«الحياة مغامرة أو لا شىء، والطموح عقار يجعل مدمنيه قابلين للجنون»، هكذا تقول الحكمة، وكذلك الحال للباحث عن الموهبة والأفضلية.. وعندما يكون عملك هو المكان الذى تجد راحتك وسعادتك.. اعلم أنك أمام باحث عن الابتكار والطموح دون سقف.. الرضاء عن النفس لديه من المستحيلات، لا لشىء سوى للرغبة فى إضافة المزيد لشخصه وعمله. نشأته فى بيت يعمل بالصناعة والأعمال الحرة فرضت عليه مساره العملى، بمرور الوقت أدى شغفه للبيزنس إلى الانخراط فى العمل، متحملاً المسئولية، مع محطات مسيرته، ليتحول من الفتى المدلل إلى القادر على الوصول إلى أبعد نقاط القمة. محمد الدماطى، نائب رئيس مجلس إدارة شركة الصناعات الغذائية العربية «دومتى».. من يريد معرفته عليه أن يفتش فى شخصيته، فقد يبدو غامضاً، ومغروراً، والكلمة عنده بحساب، حتى لا يتحمل آثارها، لكن مع مجالسته يتبدد الانطباع، ليتبدى فى ملامحه الوضوح والحماس. «عندما نريد شيئاً، فإن الكون بأسره يطاوعنا لإيجاده» هكذا إيمانه بما يعمل.. بالطابق الثانى وعلى بعد خطوات من حديقة الحيوان، فى غرفة مكتب تحمل جدرانه صورتين واحدة شهادة تقدير لشركته، والأخرى لناديه الذى يشجعه «الأهلى»، مجموعة ملفات تتعلق بالعمل، وكمبيوتر أول ما يلفت الانتباه.. جلسنا وفى ملامح الشاب الثلاثينى تفاؤل لا يخلو من الحذر. حينما أفصحت عن انطباعى ارتسمت على وجهه علامة رضا قائلاً: «عليك أن تفتش فى القطاع الغذائى شغلى الشاغل بحكم عملى سوف تتكشف أنه لا يوجد حديث عن استثمارات جديدة، أو خطط توسعية، بل تجد أن بعضها بدأ ينفذ استراتيجية انكماشية، والاستغناء عن عمالة، وكل ذلك يخلق قلقاً للمستثمر الأجنبى على اعتبار أن المستثمر المحلى مؤشر لتدفق الاستثمارات الأجنبية، ومشاكله تكون لها تداعياتها على المستثمر الأجنبى، والعلاج ضرورة الاهتمام بالمستثمر المحلى القادر على خلق فرص عمل، والحد من معدلات البطالة». إذن، ماذا سوف يكون الحل؟ يجيبنى قائلاً: «القطاع الغذائى من المجالات الجاذبة للاستثمارات، والسوق المحلى يحظى بفرص كاملة فى هذا القطاع، ويؤكد ذلك الاستحواذات التى تشهدها الصناعة بين الحين والآخر، ولا بد أن يوضع اعتبار لذلك بتحديد منظومة ضريبية واضحة، وسياسات بنكية، لإتاحة فرص النمو للشركات العاملة فى الصناعة التى تخدم الملايين». الشاب الثلاثينى الذى يشابه والده فى هدوئه، ويصفه أصدقاؤه «ابن الوز عوام» يحلل الوضع من وجهة نظر خاصة بأن المشهد أفضل حالاً من وقت التعويم، ورغم الملاحظات، فإن شركات القطاع الخاص، بات لديها استراتيجية مع تحسن الحال قليلاً، وخطط مستقبلية تعمل عليها، رغم ضعف القوة الشرائية، ومؤشرات الاقتصاد من تعافى للصادرات، والسياحة، وتحسن لميزان المدفوعات، وتراجع عجز الموازنة لأقل من 10%، وكذلك تحسن تحويلات المصريين فى الخارج تدعو إلى التفاؤل بالقادم». أقاطعه قائلاً: إذا كان هذا الحال فما الداعى إلى نبرة القلق؟ يرد علىّ قائلاً: إن لدينا معدلات تصخم قياسية، وسط قوة شرائية ضعيفة، ومعدلات ديون خارجية وداخلية مرتفعة، وتدفقات أجنبية تقتصر على استثمارات المحفظة سواء سندات أو أذون خزانة أو أسهم، وهى تعد أموال ساخنة بمجرد أحداث سلبية تهرب هذه الأموال». الأمانة واحترام الكلمة وجهان لعملة واحدة فى فلسفة الرجل، والخروج من هذه المخاوف الدائرة بعقل رجل الشارع يتطلب دخول استثمارات أجنبية مباشرة، تساهم فى حركة الإنتاج، وخلق قوة شرائية قوية قادرة على تغطية التضخم، الذى ارتفعت أسعار العديد من السلع الغذائية والأدوية، ووسائل النقل بين 50%، و60%، وحتى يتحقق التوازن لرجل الشارع سوف يستغرق الأمر وقتاً. لن يتوقف الجدل بين الخبراء حول ملف السياسة النقدية رغم أن «البكاء على اللبن المسكوب» لا يجدى، إلا أن «الدماطى» له وجهة نظر خاصة تبنى على أن كل الشركات سواء الحكومية أو الخاصة تلقت لطمة قوية نتيجة زيادة أسعار الفائدة، التى لم تمتص التضخم والزيادة فى الأسعار، بل ضاعفت التكلفة على هذه الشركات، وتسببت فى انكماش الاستثمار، حيث غير معقول أن يتجه مستثمر للاستثمار وتحمل تكلفة المخاطرة، فى ظل أسعار فائدة 