على صفحتها الفسبوكية كتبت الإعلامية المتميزة د. منى رومان مقدمة برامج في قناة دينية مسيحية أرى أنها الأكثر توازناً ومهنية فيما تُقدم من مواد إعلامية «كتبت: في أول صفحة بالجواز الأمريكي مكتوب (حامل هذه الجواز تحت حماية الولاياتالمتحدهالامريكية فوق أي أرض وتحت أي سماء)، وفي الجواز البريطاني (ستدافع المملكة المتحدة عن حامل هذا الجواز حتى آخر جندي على أراضيها)، وفي الجواز الكندي (نحرك أسطولنا من أجلك)، وفى الجواز العربي (عند فقدان الجواز تدفع غرامه مالية) كم أنت صبور يا شعبنا العربى!!!! نعم، إنها كرامة الإنسان العربي التي تم إهدارها هي من دفعت الملايين للذهاب إلى ميادين الحرية والثورة على من أهدروها ببشاعة، عندما استخدموا وهم على كراسي السلطة والحكم كل ألوان البطش والاستعباد، ولم يتركوا أي وسيلة من شأنها تصعيد حالة النيل من كرامة مواطنيهم إلا واستخدموها، يصل في الكثير من الأحيان إلى حد الإذلال وقتل الطموح ونزع بوادر الأمل في تجاوز محنة القهر والتراجع الحضاري والقيمي والتنموي، فإذا أضفنا أنها أوطان سلمت مقاديرها لنظم بوليسية غبية إلى حد تدخلها في التفاصيل الحياتية حتى التافه منها من باب تهميش قيمة الفرد ودوره المجتمعي والوطني بدعوى الحفاظ على مكانة الدولة وهيبتها ونظامها حتى لو كان الأمر يتعلق بانتخابات اتحادات الطلاب أو استخراج شهادة الميلاد أو مغادرة الدنيا وبلاويها بشهادات الوفاة!! ولا تذكرني عزيزي المواطن القارئ بقهر المواطن إلى حد التعذيب في بعض أقسام الشرطة وفروع أجهزة أمن الدولة، على طريقة المواطن متهم حتى لوثبتت براءته إلى حين تقديم مواطن آخر ككبش فداء جديد لجهات التحقيق أو بالأحرى إلى قصر السلطان في انتظار الإنعام بهبات الرضا السلطاني (وزير داخلية النظام السابق في يوم فرح وزارته وعيدها الأبهة يُبشر السلطان بكشف والقبض على من ارتكبوا جُرم مذبحة كنيسة القديسين، وهي أحد أهم الأحداث التي تشارك كل أبناء الوطن في إعلان غضبهم وثورتهم على النظام بسببها، وبعد أن سبقها مقتل خالد سعيد، لُيقال بعد قيام الثورة إن أجهزة الداخلية ذاتها كانت ضالعة في الجريمة وحتى الآن لا معلومات يقينية للأسف!!).. أما عن أجهزة الإعلام الحكومية، فحدث ولا حرج كيف كان للإعلام هذه القدرة الرذيلة في إهدار كرامة المواطن عبر تقديمه كوديعة مُستسلمة خاضعة لرأس النظام وكل دواوينه البليدة الغبية ليفعل بإرادتها ما يشاء من خلال آلياته التي اعتمدها لدعم حالات التغييب والتدليس (مثال: بينما كانت تحتشد الجماهير الثائرة الغاضبة في ميادين التحرير بكل محافظات مصر يواجه شبابها بصدور عارية بطش قوى النظام المسلحة، ويتوالى تقديم قرابين الفداء شهداء ومصابين في ملحمة وطنية رائعة، كان قطاع الأخبار بتليفزيون الحكومة يُمارس التدليس والكذب الفضائحي، ولن ينسى المواطن لقاءات مراسليه بمحافظي النظام ومعظمهم يؤكدون على الهواء في اتفاق بشع أن محافظاتهم تحت السيطرة، بينما فضائيات العالم تنقل تصاعد العمل الثوري، فضلاً عن نقل تصريحات الكذبة التي تواصل توجيه الاتهامات للثوار ورفض الاعتراف بأن البلاد في حالة ثورة على النظام والسلطان !!! ).. وأخطر الأدوار لتهيئة المواطن وتخديره طائعاً لقمة سائغة طيبة لأجهزة إعلام السلطان لتقبل رسائله دون مناقشة، كان عبر المؤسسات الدينية من رموز رسمية وسطية الرسالة (الأزهرالشريف والكاتدرائية المرقسية)، فكانت بيانات واضحة تطالب بطاعة السلطان والتحذير من الخروج على الشرعية وضرورة رفض المشاركة في تظاهرات، ورسائل أخرى من رموز التشدد (ويا للغرابة) تتفق مع رسائل المؤسسات الرسمية، وجميعها هيأت المواطن لقبول وتحمل كل أشكال الغبن حتى لو نالت من حقوق مواطنته والعيش بكرامة على أرضه، ولولا خروج شباب الإخوان والسلفيين والأقباط عن دوائر الطاعة