لم تعد العلاقة بين قطروإيران بحاجة إلى توثيق أو تمثيل رسمي، فما بات يجمع البلدين أكبر من مجرد حبر على ورق بمفردات دبلوماسية، لكن يبدو أن الدولتين أرادتا صيغة رسمية لتأكيد التقارب. فقد أعلنت قطر، الأربعاء، أنها ستعيد سفيرها إلى إيران، وأعرب بيان للخارجية القطرية عن تطلع الدوحة لتعزيز العلاقات مع طهران في جميع المجالات. وكانت الدوحة قد استدعت سفيرها بطهران في يناير العام الماضي، عندما قطعت السعودية العلاقات مع إيران، على خلفية الهجوم الذي تعرضت له سفارة الرياض في طهران، في موقف اتخذته الحكومة القطرية حينها قبل سقوط القناع الذي ارتدته طويلًا. ورغم الاتهامات الموجهة للسلطات الإيرانية في التورط بالهجوم على السفارة السعودية بما يخالف كل المواثيق الدولية التي تؤكد مسؤولية الدول في حماية البعثات الدبلوماسية لديها، تصطف قطر مرة أخرى في المربع الإيراني على حساب الأمن القومي العربي والخليجي. وعودة السفير القطري إلى إيران يراها كثيرون استمرارًا للنهج القطري المتسق مع السياسة الإيرانية، فالدوحة لا ترى في الدعم الإيراني للإرهاب وتأجيج الصراعات ضررًا له انعكاساته السلبية على دول المنطقة؛ بل إن قطر نفسها تساهم في ذلك، حسب أدلة كثيرة ظهرت مؤخرًا. وفي ظل هذا الاعتقاد السائد في السياسة القطرية تجد الدوحة في طهران ضالتها، فيعود السفير وتتنامى العلاقات بين الحليفين قطروإيران. (كانت العلاقات الإيرانيةالقطرية ولا تزال مميزة وودية للغاية رغم خلافاتهما الظاهرية في سوريا، وجاءت تصريحات أميرقطر تميم بن حمد لتؤكد تقارير عدة سبق أن تحدثت عن تفاصيل أمنية دافئة تربط البلدين خلافًا للتوتر الذي ظل في حالة جزر ومد بين الدوحة وأغلبية عواصم الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ورغم أن إيران بعد الثورة رفعت شعار تصدير الثورة بغية إسقاط أنظمة دول الجوار بسبب علاقاتها بالغرب و"الشيطان الأكبر" ظلت العلاقات بين طهرانوالدوحة تتوسع، وكانت إيران تقف مع قطر في خلافاتها الحدودية مع المملكة العربية السعودية، ولهذا السبب بعث الأمير الأسبق برسالة شكر في مايو 1992 إلى الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني ليشكره على دعم بلاده لقطر في خلافاتها مع السعودية. ويبدو أن طهران ترى في تعميق العلاقات والتعاون مع قطر على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية فرصة لإيجاد موطئ قدم لها في مجلس التعاون لمواجهة السعودية والإمارات. وشهدت العلاقات بين البلدين المزيد من التطور خلال زيارة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي لقطر في مايو 1999، ودعمت إيرانقطر لاستضافة مؤتمر القمة الإسلامي حينها، وتطورت العلاقات بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد، وبلغ التعاون مع إيران ذروته عندما دعت قطر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في عام 2007 لحضور مؤتمر قمة الخليج في الدوحة كضيف شرف. وفي الوقت الذي كانت الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص قلقة من الأنشطة النووية الإيرانية وتدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ مواقف صارمة منها، كانت قطر في عام 2006 العضو الوحيد بين 15 عضوًا في مجلس الأمن الذي صوت ضد قرار مجلس الأمن رقم 1696 حول الملف النووي الإيراني والذي دعا طهران إلى إبداء المزيد من الشفافية على هذا الصعيد. وكان التقارب الإيرانيالقطري تمثل في مواقفهما من حكم الإخوان في مصر وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وحتى في العلاقات الودية مع بشار الأسد قبل أن تبدأ الأزمة السورية. وكان البلدان وقعا في أكتوبر 2015 اتفاقا أمنيا عسكريا تحت مسمى "مكافحة الإرهاب والتصدي للعناصر المخلة بالأمن في المنطقة"، حيث التقى في أكتوبر 2015 قائد حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي بمدير أمن السواحل والحدود في قطر علي أحمد سيف البديد، أضفى اللقاء بينهما إلى توقيع اتفاقية تعاون ل"حماية الحدود المشتركة" بين البلدين، وذلك بعد عقد 12 اجتماعا سبق آخر اجتماع لمسؤولين أمنيين للبلدين في 2015، وشمل الاتفاق الأمني العسكري "إجراء تدريبات عسكرية مشتركة" أيضا، مما جعل المراقبين يصفون تلك الاتفاقية خطوة على طريق انسحاب الدوحة من مجلس التعاون الخليجي، حيث إنه رغم عضوية الدوحة في مجلس التعاون كانت رحبت باقتراح إيراني لإنشاء "منظمة دفاعية أمنية إقليمية"، وذلك خلال حكم محمود أحمدي نجاد وحضوره في اجتماع قمة مجلس التعاون. وكان البلدان وقعا الاتفاقية الأمنية العسكرية في أكتوبر 2015 إلا أن المداميك الأولى لها وضعت قبل ذلك بسنين في 23 ديسمبر 2010 أثناء زيارة أمير قطر السابق إلى طهران والتقائه بالمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، ليشمل الاتفاق التعاون الأمني بين الحرس الثوري والجيش القطري أيضا، وحينها زار وفد عسكري تابع للقوة البحرية للحرس الثوري بقيادة الأميرال محمد شياري وبرئاسة علي رضا ناصري قائد المنطقة الرابعة للقوات البحرية للحرس الثوري، الدوحة، ومثل القطريين في المفاوضات بين الجانبين عبد الرحمن السليطي، نائب القائد العام للقوة البحرية القطرية.