الفقراء كبش الفداء، ودائمًا يدفعون فاتورة الاستغلال والجشع إما من «جيوبهم الخاوية» أو من أرواحهم ثمنًا لغياب الرقابة وبراعة معدومى الضمير والإنسانية فى الإتجار بالأغذية الفاسدة. وعلى الرغم من تأكيدات الرئيس المستمرة بضرورة رقابة الأسواق والضرب بيد من حديد على أيدى المتلاعبين بقوت الشعب، وبرغم مساعى التموين لضبط الأسواق.. فأن السلع الفاسدة مازالت تنهش فى بطون المصريين. كشف مؤخرًا تقرير صادر عن الهيئة العامة للخدمات البيطرية ضبط 470 طنًا ونصف الطن لحوم غير صالحة للاستخدام الآدمى خلال حملات تفتيش ومتابعة خلال النصف الأول من العام الجارى، كما تم ضبط 53 طنًا و313 كيلوجرامًا لحومًا تم ذبحها خارج المجازر، وتحرير ألف و751 محضرًا بتلك المخالفات، وطبقًا لتقارير الأجهزة الرقابية فإن إجمالى الضبطيات خلال ال 4 أشهر الماضية فقط بلغ 139 طنًا لحوم فاسدة، وشدد الدكتور عبدالمنعم البنا، وزير الزراعة، على هيئة الخدمات البيطرية بزيادة الرقابة والمتابعة وحملات التفتيش على الأسواق خاصة مع قدوم عيد الأضحى بالتنسيق مع مباحث التموين. الفساد لا يتوقف فقط عند اللحوم، بل وصل لبعض المشروبات والأكلات التى يتم تداولها فى المحلات فى ظل غياب تام من الرقابة، حيث تعرض خلال الفترة الماضية المئات من المواطنين لحالات تسمم بسبب تناول مشروبات من الشارع، فضلًا عن الأطعمة الفاسدة. وأصدر مركز الدراسات الاقتصادية، عدة دراسات أكدت أن عدد مصانع المواد الغذائية غير المسجلة رسميًا يضاعف أعداد المصانع المسجلة، والتى يبلغ عددها 300 مصنع فقط، وأشارت الدراسة إلى أن المصانع المخالفة تنتج نحو 80٪ من الأغذية المطروحة فى الأسواق، فى حين تنتج المصانع المرخصة 20٪ فقط. وأشارت دراسة أصدرها المركز الاقتصادى إلى أن خسائر الدولة سنويًا من منتجات «بير السلم» الغذائية بلغت 100 مليون جنيه، ما أدى إلى انتشار الكثير من الأمراض كالتهاب الكبد الوبائى والفشل الكلوى، وأن 18٪ من ميزانية وزارة الصحة تذهب لعلاج الأمراض المرتبطة بالأغذية الفاسدة. فى مدينة شبين الكوم، بمحافظة المنوفية، أصيب عدد من الأشخاص بالاشتباه بالتسمم عقب تناولهم وجبة غذائية بأحد المطاعم بالمدينة، وتم نقلهم إلى المستشفى الجامعى، لتلقى العلاج اللازم، وسط العديد من علامات الاستفهام حول أسباب الإصابة وإجراءات الصحة والأمن عقب الحادث مباشرة. وفى الشرقية، تعرض 51 مواطنًا للتسمم بعد تناولهم مشروب «البوظة» فى سوق القرية، وأصيبوا بآلام فى البطن وتم نقلهم لمستشفيات «منيا القمح – الجامعة – الأحرار» لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة. لم تمر أيام ليصاب 110 مواطنين باشتباه تسمم غذائى فى قرية الربعماية بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، لتناولهم مشروب «البوظة». وأصدرت وزارة الصحة بيانًا رسميًا أعلنت خلاله نقل الحالات المرضية إلى المستشفيات بمشاركة 29 سيارة إسعاف مجهزة. وفى أسيوط، تلقى اللواء جمال شكر، مدير الأمن، إخطارًا يفيد بإصابة كل من «أسماء.كمال.س.ج» 8 أعوام، و«محمد.كمال.س.ج» 11 عامًا، و«آية.كمال.س.ج» 9 أعوام، و«نورهان.كمال.س.ج» 12 هامًا، و«فاطمة.كمال.س.