تحت عنوان الطريق الطويل إلى دمشق، نشرت مجلة "الإيكونوميست" تحقيقا عن الأوضاع فى سوريا، وتحدثت المجلة عن الأوضاع فى مدينة درعا التى انطلقت منها شرارة الثورة السورية فى مارس الماضى ، وأشارت إلى أن الوضع معقد جدا فى هذا البلد ، وأوضحت المجلة أنه بعد فشل الحل الدبلوماسى من خلال مجلس الأمن ورفض المعارضة السورية المبادرة التى أطلقها الرئيس "بشار الأسد" مؤخرا، ونقلها وزير الخارجية الروسى "سيرجى لافرورف" بعد زيارته ل"دمشق" منذ أيام، أصبح الوضع معقدا وصعبا. وقالت المجلة إن دعوة المصالحة التى أطلقها "الاسد" وإجراء محادثات مع المعارضة عن طريق نائب الرئيس "فاروق الشرع"، وصياغة دستور جديد واجراء انتخابات برلمانية لم تلق قبولا حتى الآن عند الأطراف المعارضة. واضافت المجلة ان ماحدث فى مجلس الامن يوم الرابع من فبراير عندما صوتت روسيا والصين ضد قرار يدين "الاسد" ، اعاد الى الاذهان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى والغربى . واوضحت المجلة ان الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة يسعى حاليا للعمل بعيدا عن مجلس الامن وربما يلجأ الى الجمعية العامة للامم المتحدة . ومن بين الحلول التى يدرسها الغرب ، اقامة مناطق عازلة على الحدود السورية الشمالية والجنوبية بالتعاون مع الاردن وتركيا لحماية المدنيين ، وتزويد المعارضة السورية وما يسمى بالجيش السورى الحر المنشق بالاسلحة. واكدت المجلة ان القوات الحكومية غيرت من تكتيكاتها منذ ان بدأت المظاهرات والاحتجاجات تقترب من تخوم العاصمة دمشق ، فقد اعتادت القوات الحكومية ان تشن هجومها على قرى او مناطق معينة يكثر فيها التمرد ، وتقوم بالقبض على المتمردين، وتترك وراءها نقاط تفتيش فى هذه المناطق ، ولكن الصورة تغيرت فى الوقت الراهن حيث بدأت القوات الحكومية استرتيجية جديدة وتخلت عما اسمته ضبط النفس ، حيث تعتمد على القصف الصاروخى والمدفعى لمدن بالكامل وليس لمناطق او احياء ، كما حدث فى منطقة "الخالدية" و"بابا عمرو" والهجوم على مدينة "الزبدانى" و"ادلب" و"راستان" ، ويتم تنفيذ الهجمات بوحشية وفى وقت واحد على اكثر من مدينة وبلا هوادة . ورأت المجلة ان الاستراتيجية السورية الجديدة الاشبه بالحرب الشاملة ، تؤكد ان الطريق الى العاصمة دمشق سيكون طويلا ، وانه حتى اذا تم تسليح المعارضة فإن الحرب الاهلية سيطول أمدها . واوضحت المجلة ان نظام الرئيس "الاسد" يعتقد ان تكتيكاته العسكرية الجديدة ، هى الحل السحرى لقمع الثورة والقضاء تماما على ما يسمى بالجيش السورى الحر . وقالت المجلة ان هناك سوابق لنجاح مثل هذه الاستراتيجيات ، فقد نجح الرئيس العراقى الراحل "صدام حسين" فى البقاء فى الحكم عقدا كاملا بعد قمعه لانتفاضة الشيعة فى الجنوب بعد حرب الخليج الاولى ، كما تمكنت تركيا من التغلب على دعاوى الانفصال الكردى ، بفضل سياسة القمع ، وتمكنت اسرائيل من قمع انتفاضتين للفلسطينيين بنفس الاسلوب ، كما تمكن الرئيس السورى الراحل "حافظ الاسد" من قمع انتفاضة مدينة "حماة" عام 1982 بعد ان قتل ما يقرب من 20 الف شخص. وهناك سبب اخر يجعل الرئيس "الاسد" يشعر بالقوة ، وهو ان العاصمة دمشق تبدو وكأنها طبيعية جدا حيث التزاحم المرورى والمحلات والمقاهى التى تعمل ليل نهار والحيا ة الطبيعية ، كما ان الرئيس "الاسد" يمكنه ان يذهب الى المطعم لتناول وجبة الغذاء بكل يسر فى ظل شعوره القوى بالامن والامان . كما ان المؤسسات السورية تعمل بانتظام ، والجيش السورى متماسك ، ولا توجد سوى بعض الانشقاقات البسيطة فى صفوفه ، ويمتلك القوة الرادعة ، فى الوقت الذى تفتقد فيه المعارضة للاسلحة الثقيلة وطائرات الهليكوبتر والمقاتلات ووسائل الاتصال . ويتمع "الاسد" بدعم الاقليات والطائفة العلوية التى ينتمى لها والتى تمثل ثلث عدد السكان البالغ 23مليون نسمة ، ويحتل العلويون المناصب القيادية فى الدولة والامن والجيش، كما ان "الشبيحة" يدافعون بشراسة عن "الاسد" كونهم من الطوائف التى تخشى من ان يؤثر سقوط النظام على اوضاعهم . وختمت المجلة بأنه فى ظل الظروف والملابسات المعقدة والطائفية الموجودة فى سوريا ، فإنه من الصعب على اى محلل سياسى توقع ما يمكن ان تصل اليه الامور ، فهناك من يتوقع حربا اهلية طويلة ، وهناك من يتوقع ان يتخلى "الاسد" طواعية عن الحكم، او ان تقبل المعارضة بالدخول فى محادثات مع النظام ، او ان تتخلى ايران مثلا عن دعم سوريا او ان يتدخل الغرب بحرب على نظام "الاسد" ، ورغم ان العديد من السوريين يتوقعون ان اجلا او عاجلا سيرحل الاسد ، إلا انهم جميعا يتساءلون " " كيف ..؟" ، ويظل الشىء الوحيد المؤكد هو "ان الطريق الى دمشق ،أى اسقاط النظام، لا يزال طويلا .