بعد وصول سفينتين حربيتين إيرانيتين إلى ميناء طرطوس لدعم نظام الأسد الإجرامي في مواجهة الضغوط العربية والدولية الهادفة لإجباره على التنحي ووقف مجازره بحق شعبه, إلا أنه فوجئ بصفعة جديدة وتحديدا من مصر. ففي 19 فبراير, أعلنت وزارة الخارجية المصرية أن القاهرة قررت استدعاء سفيرها في دمشق, احتجاجا على استمرار حملة القمع في سوريا. وجاء في بيان صادر عن الخارجية المصرية أن وزير الخارجية محمد كامل عمرو استقبل السفير المصري في دمشق شوقي اسماعيل بعد أن تم استدعاؤه وتقرر أن يبقى في القاهرة "حتى إشعار آخر". واللافت للانتباه أن الخطوة السابقة جاءت بعد تصعيد في الموقف الشعبي والرسمي المصري ضد دمشق في الأيام الأخيرة, ففي 17 فبراير, خرجت مظاهرات حاشدة في القاهرة, فيما أطلق عليها "جمعة طرد السفير السوري". وانطلقت مسيرة حاشدة دعت إليها بعض الحركات السياسية من أمام مسجد عمر مكرم، الواقع في أحد أطراف ميدان التحرير، بعد انتهاء صلاة الجمعة وتوجهت نحو مقر السفارة السورية القريب، كما انضم لها عدد من الناشطين السوريين المقيمين في القاهرة . وتنوعت هتافات المتظاهرين، الذين حملوا أعلام مصر وسوريا وكذلك فلسطين، بين المطالبة بطرد السفير السوري ومحاكمة الرئيس بشار الأسد على جرائم الإبادة التي يرتكبها ضد شعبه، بالإضافة إلى انتقاد موقف كل من روسيا والصين اللتين حالتا دون صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يدين الوضع في سوريا. وفيما خرجت مظاهرات مماثلة في محافظة الإسكندرية، طالب حزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين, في بيان له باتخاذ قرار فوري بطرد السفير السوري من القاهرة وسحب السفير المصري من دمشق وقطع العلاقات مع دمشق. كما دعا إلى الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي السوري باعتباره ممثلا شرعيا للشعب السوري، وتقديم الحكومة المصرية كل الدعم لهذا المجلس عربيا وإقليميا ودوليا من أجل التصدي لمجازر نظام الأسد. وقبل ذلك وتحديدا في 14 فبراير, أكد وزير الخارجية محمد كامل عمرو أن الوقت قد حان للتغيير في سوريا، وطالب بالوقف الفوري لأعمال العنف ضد المدنيين, محذرا من العواقب الوخيمة لانفجار الوضع هناك. واللافت إلى الانتباه أن تصريحات محمد كامل عمرو السابقة جاءت بعد ساعات من إصدار شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بيانا في 13 فبراير حمل اسم "صرخة الأزهر من أجل سوريا الشقيقة"، وتضمن هجوما شديدا على النظام السوري، مطالبا العرب أولا وأحرار العالم ثانيا بعمل جاد جريء عاجل يتجاوز حدود بيانات الإدانة والتنديد. وجاء في بيان شيخ الأزهر"لقد بلغ السيل الزبى في قطرنا السوري، وجاوز الظلم المدى, في كل يوم تُزهق فيه الأرواح البريئة، تشكو لربها هذا الطغيان البشع الذي لا يتوقف، وتستصرخ العرب أن يفعلوا شيئاً -ولو يسيراً- يُوقف آلة القتل والموت والدماء والخراب، وتحملهم -أمام ضمائرهم وتاريخهم- مسئولية هذا العبث، وهذه الهمجية التي طال عليها الأمد في سوريا". وبالنظر إلى أن قرار مصر استدعاء سفيرها في دمشق جاء بعد خطوات خليجية مماثلة, فقد رجح كثيرون أن تتزايد عزلة النظام السوري خلال الأيام المقبلة. ورغم أن إيران سارعت لإرسال سفينتين حربيتين إلى ميناء طرطوس السوري في 19 فبراير بعد ساعات من موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار عربي يدين نظام الأسد, إلا أن تعويل دمشق على دعم إيرانوروسيا والصين لن ينقذ النظام السوري لفترة طويلة, خاصة في ظل التقارير المتزايدة حول أن "مؤتمر أصدقاء تونس" المقرر عقده في 24 فبراير تحت رعاية الجامعة العربية وبمشاركة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي سيحدد الخطوات العملية لتسليح المعارضة السورية. بل وخرج قائد العمليات العسكرية في الجيش السورى الحر العميد حسام الدين العواك بمفاجأة في 16 فبراير كشف خلالها تفاصيل خطة الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. ففي تصريحات أدلت بها صحيفة "الشرق" السعودية, أكد العواك أنه تم تشكيل وتدريب فصائل عسكرية أهلية من المدنيين من الشباب الذين سبق أن أدوا الخدمة العسكرية فى الجيش النظامى، كما تمت إعادة ضباط سبق أن خرجوا من الخدمة للعمل ضد كتائب الأسد. وتابع:" يتم التحضير أيضا لعقد مؤتمر عام للقادة العسكريين المنشقين، بمن فيهم العاملون داخل الأراضي السورية، بحيث نكون أكثر تنظيما ووحدة وتفاهما في مواجهة كتائب الأسد"، موضحا أن الانشغال بالعمليات العسكرية المتواصلة فى سوريا خلال المرحلة الحرجة الحالية هو سبب تأخر تنظيم صفوف أفراد الجيش السورى الحر. وشدد العواك على أن أهم ما يطلبه جيش الثوار حاليا هو تطبيق الحظر الجوي، لأن الأسد سوف يستخدم سلاح الطيران لإخماد الثورة. واستطرد: "الثوار لا يريدون أي تدخل أجنبي بل سنحرر أراضينا بأنفسنا، وسنعمل على إقامة منطقة عازلة أو عدة مناطق، في ضوء قوتنا الحالية الموجودة على الأرض، بشرط تطبيق الحظر الجوي". وأشار العواك إلى أنه هو من يقود حاليا قيادة العمليات العسكرية ضد كتائب الأسد بالتنسيق بين تجمع الضباط الأحرار والجيش السورى الحر، وتحت قيادة المجلس العسكري الثوري المؤقت برئاسة العميد مصطفى الشيخ. وفيما أكد أنهم يعولون أيضا على الدعم الذي سيقدمه مؤتمر أصدقاء سوريا الذي سيعقد فى تونس في 24 فبراير للإسراع بالإطاحة بالأسد, شدد العواك على أن الجيش النظامي أصبح لا يسيطر حاليا على كامل الأراضي السورية، وأن القوات المنشقة نجحت في حصار الجيش فى مناطق معينة داخل البلاد، فأصبح مشتت الأوصال، موضحا أن القوة التنظيمية للمنشقين داخل سوريا بدأت تتضح على الأرض, مقابل عجز كتائب الأسد. والخلاصة أن الخناق يضيق يوما بعد يوم على الرئيس بشار الأسد, بل ولم يستبعد كثيرون أن يلقى مصير القذافي في النهاية.