ج» 10 أعوام» وجميعهم يقيمون بقرية «بصرة» بمركز الفتح مصابين بحالة إعياء شديد وقىء مستمر بعد تناولهم عصيرًا معلبًا منتهى الصلاحية وفاسدًا، وحدوث إصابتهم عقب تناولهم العصير، وتم نقلهم إلى مستشفى أسيوط الجامعى. وعقب ذلك، فوجئ أهل الأطفال بمصرع الطفلة الصغرى متأثرة بحالة التسمم، ثم توفيت الطفلة الثانية «فاطمة». كما تلقت مديرية أمن أسيوط إخطارا آخر يفيد بإصابة 5 أشقاء من قرية «بصرة» التابعة لمركز الفتح، بحالة إعياء شديد وقىء مستمر، بعد تناولهم عصيرًا معلبًا منتهى الصلاحية، وعقب نقلهم إلى مستشفى أسيوط الجامعى فوجئ أهالى الأطفال بمصرع طفلتين متأثرتين بحالة التسمم، وصدرت تعليمات من مديرية التموين بأسيوط بشن حملات موسعة على الأسواق والمحال التجارية، لفحص المنتجات الغذائية وفترات صلاحيتها، وذلك بعد تسبب عبوات عصائر فاسدة ومنتهية الصلاحية. كما استقبل مستشفى سوهاج العام، 6 أطفال أشقاء، يقيمون بناحية قرية أولاد نصير دائرة مركز سوهاج، مصابين بحالة إعياء وقىء مستمر، ادعاء تناول طعام فاسد «فول مدمس». وفى سوهاج تعرض 6 أطفال من أسرة واحدة للتسمم إثر تناولهم فول فاسد، ونفت والدة المصابين وجود شبهة جنائية، وتم تحويلهم لمستشفى سوهاج العام لتلقى العلاج. قد تكون الحالات السابقة معتادة لضعف الرقابة على المحلات والأسواق، ولكن حينما تصل حالات التسمم داخل المدارس فهنا تكون الكارثة أكبر، فقد أصيب من قبل 312 تلميذًا فى عدة محافظات بحالات تسمم بسبب تناولهم وجبات مدرسية فاسدة، ونقلوا للمستشفيات لتلقى العلاج، وأكدت وزارة الصحة أن التلاميذ المصابين بأعراض التسمم الغذائى من محافظاتالسويس وأسوان والقاهرة. ولم تكن هذه هى الأولى من نوعها بل تكررت المأساة بعد أيام من الحادثة الأولى ليصاب 113 تلميذًا فى عدة مدارس فى محافظة المنوفية. وشهدت محافظة سوهاج أكبر حالات تسمم، حيث أصيب أكثر من 3 آلاف تلميذ بحالات تسمم، بعد تناولهم وجبات تنتجها وزارة الزراعة. وكشفت مصادر فى وزارة التموين، أن حجم مضبوطات السلع الغذائية الفاسدة فى الأسواق منذ الأول من شهر يناير حتى 19 من شهر أغسطس الجارى بلغ 35600 طن سلع فاسدة، مشيرًا إلى إجمالى اللحوم الفاسدة التى تم ضبطها فى هذه المدة بلغ 848 طن لحوم غير صالحة للاستخدام الآدمى. وأشار المصدر فى تصريحاته خاصة ل«الوفد» إلى خطة الوزارة الخاصة بعيد الأضحى، والتى تكمن فى توفير كافة السلع والخدمات الخاصة بالعيد فى مقدمتها اللحوم والدواجن، كما سيتم إحكام الرقابة على قطاع المطاحن والمخابز لضمان توفير الدقيق والخبز بأنواعه ومطابقته للمواصفات والأوزان والأسعار المقررة، كما سيتم مكافحة ظاهرة الغش التجارى والسلع المنتهية والمجهولة، والتأكد من توفير أسطوانات الغاز وضبط أية محاولات للتلاعب بالأسواق. وتابع قائلًا: «سيتم تكثيف الحملات على أسواق الجملة والنصف جملة من خلال حملات سرية وعلنية، والمرور على المجازر الرئيسية للتأكد من تمام تشغيل وسلامة المذبوحات»، مشيرًا إلى أنه سيتم تفعيل دور غرف العمليات الرئيسية بالإدارة، والغرف الفرعية بالفروع الجغرافية بمديريات الأمن لتلقى شكاوى المواطنين على مدار ال 24 ساعة. قطاع الغذاء يعانى الإهمال كشف الدكتور حسين منصور، رئيس وحدة سلامة الغذاء، أن ما لا يقل عن 80٪ من الأغذية الموجودة فى الأسواق مجهولة المصدر، مشيرًا إلى أن الوضع الحالى لقطاع الغذاء يعانى من الإهمال الشديد ما أدى لإصابة