يبدو أن المشهد العراقي بعد إصرار الأكراد على الانفصال بدعم صهيوني، أصبح أكثر تعقيداً، هذا الدعم أثار الكثير من التساؤلات عن أسباب هذا التأييد الوحيد الجارف من الكيان الصيوين للانفصال؛ والذي أكد أن ما يشغل تل أبيب هو العمل على جعل المنطقة العربية في حالة اضطرابات دائمة حتى لا يهنأ لها بال، تُرى هل سينجح الأكراد في الانفصال عن العراق كما حدث في جنوب السودان، أم سيصغون إلى نداء العقلانية واليقظة من العدو الذي يظهر في وصرة شبح الداعم.. ومن هنا جاء حوار صحيفة الوفد مع السفير العراقي لدى مصر، معالي السفير حبيب الصدر ماهي التحديات التي سيفرضها الاستفتاء في حال إجرائه، وما هي آلية حكومة بغداد حيال التصدي لمحاولات تقسيم العراق والنيل من وحدته؟ بداية نود أن نؤكد أن الاستفتاء المزمع إقامته سيؤدي إلى إلحاق الضرر الكبير بإقليم كردستان، فلن تعترف به بغداد ولن تتعامل معه، ولا توجد أي دولة أيدته في المجتمع الدولي، كما أن دول الجوار تتعامل مع هذا الأمر بمواقف وصلت إلى حد التهديد. وعند القراءة الجيوسياسية للمنطقة التي توجد فيها القومية الكردية الكريمة والتي تتوزع في العرا ق وتركياوإيران وسورية، نجد أن ما تسعى إليه بعض القيادات الكردية في السير نحو الإنفصال دون إدراك للعواقب الباهظة سيفتح باب الأزمات على الإقليم، فلا يمكن التصور أن تركياوإيران الدولتان القوميتان والقوتان الأساسيتان في المنطقة ستتعاملان مع هذا الأمر بشكل عابر، كما أن العراق له كامل الحق للانتصار لحدوده وأراضيه ودستوره. وبهذا الصدد نشير إلى أن المحكمة الاتحادية العليا رفضت الاستفتاء لمخالفته الصريحة للدستولار، كما خول مجلس النواب العراقي رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي الصلاحية للتعامل مع الموقف بما يضمن الحفاظ على وحدة العراق، ومن جانبها جددت كتلة التحالف الوطني وهي الكتلة الأكبر في البلاد رفضها للاستفتاء ونتائجه ودعت إلى اعتماد الحوار لحلحلة الإشكاليات، ونؤكد أيضا أن أمر الاستفتاء أحدث انقساما داخل البيت الكردي، إذ رفضت حركة التغيير والجماعة الإسلامية وبعض القوى في الأقليم هذا الأمر، لعدم وجود مقبولية من قبل المجتمع الدولي لتلك الفكرة. أما بشأن تعامل بغداد مع هذا الأمر سيكون وفقا للإجراءات التي تتسق مع الدستور لكننا سنقدم لغة الحوار قبل لغة الرصاص، لأننا نؤمن أن منهج العنف لا يولد سوى العنف، وكما اجتمعت فوهات بنادق أبناء القوات المسلحة مع البشمركة صوب العدو الداعشي، نأمل أن تغلب لغة الحكمة ووزن الأمر وفق المكاييل الواقعية، وأن نستحضر الوفاء لدماء شهدائنا الأبرار الذين قاتلوا الإرهاب من أجل الأرض والعرض، كي نجدد عهدنا مع وحدتنا الوطنية وتأريخنا المشترك. ونرى أن الأسلوب الصحيح للإدارة والحكم في بلد تعددي مثل العراق، لا يتم بأن يتفرد طرف رؤاه على حساب الآخرين بل يجب أن تنظم تلك الرؤى ضمن الدستور والحقوق المتبادلة، لذلك نؤكد من صحيفتكم الغراء أن استفتاء الانفصال سيرتد على نفسه، والأنسب للجميع هو ما توصلنا إليه من حل فيدرالي ضمن الدستور، ونشدد على ضرورة استثمار الأخوة (العربية- الكردية) في