استمعت إلى جزء من كلمة زياد العليمي في بورسعيد. لا يمكن احتمال هذا التدني، والإسفاف في الخطاب، كما لا يمكن احتمال هذا الانحطاط في الشعارات من جمهور غوغائي حتى لو كان ينتسب لمدينة بورسعيد الباسلة، فكل بلد فيه الصالح، والطالح، والمهذب، وقليل الحياء. يصعب تصديق أن ينتسب العليمي إلى ثورة مصر النبيلة العفيفة التي اكتسبت احترام العالم برقيها، فحتى شعاراتها ضد مبارك لم تكن متدنية، أو مهينة، كما يصعب القبول بأن هذا الجمهور، هو جمهور الثورة، فالجمهور الحقيقي هو من نظف التحرير صباح 12 فبراير. هل يسألني أحد لماذا ينفر المصريون من الثورة، ومن الفريق النشاز عن صوت الثورة الحقيقي الذي لا يخاطب الناس إلا بالحسنى؟. يكفيهم أن يستمعوا لما قاله زياد .! أتأسف أن أكتب عن مثل هذا الموضوع، لكني مضطر أن أفعل ذلك لإبداء الاستهجان الشديد مما قاله، ومنه شخصيا، ومن أي شخص آخر يكون على شاكلته، ولابد أن يكون هناك رفض عام لمثل هذا الخطاب الشاذ على الساحة السياسية المصرية، وقيمها وأدبياتها، وكذلك الرفض لهذه النوعية التي تتحدث باسم الشعب المصري، والشعب قد لفظها. وإذا كان سيحاجج بأنه نائب منتخب يمثل الشعب، فهو لابد أن يشكر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يهاجمه، ويهين رئيسه بفظاظة وبذاءة لأن المجلس صمم نظام الانتخابات في القوائم بحيث لا ينفرد حزب واحد، أو اثنان كبيران بمقاعد كل دائرة، إنما لكي تستفيد الأحزاب الصغيرة بما تحصل عليه من أصوات ولو قليلة، وهو ما خدم زياد، وآخرين، وبفضل القوائم وطريقة حساب الأصوات فإن العديد من الأحزاب الصغيرة دخلت البرلمان. و لولا القائمة ما كان حصل زياد على المقعد في أي انتخابات فردية سواء كانت في دوائر صغيرة، أم كبيرة. من يستمع لما قاله هذا النائب هل يمكن أن يتخذه قدوة، أو يأمن له في ممارسة دوره داخل البرلمان مستندا إلى قيم سياسية وأدبية سوية، بل هل يطمئن إليه لو أسند له منصب في وزارة ائتلافية مثلا؟. إذا كان المعروف عن السياسة أنها بلا أخلاق، فما كنت أود أن يبدأ العليمي طريقه السياسي بهذا الدرس، وهو إسقاط الأخلاق وأدب الحديث من قاموسه، ويقدم صورة منفرة، مقززة عن نفسه وهو ما زال في مقتبل العمر والعمل العام. حقيقة أخشى عليه من الانجراف في هذا الطريق حيث سيشوه صورته شعبيا، فإذا كان هناك مائة أو مائتان أو أكثر يرون أنه بكلامه هذا شجاعا مقداما فإن ملايين كثيرين يرون فيه غير ذلك. وقد كانت أمامه فرصة جيدة للاعتذار في البرلمان عندما طلب منه رئيس المجلس ذلك بحنان كما بدا لي لكن العناد وربما الاستكبار "ركب رأسه"، ولو كان اعتذر لكانت ارتفعت قامته على عكس ما يظن، فالشجعان هم من يعترفون بالخطأ ويتراجعون عنه بصراحة وليس بالالتفاف والتأسف وزيادة الطين بلة باتهام الآخرين بالغباء لأنهم لم يفهموا كلامه ومقصده. أنا استمعت لحديثه وفهمته مباشرة وبسهولة ولم أخطئ في هذا الفهم ووجدت فيه عمدية بإهانة المشير عدة مرات، وبالتالي لم يكن هناك داعٍ للتذاكي أيها النائب على الشعب الذي أصبح أكثر وعيا. ومع ذلك أتمنى منك أن تحافظ على مستقبلك السياسي فأنت ما زلت صغير السن فلا تحرق نفسك سريعا، ولا تستمع للمحرضين حولك ولا للمزايدين، " فإن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقي". ليست بطولة أن يسب الإنسان أي مسؤول، سواء كان مشيرا، أم خفيرا، أو حتى شخصا من آحاد الناس، فهناك مثل مهين ينطبق على هذه الحالة لا أريد أن أذكره، بعكس ما فعل زياد في بورسعيد حيث ذكر على الملأ مثلا شعبيا، وذكر أوصافا واتهامات بحق المشير طنطاوي لا تليق، وكنت أربأ من نائب شاب يتلمس طريقه أن يكون حديثه في الهجاء وليس في السياسة. القرآن الكريم يقول "إنك لعلى خلق عظيم". ويقول: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". والحديث النبوي يقول: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". والحكمة تقول: "الدين المعاملة ". والشاعر يقول: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. هذه بعض من قيم، وسلوكيات المسلم، وهي قيم إنسانية، ودينية عامة، وهي ما يجب أن نتعامل بها مع بعضنا البعض، ومع غيرنا، حتى نقدم الصورة المثلى عنا، وعن إنسانيتنا، وعن ديننا وبدون ذلك، أي بالسب والشتم والإهانة، فلن يحترمنا أحد، ولن نختلف عن الكائنات الأخرى. مهما يكن الخلاف بين العليمي وجماعته من الثوار مع المشير وأعضاء المجلس العسكري فهناك شيء مهم اسمه أدب الاختلاف بين الخصوم السياسيين. ألا ترى في العالم المتحضر أن المهزوم في الانتخابات مثلا يبادر بتهنئة الفائز، وألا تراهم كيف يخاطبون بعضهم بعضا وهم في قمة الخصومة والاختلاف السياسي والفكري والأيدلوجي؟. تذكر زميلك النائب المحترم الدكتور عمرو حمزاوي الذي ظل في بداية كل برنامج يظهر فيه بعد الانتخابات يشيد بأخلاق منافسه الإخواني الذي رسب أمامه لأنه هاتفه وهنأه. اكتسب عمرو ابن الأصول احترام ومحبة المصريين زيادة على احترامهم له وقدم سلوكا سياسيا متحضرا يجب أن يسود بيننا. إذا حاسبك المشير بالقانون فإن الحق سيكون إلى جانبه، فهل ستظل على شجاعتك عندما كنت تسبه وتقبل بما يحكم به القضاء، أم ستصرخ وتولول ومن ورائك جوقة المهيجين حتى يعفو عنك، كما حصل مع حالات عديدة سابقة يقدمون عنوانا خاطئا للثورة. لا أدافع عن المشير فهو قادر على الدفاع عن نفسه بكل الوسائل، لكني أدافع عن أدب الاختلاف. وسأكتفي بهذا القدر إكراما لخاطر أناس لهم علاقة قوية بالعليمي، وما زلت أحمل لهم في ذهني صورة حسنة، ولا أريد أن يشوش عليها هذا الابن.