العشرات من المواطنين بالأمراض. وأضاف منصور ل«الوفد»، أن مجلس النواب كان قد وافق على مشروع قانون إنشاء هيئة سلامة الغذاء، والذى يشير المشروع إلى تولى الهيئة القومية لسلامة الغذاء الاختصاصات المقررة للوزارات والهيئات والمصالح الحكومية ووحدات الإدارة المحلية بشأن الرقابة على الأغذية مع منح العاملين بالهيئة صفة مأمورية الضبط القضائى. وأوضح رئيس وحدة الغذاء أن لجنة الصناعة فى مجلس النواب، طالبت خلال الفترة الماضية بسرعة إنشاء الهيئة القومية لسلامة الغذاء، وذلك لعدم وجود إطار تشريعى موحد للرقابة على الغذاء. ضعف الرقابة أرجحت الدكتورة سعاد الديب، نائب رئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك، انتشار الأغذية الفاسدة فى الأسواق إلى انعدام الضمير فى نفوس بعض التجار الذين لا يحسنون تخزين السلع، مشيرة إلى أن تاريخ الصلاحية قد يكون ما زال ممتدًا على المنتج إلا أن الحقيقة أنه أصبح منتجًا فاسدًا بسبب سوء التخزين. وأضافت «الديب» أن مصر بها 17 جهة رقابية مسئولة عن مراقبة الأسواق والأغذية، ولكنهم لا يعملون بشكل جيد، ما تسبب فى انتشار الفساد فى الأسواق، وأوضحت أن السبب الرئيسى فى عدم تمكين الجهات الرقابية من تأدية عملها المطلوب، ويرجع لعدم توافر الكوادر الكافية لديها، فضلًا عن عدم وجود إطار منهجى لضبط أداء الجهات الرقابية. وحول أسباب تأخر صدور قانون إنشاء هيئة سلامة الغذاء، قالت إن الهيئة تضم جهات عديدة منها وزارات الصحة والصناعة والزراعة والتموين، مشيرة إلى أن تلك الوزارات لا تريد التنازل عن اختصاصاتها، فضلًا عن غياب التوافق بينهم. مواطنون: «أكلنا فاسد وأدينا عايشين» واستطلعت «الوفد» آراء بعض المواطنين حول انتشار الأطعمة الفاسدة فى الأسواق. أمجد كامل، موظف، قال إن السلع الفاسدة المتواجدة فى الأسواق ليست مسئولية الحكومة، بل هى مسئولية أصحاب المحلات بسبب سوء تخزينهم للسلع بطريقة صحيحة، الأمر الذى يجعل الأغذية فاسدة مثل انتهاء مدة صلاحيتها. وتابع آخر: «اشتريت الأسبوع الماضى عصيرًا من الحجم الكبير ووجدته فاسدًا، على الرغم من أن تاريخ الصلاحية مازال ممتدًا على العبوة لعامين قادمين. قالت سناء فتحى، موظفة، إنها كثيرًا ما تجد سلعًا فاسدة فى المحلات، وأنها اعتادت شراء كميات كبيرة من الأطعمة الجافة والعصائر لتخزينها، وحال وجودها سلعة فاسدة تواجه صاحب المحل الذى يرد بأن ارتفاع درجات الحرارة السبب. وتساءلت «سناء» عن دور الرقابة على الأسواق، وقالت: «فين الحكومة من اللى بيحصل ده كله.. حرام الناس تاكل أكل فاسد، مش بس فى المحلات كمان على العربيات»، موضحة أن عربات الفول والكبدة وغيرها فى الشوارع تعمل بعيدًا عن أعين الحكومة، موضحة أن نجلها أصيب بحالة تسمم من وجبة كبدة فاسدة فى الشارع. «أكلنا فاسد وأدينا عايشين».. بهذه الكلمات استهل أسعد زين حديثه، مؤكدًا أنه يعتمد بشكل كبير على مأكولات الشارع، وأنه تعرض من قبل لحالات تسمم، وغيرها من السخونة لتناوله طعامًا فسادًا على عربات الكبدة والفول. وأكد فوزى عبدالجليل، صاحب محل بقالة، أن ارتفاع درجات الحرارة أفسد كميات كبيرة من السلع، برغم وجودها فى مخازن تنقصها وسائل تهوية، مشيرًا إلى أن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائى يتسبب فى تلف العديد من السلع.