20%، وبالتالى الأفضل إيداع أمواله بالقطاع المصرفى. أسأله قائلاً: لكن البعض يؤكد أن الزيادات فى أسعار الفائدة مؤقتة هدفها سحب السيولة وتوفير العملة الأجنبية. لحظة سكون مرت على المكان قطعها بقوله: «إن الزيادة التى تلت عملية التعويم بنحو300 نقطة ساهمت فى استقطاب الأموال التى خارج القطاع المصرفى، مع تراجع الواردات، وبالتالى لم يكن فى حاجة إلى زيادتها المتتالية بعد ذلك، ما تسبب فى ضرر وخسائر تكبدها القطاع الخاص». ماذا لو اتخذت إجراءات الاصلاح والتعويم خلال الفترة بين عامى 2008 و2010، هكذا طرح السؤال ليستكمل حديثه قائلاً: «الأمر كان سوف يختلف تماماً، فى ظل معدلات نمو مرتفعة، ونشاط قياسى للسياحة، وتدفقات للاستثمارات الأجنبية، لكن تأخر التعويم، والكل سدد فاتورته، وأولهم قيمة العملة نفسها». الشاب الثلاثينى يسعى دائماً إلى تطوير نفسه، والأمور التى بها اعوجاج لا ترضيه، ونفس الحال بالنسبة للسياسة المالية، من رؤيته غير مقبول أن يكون حجم اقتصاد غير رسمى يتجاوز تريليوناً، دون العمل على علاج الملف بعمليات حصر، ومحفزات لضم القطاع، وفى ظل ارتفاع نسبة المصريين المتعاملين مع البنوك إلى 32% سوف يختلف الأمر. أقاطعه مرة أخرى: إذن، الأمر يتطلب فكرة الشمول المالى؟ يجيبنى قائلاً: «الشمول المالى وضم الاقتصاد غير الرسمى إلى منظومة الاقتصاد قادران على زيادة إيرادات الدولة، وتراجع عجز الموازنة، لكن لا بد من تكاتف الجميع، فى نجاح ذلك بالتنسيق بين الجهات المختلفة، لكن ما يقلق التضارب فى تفعيل الشمول المالى». الرجل لا يشغله قانون الاستثمار، وإنما شغله الشاغل فى آلية تطبيقه، وإذا ما كانت توجد قوانين تحمى الموظف لممارسة دوره بعيداً عن أى روتين، لأن تحقيق مثل هذه الأمور سوف تساعد على تدفق الاستثمار الأجنبى. يتفاخر «الدماطى» بأنه اكتسب عن والده الرؤية بعيدة المدى، لذلك حينما يتحدث عن القطاعات القادرة على قيادة قاطرة النمو الاقتصادى يستند إلى قطاع الصناعة بما يضم من غزل ونسيج، لما يحظى به عن غيره باعتباره صناعة كثيفة العمالة، وصورته الذهنية بالأسواق الخارجية، وكذلك التكنولوجيا العمود الرئيسى فى كل مجالات الحياة، والزراعة والتصنيع الزراعى فى ظل النشاط الكبير فى الصادرات الزراعية خلال الفترة الماضية، وكذلك الاهتمام بالسياحة والقطاعات الخدمية القادرة على استقطاب أموال. ملاحقة ما يؤمن به على هذا الأساس أسس أسلوب حياته، وتكشف ذلك فى مغامرته أن يرتقى بشركته مع مجلس الإدارة، لتتحول من شركة عادية إلى قلعة صناعية كبيرة لها مكانتها فى السوق، حينما دخل الشركة فى عام 2006 كان حجم المبيعات لا يتجاوز 120 مليون جنيه، ليبدأ رسم مستقبل الكيان، ويغامر فى توقيع عقود آلات للشركة وقت اضطرابات ثورة يناير 2011. حدد هدفاً للشركة وحقق حلمه منذ سنوات عمله الأولى بطرح الشركة فى سوق الأوراق المالية، وكان له ما أراد، أحلامه وطموحاته فى الشركة لا حدود لها يسعى على تحقيق استراتيجيتها التى تقوم على محورين رئيسيين، سواء محاور زيادة عدد سيارات الشركة لتغطية السوق، أو العمل على طرح منتجات جديدة من خلال المخبوزات والجبنة الرومى، أو التوسع أيضًا فى الأسواق الأفريقية عبر السوق الإثيوبى، والرواندى، والكينى. لا يقبل الخطأ وإن وقع فيه لا يجد حرجاً فى تصحيحه، لذلك يخطط دائماً إلى العمل على نمو الحصة السوقية للشركة والتى تمثل 43% الجبن و7% للعصائر، وكذلك المبيعات التى شهدت نمواً فى خلال شهرى يوليو وأغسطس، وبالتالى متوقع أن تسجل إجمالى الإيرادات 700 مليون جنيه فى الربع الثالث من 2017، وكذلك العمل على زيادة فروع الشركة بالمحافظات التى تصل إلى 27 فرعاً. ثلاثة كان لهم التأثير الأكبر فى حياته شخصياً وعملياً، والده ووالدته، وزوجته التى كان لها دور كبير فى دعمه للوصول إلى القمة، شغفه الأكبر بالقراءة، ومتعته يجدها فى رياضة الاسكواش لما تمنحه من طاقة، عشقه للألوان الحمراء باعتبارها الحافز الرئيسى للحياة، والأزرق لما يمنحه من صفاء، لكن يظل شغله الشاغل الوصول بشركته إلى كل الأسواق الإقليمية والعالمية، فهل ينجح فى تحقيق ذلك؟