دعم وحدة العراق، كما نؤكد أن المنافع والمكاسب المعنوية والمادية لجميع العراقيين ما زالت أكثر مردودا في إطار الوحدة الدستورية، وبغداد ستبقى المحور الأهم للكرد ولغيرهم لتحقيق الحقوق والمطالب خصوصا وأن منطقتنا حبلى بالمفاجئات، وقد علمتنا دروس التاريخ أننا في العراق كلما واجهنا تحديات بشكل مشترك كلما خرجنا بنتائج أفضل. ما هي أسباب دعم إسرائيل لفكرة انفصال كردستان وما هي هدفها من ذلك؟ نعم الدوائر السياسية والإعلامية الإسرائيلية أكدت دعمها صراحة لاستفتاء الانفصال، ونؤكد أن الدعم الإسرائيلي لتلك الخطوة ليس حبا لإقليم كردستان، ولا دعما لحقوق الأكراد، فدولة إسرائيل دوما تسعى إلى تفتيت المنطقة وشرذمتها وادخالها في دوامات وانقسامات كي تضمن أمنها القومي على حساب ويلات الآخرين، كما أن أبرز أهدافها الفاعلة هو النيل من الدولة العربية الفاعلة مثل: العراق ومصر، مع خلق الأزمات بين البلدين. ونرى أن العداء الإسرائيلي للعراق هو عداء ضارب في عمق التأريخ بل بعض كبار المتصهينين يدعو إلى الانتقام من العراق ثائرًا للسبي البابلي الذي قام به نبوخذ بنصر عندما جلب الآلاف اليهود أسرى إلى العراق بعد إنهاء دولتهم. ونشير إلى أن إسرائيل سعت إلى دعم الإرهاب وإحداث الفوضى في منطقتنا العربية، وإنهاك الدول بعد أحداث الربيع العربي، من أجل أن تكون جزيرة هادئة في بحر متلاطم الأمواج. كما أن لإسرائيل إستراتيجية تهدف إلى الإضرار بمصالح مصر المائية عبر التأثير على دول حوض النيل، لذلك نؤكد أن تراجع التهديد الإسرائيلي إلى تهديد ثانوي وبروز الصراع العربي- العربي أو العربي- مع بعض الدول الإسلامية الفاعلة يصب في النهاية في مصلحة إسرائيل، وإرهاب الدولة الذي تمارسه بحق الشعب الفلسطيني. لذلك ستدعم إسرائيل أى خطوة تهدف إلى تمزيق أي بلد عربي أو إسلامي، وعلينا أن ننتبه جميعًا لهذا الأمر تجنباً لأي تسونامي في منطقتنا من صنع دوائرها ولوبياتها. ما هي توقعاتك بشأن إجراء الإستفتاء هل ستنجح الخطوة أم ستبوء بالفشل؟ الاستفتاء لن ينجح لأنه يمتلك الإطار الدستوري، فلا الحكومة الاتحادية ستعترف به، ولا المجتمع الدولي سيتعامل معه، وعدم نجاحه أو نجاحه ليس الورقة المكتوب عليها نعم أو لاء، لكن في الإجراءات المتوقعة وغير المتوقعة التي ستعقب تلك الخطوة إن حدثت، فالولايات المتحدة أكدت أكثر من مرة رفضها لتلك الخطوة، وبريطانيا بعثت بوزير دفاعها إلى بغداد مؤخرًا لإيصال رسالة رفض الاستفتاء، والرئيس الفرنسي أكد أنه على الأكراد العيش ضمن الإطار القانوني للدولة العراقية، كما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شدد على دعم سيادة العراق ووحدة أراضيه خلال اتصاله بالسيد العبادي، هذا إلى جانب تأكيد وزير الدفاع التركي أن أى تغيير في الجغرافية العراقية سيمثل تهديدا لتركيا، ونشير أيضا إلى أن الشيخ حسن روحاني رئيس إيران، قد أكد أن تغيير الحدود سيفتح المجال أمام مواجهات، ناهيك عن رفض الأممالمتحدة والمنظومة العربية لتلك الخطوة من خلال الإجتماع الوزاري الأخير في جامعة الدول العربية، لذلك نرى أن الإستفتاء ستكون له تداعيات تضر بمصلحة الإقليم لما له من انعكاسات على دول المنطقة، كما أنه يمثل خطوة معزولة ليس لها حاضنة حقيقية، وستسهم بإعادة الحسابات من قبل بعض دول المنطقة مع الإقليم وسيدفع الفرد الكردي ثمنًا باهظًا نتيجة تلك السياسة. لماذا يصر الأكراد على الإنفصال ضاربًا بعرض الحائط الإمتيازات التي منحتها له الحكومة الإتحادية وما مصلحتهم من ذلك رغم رفض المجتمع الدولي لذلك؟ في الحقيقة عراقنا الجديد بنى على شراكة حقيقية، وإنصاف لجميع المكونات، وحرصنا في الدستور الدائم على ضمان حقوق الجميع، ونعتقد أن الأخوة الكرد لم يتعرضوا إلى تهميش أو إقصاء أو إذابة للهوية، ونشير إلى أن ما قام به النظام الصدامي الديكتاتوري من قمع ووحشية بحق العرب والكرد تجاوزنا آثاره في بنائنا لوطننا الجديد، فمنصب رئيس الجمهورية يشغله الدكتور فؤاد معصوم ورئيس الجمهورية لدينا هو المعبر عن وحدة العراق، وفي بغداد عدد كبير من الوزراء ووكلاء الوزارات ونواب البرلمان وأصحاب الدرجات الخاصة وصغار الموظفين من الكرد، مع إحترام بغداد لخصوصية إقليم كردستان في الاحتفاظ بنسقها الإداري وقواتها الأمنية والبشمركة، كما أن منهجنا في إدارة الدولة بني وفقا للتوافق والشراكة فلم يمض أي قانون أو قرار إستراتيجي في البلاد دون موافقة الأطراف الكردية عليه، أما الإصرار على إقامة الاستفتاء فنؤكد أنه جاء في مرحلة بلوغ نصرنا الكبير على الإرهاب، وهذه الخطوة تضعف العراق بدلا من أن يسهم الجميع في تضميد الجراح وإعادة ترتيب الشأن الداخلي من أجل ولادة عراق قادر على التحديات والدماء التي بذلناها. ما موقف بغداد من الإنفصال إن حدث ذلك وما عواقب ذلك على العراق ومستقبله وهل قضية الإنفصال ستقود إلى حرب؟ توجد خشية حقيقية لدى دول العالم لا سيما دول الجوار من محاولات إضعاف العراق، ونحن لا نأمل أن تصل الأمور إلى حد إراقة الدماء وإزهاق الأرواح ونرجو مع ثقتنا الكبيرة بحكمة القيادة الكردية أن تراجع هذه الخطوة في ضوء مواقف المجتمع الدولي ودول المنطقة والدستور العراقي، ولا يمكن للانفصال أن يكون مشروعا بخطوة انفرادية، ولا توجد أي حالة في المجتمع الدولي قرر فيها طرف ما بين ليلة وضحاها أن يعيش بمعزل عن الشريك، فلم تشهده حتى حالات الجبل الأسود وجنوب السودان وسلوفاكيا ... إلخ من التجارب، التي بنيت على التفاهم والمقبولية والموافقة بين الشركاء في تلك البلدان. وفي حالة إقليم كاتالونيا الإسباني وتطوراتها الأخيرة أكدت الحكومة الأسبانية بأن هذا القرار يعد أحاديا، وسيسفر عن نتائج سلبية متبادلة، وسيواجه بسياسات مضادة كما حذر رئيس البرلمان الأوروبي كاتالونيا إن أقدمت على تلك الخطوة. أما بشأن موقفنا فإن رئيس الوزراء يمتلك التفويض كاملا بالإجراءات اللازمة لصيانة وحدة العراق والحفاظ على الدستور، ونؤكد أن المجلس الوزاري للأمن الوطني في العراق أعلن موقفه الواضح في حماية وحدة العراق وسلامة جميع مواطنيه، وإيقاف الإجراءات التي تهدد أمن البلد والمواطن. وشدد أن المجلس أيضا على رفضه لاستفتاء إقليم كردستان لعدم دستوريته، مبيناً أنه يمثل تهديدا للأمن الوطني ووحدة النسيج العراقي.