تشرق الشمس فتداعب عينيه، يرفع الرأس إصرارا على الحصاد، يدندن.. يلقى ترانيم العشق على مسامع حبيبته باسقة الارتفاع. فيما تتدلل هى وتهتز أقراطها الذهبية المدلاة وتلقى بطيب الثمر، يهرع المتلهفون فى الاسفل يلملمون ما جادت به «خير وبركة» ورزق الموسم من بلح كالعسل أو أكثر حلاوة!! طالع النخل.. رشيق كفارس يلف حول خصره حبلًا مجدولًا يستأمنه على عمره اذ يتسلق النخيل على طوله الذى يعانق جريدة السماء فى الأعلى.. يصعد بخفة ومهارة المحترفين وفى يده سكين كالمنجل يستخدمه فى عملية «التقطيع» على حد تعبيره. الحبل الذى صنعه بيديه من «ليف النخل» متين يربطه عقدة واحدة ليجمعه والنخلة فى حلقة واحدة فيحتضنها بكلتا يديه فيما تصعد قدماه وترفعه الى اعلى حتى يبلغ هدفه ويلتقط البلح ويقطعه ويلقى به على الأرض. سألت عم محمد :ألا تخاف تسلق النخل معتمدا على حبل بعقدة واحدة؟ فيجيب بثقة وطلاقة: العمر واحد والرب واحد وده اكل عيشنا وشغلنا من صغرنا. والعقدة لا يمكن فكها الا بيدى انا. ماذا تقول قبل ان تبدأ عملك؟ بسم الله توكلت على الله. هل مهنة «طليع النخل» تؤمن لك دخلا طول العام؟ لا، أنا عامل فى مصنع وهذا شغل موسمى، ولكنها مهنة تنقرض وأنا احترفتها وعمرى 12 عاما. يعنى يجب ان تطلع النخل فى الصغر حتى تعتاد عليه ويعتاد عليك. وانا كبرت ووجدت والدى ومن قبله جدى يطلعان النخل. والبلد تعرفهما بالاسم ويلجأون اليهما. وكيف تحسب يوميتك؟ أنا لا أعمل باليومية. أنا أعمل حتى انتهي من حصد البلح كله وقد يستغرق الأمر أكثر من يوم، وهذا رزقى وحسب تقدير صاحب البلح. بم تشعر وأنت فى أقصى ارتفاع بالنخلة؟ أشعر بأننى طير فى السما. وأفرح وأنا أسمع صوت «السوباط» يرتطم بالطبق الكبير الذى صنعته بنفسى من البلاستيك والطارة الحديد، وأسمع صوت العيال تهلل «هيه.. الله أكبر.. وكأنه فرح!! والبلح عسل.. تعالى دوق. يستطرد طالع النخل: أعشق النخل الطيب المبروك الذى ذكر فى القرآن الكريم وسد جوع السيدة مريم اذ قال تعالى «هُزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًا» صدق الله العظيم. الفرحة هى عنوان هذا المشهد، تلمحها فى عيون الكبار والأطفال المنتظرين فى الأرض ومنهم من يفرد طرف جلبابه ويلملم فيه البلح «الهز» أى الذى يسقط فرادى وتسمع التهليل الذى يؤكد فرحتهم بالبلح. أما الحاج محمود فلا تفارق وجهه ابتسامة الرضا وهو يكرر اللهم صلى ع النبى.. يارب زيد.. يارب بارك. سألت الحاج محمود ما معنى «زمتة البلح»؟ قال: تكون أيام الحر الشديدة ولكنها تضر البلح وتسقطه قبل نضجه.. لكن موسم الحصاد فى شهرى سبتمبر وأكتوبر. هل أنت صاحب النخل؟ لا أنا اشتريه فى الموسم فقط وقد اشترى سنة وأخرى لا اشتريه. فالبلح مثل أى محصول قد نجنى منه الخير كله وقد لا يجود بما نتوقعه فهو رزق من الله تعالى. من يحدد السعر؟ التجار.. يعنى العام الماضى كان القنطار حوالى 26 كيلو ب700 جنيه، هذا العام وصل ل1500 جنيه. وما نوع هذا البلح؟ سيوى وهناك مهات وحيانى، لكن هذا الأصفر سيوى ويتم تصنيعه عجوة من النوع الممتاز. وذلك بعد فرزه ووضعه فى مكابس خاصة. وهذا يختلف عن الرطب والأنواع الأخرى التى تباع وتؤكل على حالتها. لكن بشكل عام يعتبر البلح بأنواعه كنزًا غذائيًا وفوائده كثيرة ومعروفة للجميع ويحتوى على سكريات غير ضارة وفيتامينات وألياف ومعادن.. ويكفى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتغذى عليه ويفطر على التمر فى رمضان.