منح الدستور الدائم، الذي تم تعطيله بعد ثورة يناير، حق الترشيح لغير المسلمين وللنساء، وهذا الحق لم يكن مستحدثا، بل تم إدراجه في أول دستور صدر بعد قيام ثورة يوليو، وظل قائما في جميع الدساتير التي صدرت بعد ذلك، والمفاجأة التي لا يعلمها الكثيرون أن المادة التي منحت حق الترشيح هذه تشمل المسيحى والدرزي والبهائي والشيعي والصابئى والملحد والبوزى، كما شملت أصحاب الجنسية المزدوجة، وهى المادة (رقم 120) من دستور 1956، وقد نصت على التالي: «يشترط فيمن ينتخب رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين وجدين مصريين، وأن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وألا تقل سنه عن خمس وثلاثين سنة ميلادية، وألا يكون منتمياً إلى الأسرة التي كانت تتولى الملك في مصر». ونص المادة هنا تضمن أربعة شروط، الأول: أن يكون مصريا ومن أبوين مصريين، الثاني: متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، الثالث: سنه لا تقل عن خمس وثلاثين سنة، الرابع: ليس من الأسرة المالكة، وهذه المادة لم تشترط الديانة، وهو ما يسمح بأن يتقدم للترشح أتباع الديانة البوذية أو البهائية أو اليهودية أو المسيحية أو الدرزية.. وتسمح كذلك للكافر والملحد واللادينى، وتسمح للشيعي والأباضى ، كما أن نص المادة لم يمنع أصحاب الجنسية المزدوجة من الترشح لكرسي الحكم، فقط اشترطت أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وهو ما يعنى أن الذي يحمل الجنسية المصرية مع الجنسية الفرنسية أو الأمريكية أو الإسرائيلية يحق له الترشح، والذي يعود لنفس المادة يكتشف أيضا أنها تسمح للمتحدث بلغة غير العربية أن يتقدم للحكم، لأنها لم تشترط إجادته اللغة العربية. وهذا النص بحالته تمت المحافظة عليه في الدستور التالي، دستور عام 1964 ، حيث ذكرت ذات الصياغة في المادة (101)، وحذف منها فقط الشرط الرابع الخاص بالأسرة الحاكمة، وظلت فى دستور 1971 الذي سمي بالدستور الدائم تحت رقم ( 75)، والتعديل الوحيد الذي أدخل عليها كان في عمر رئيس الجمهورية، حيث اشترطت المادة: «ألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلادية». وقد ادخل على الدستور الدائم ثلاثة تعديلات، الأول في 22 من مايو سنة 1980 ، والثاني يوم 25 مايو سنة 2005 ، والثالث طبقا للاستفتاء الذي أجرى يوم الاثنين 26 مارس سنة 2007 ، ورغم تعدد التعديلات ظلت المادة رقم(75) كما هي تتيح الفرصة أمام جميع المصريين من المسلمين واليهود والبهائيين والمسيحيين والصابئة والملحدين والقايدانيين والدروز والشيعة، للترشح لمنصب رئيس الجمهورية. المدهش في الأمر أن أغلبية من ينادون بالدولة المدنية وبأحقية ترشح المسيحيين لمنصب الرئاسة طالبوا بحذف المادة الثانية من الدستور ظنا أنها العائق أمام ترشح غير المسلمين، مع أنها تناولت ملامح الدولة فقط ، حيث حددت هوية البلاد في ثلاثة أعمدة رئيسية، وهى الديانة: الإسلام، واللغة: العربية، والقوانين: من الشريعة الإسلامية. فى ظني أن نص المادة بصياغته الحالية تحدث عن الدولة وتشريعاتها ولم يتناول الحاكم ولا هويته، وهو ما يعنى أنها تسمح لغير المتحدث بالعربية، وأصحاب الجنسية المزدوجة، ولغير المسلم تولى رئاسة البلاد شريطة أن يحافظ على هويتها، أن تكون ديانتها الإسلام، ديانة الدولة وليس ديانة الحاكم، ولغتها العربية، وقوانينها إسلامية. السؤال الذي يطرح نفسه فى ظل حوادث العامرية وتهجير الأسر هو: هل الفرص (غير المستغلة) التي منحت لغير المسلمين منذ عام 56، ستتاح لهم في الدستور القادم؟