعات الخدمية سواء الصحة أو التعليم، لما لهما من دور كبير فى تحقيق التقدم والتنمية، بالإضافة إلى السياحة والعقارات، والتى تقوم عليها العديد من الصناعات الأخرى. دار بداخلى سؤال حول القطاع الخاص والاستفادة من المشروعات الكبرى بمحور قناة السويس، ويبدو أن الرجل علم ما يدور بعقلى.. فبادرنى قائلا: إن أمام الحكومة فرصة كبيرة فى الاستفادة من تنمية محور قناة السويس، بتحويله الى مركز عالمى فى كافة المجالات المختلفة، التى سوف يكون لها الدور مستقبلا لصالح الاقتصاد، والاهتمام بالسوق الأفريقى القادر على فتح أبواب التنمية، لاحتياجاته الكبيرة، ونفس الأمر فى القطاع الخاص المطلوب تواجده بصورة أكبر على أن يمنح دوره كاملا بعيدا عن مطبات الحكومة التى تعيق سياسته التوسعية. التوفيق ورضاء الوالدين منحا «عونى» الأفضلية وسط أبناء جيله، لينجح فى تحديد استراتيجية متكاملة مع مجلس إدارة الشركة للنمو فى السوق، تقوم على محورين سواء بالعمل على تطوير العنصر البشرى، والذى بدأه منذ الدراسة بتدريب كوادر شابه، قدمها لمجال سوق المال، وحققت نجاحات أو العمل على تحقيق التكامل للشركة فنيا، وإضافة أنشطة جديدة تساهم فى منافسة الكيان بالسوق. العمل الجماعى وروح الفريق كان لهما مفعول السحر فى الحفاظ على استمرار نشاط الشركة وقت الأزمات، ومن هنا يكون الهدف بزيادة رأسمال الشركة من 7.5 مليون جنيه إلى 15 مليون جنيه، وكذلك العودة لسياسة التوسع بالفروع مع نشاط السوق. عندما حدد دراسته اتجه إلى إدارة الأعمال حتى تكون لديه القدرة على اتخاذ القرار بصورة احترافية، لكن لا ينسى الشاب الثلاثينى الأشخاص الذين مدوا له أيديهم حتى لو معنويًا وأولهم والده ووالدته وزوجته.. «عونى» عشقه الأول فى قراءة السياسة ومجال عمل، متعته يجدها فى الموسيقى، وممارسة رياضة الرماية لما تمنحه له من صفاء زهن وتركيز، مغرما بالألوان الزرقاء التى تعكس شخصيته النقية الصافية، لكن يظل طموحه بل سقف وأولها الوصول بشركته مع مجلس الإدارة إلى مكانة متقدمة.. فهل ينجح فى تحقيق ذلك؟