والامتثال، واستشعارهم مع إخوانهم أهمية النزول والمشاركة لافتقدت الثورة زخماً رائعاً من الشباب!! ولكن للأسف مازلنا نعاني تبعات ثقافات عامة كرستها نظم حاكمة على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان اعتمدت آليات بوليسية باطشة، أو أخرى قبائلية عبر حلول جلسات التراضي الحاكمة بالعرف، كما حدث مؤخراً في قرية شربات الأسبوع الماضي عندما تم الاتفاق على تهجير 8 عائلات مسيحية من قريتهم بالعامرية الإسكندرية.. ليتراجع دور الدولة وأجهزتها المعنية بتطبيق القانون برعاية أمن الدولة للتراضي، ليمنح شرعية للأفراد للحكم على جيرانهم وبسط سلطانهم، والجديد في الحوادث الأخيرة إنزال عقاب جماعي لحادث ارتكبه فرد وتم تقديمه لجهات التحقيق، بعد أن كان يتم عقاب المتهم فقط بإشعال حادث طائفي. حول الحادث بادر برنامج «صفحة جديدة» بقناة نايل لايف بالتليفزيون المصري ومدير تحريره المتميز مصطفى رجب لمناقشة الحدث، فكان إدارة حوار بيني وبين عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، ولم تكن المرة الأولى التي يتبنى فيها البرنامج قضايا آنية مهمة، والحق يُقال إني وغيري من الضيوف لاحظنا حالة تشافي للتليفزيون المصري من أمراضه العضال والمزمنة عندما كانت برامجه تعيش حالة إصرار لتزوير الواقع وقلب الحقائق والاستهانة بحق المشاهد في المعرفة، فبرغم مداخلة تليفونية لصحفي يمارس الإعلام الحكومي البليد ينفي فيه مدى خطورة حادث طائفي آخر كانت أحداثه تدور في الشرقية في زمن تقديم البرنامج على الهواء مؤكداً أنه في موقع الحدث، كان لنا أن نعتز بمداخلة اللواء محمد العنتري مدير أمن الشرقية الذي تحدث بشفافية كاملة مكذباً كل ما قاله الصحفي، وأقرأن جموع من البشر تلقي بالحجارة وزجاجات حارقة على الكنيسة رغم علمهم أن الفتاة المسيحية التي يبحثون عنها هي لدى أجهزة الأمن وخاضعة للتحقيق .. إنه صدق مسئول أمني يمثل الدولة، لم يقل العبارة الأمنية التقليدية «كله تحت السيطرة»، وحزنت لحال الصحفي الذي لم يبدو أنه وصحيفته لم يغادروا زمن ما قبل الثورة!! وعليه أعود إلى من تصوروا ثورة يناير ثورة فقراء وجياع، أذكرهم أن هناك مؤسسات إعلامية ودينية وثقافية وتعليمية تراجعت أدوارها وتخلفت أبجدياتها وافتقدت الرؤية والحلول، فعاشت البلاد في حالة تردي غير مسبوقة ، فكانت الثورة ضرورة حتمية، فهي ثورة طلاب العلم والمعرفة والثقافة والعدالة الاجتماعية التي تعيد للمواطن كرامته كما توفر رغيف الخبز في غير عنت ، فهل وصلت الرسالة؟! لقد رصدت بعض مراكز البحوث الاجتماعية ملاحظتها بعدم خروج أهالي العشوائيات والمناطق الأكثر فقراً لميادين التحرير في الأيام الأولى للثورة، وأعتقد أن النظام السابق وما سبقه من أنظمة وصلت بحال الفقراء (40 % من المصريين تحت خط الفقر)، أنهم إما فقراء تربت لديهم قناعات فولكلورية تم تغذيتها عبر خطاب ديني مؤثر بأهمية الرضا بما يُقدم لهم كضرورة إيمانية، وأنه «مافيش حد بيبات من غير عشا في البلد دي» و«احنا أحسن من غيرنا» بينما الكثير منهم يبحثون في صناديق القمامة عن بقايا أغذية تسد رمقهم في رضا غريب بالأحوال فهكذا هي الدنيا وهذا نصيبهم منها كما علمهم أهل الدين.. أو فقراء تحولوا إلى بلطجية وأطلقوا أطفالهم في الشوارع يمارسون كل أنواع الجرائم، وكانت تتلقف معظمهم أجهزة البطش لدفعهم لتزوير الانتخابات وتنفيذ مخططاتهم العدوانية على طلاب الحرية والعدالة، وليشكلوا ما نطلق عليه الآن الذراع الباطشة للهو الخفي، وبالتالي هم غير معنين بالثورة أو تحقيق أهداف وطنية، وبات كل حلمهم الانتقام بحقد وشراسة من جلاديهم وطبقات المجتمع الثرية.. وعليه برز دوره مفي استثمار أحداث الثورة في اقتحام أقسام الشرطة لإطلاق سراح أخوتهم ورفقاء الزنازين، وسرقة محلات السوبر ماركت الكبرى وآلاف السيارات.