يبدو أن مخططات الرئيس بشار الأسد للبقاء في السلطة لن تقف عند محاولات إشعال حرب أهلية في سوريا, وإنما امتدت أيضا لتشمل إثارة التوتر الطائفي في لبنان لخلط الأوراق في المنطقة والخروج من عزلته المتصاعدة عربيا ودوليا. ففي 11 فبراير, أعلن مصدر أمني في بيروت أن ثلاثة سوريين قتلوا في انفجار وقع بأحد مستودعات الذخيرة في ميناء طرابلس شمال لبنان, فيما ترددت روايات متضاربة حول الحادث, حيث أكد البعض أنه متعمد, فيما أشار آخرون إلى أن القتلى كانوا يتولون حراسة المستودع وقاموا بإشعال نار للتدفئة قرب صناديق ذخيرة لم يكونوا على علم بمحتوياتها, ما تسبب بوقوع الانفجار. واللافت إلى الانتباه أن الحادث السابق جاء بعد ساعات قليلة من وقوع اشتباكات بين منطقتين في مدينة طرابلس اللبنانية أيضا, على خلفية الموقف من الاحتجاجات في سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد. وكان شخصان لقيا مصرعهما وجرح 18 آخرون في صدامات وقعت في 10 فبراير بين لبنانيين سنة معادين للنظام السوري وآخرين علويين مؤيدين له في طرابلس كبرى مدن شمال لبنان. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصادر لبنانية القول إن سنيا وعلويا قتلا في صدامات متواصلة في طرابلس منذ 10 فبراير بين مجموعة من حي جبل محسن "العلوي)"وأخرى من باب التبانة "السني" بالرصاص والصواريخ. ورغم أن دوريات من الجيش اللبناني حاولت احتواء الاشتباكات السابقة عبر الفصل بين المنطقتين, إلا أن هناك مخاوف واسعة من اتساع نطاقها لتشمل مناطق أخرى في لبنان, حيث يساند السنة الانتفاضة السورية، بينما يدعم العلويون, وهم طائفة شيعية, نظام بشار الأسد. بل وهناك من حذر من احتمال امتداد التوتر الطائفي على خلفية الأزمة في سوريا إلى العراق ودول الخليج في حال لم تسفر الجهود العربية والتركية والدولية المكثفة عن نتائج ملموسة فيما يتعلق بزيادة عزلة الأسد وإجباره على التنحي, خاصة في ظل الدعم الروسي المتواصل له والذي يشجعه على ارتكاب المجزرة تلو الأخرى ضد المدنيين الأبرياء. ففي 11 فبراير, اتهم المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي فيتالي تشوركين الدول الغربية بتصعيد الوضع في سوريا عبر دعوة الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي، مشيراً إلى أن الأخير ليس العقيد الليبي الراحل معمر القذافي الذي كان معزولاً . وقال تشوركين في حديث لشبكة "سي إن إن" الأمريكية إن هناك مزاعم حول قيام دول غربية بتقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية، معتبراً أنه في حال ثبوت صحة ذلك فسيكون الوضع "خطيراً" وستتجه الأمور إلى "نزاع مسلح بالكامل". ورداً على سؤال عن استمرار روسيا ببيع السلاح لسوريا, قال تشوركين: "لدينا صفقات ونحترمها، حتى في حال وقف بيع السلاح للحكومة السورية فلن يكون هناك من وسيلة للتأكد من عدم وصول أسلحة للمجموعات المسلحة التي قال إنها تعمل في سوريا". وبرر مجددا قرار بلاده استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع القرار العربي الغربي حول سوريا, قائلا :" كان هناك تظاهرات سلمية ولكنها انتهت وحلت مكانها تحركات مسلحة تهاجم السلطة وهي مسئولة عن العنف". ولدى سؤاله حول التقارير عن مقتل المئات في حمص بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى دمشق في 7 فبراير، قال تشوركين ""نحن نؤمن بما يحصل على الأرض، هناك وعود من كافة الأطراف والأسد وعد بتطوير النظام السياسي وتقديم دستور ونعمل مع الحكومة السورية للإصلاح ووقف العنف ونعمل بنشاط في الموضوع الدبلوماسي". وأضاف أن الأسد اتخذ قرارات إصلاحية وكلف نائبه فاروق الشرع، الاتصال بالمعارضة التي حملها مسئولية إفشال الحوار, واستطرد قائلا :" للغرب أسلوب في التعامل يقوم على مهاجمة الأسد وهذا سيؤدي لمقتل عشرات الآلاف وتهديد المنطقة, نحاول منع الحرب الأهلية، ولكن منذ بداية الأحداث في سوريا ونحن نسمع أن الأسد فقد شرعيته وهناك من يحاول أن يشبه الوضع بما جرى في ليبيا ولكن سوريا ليست ليبيا والأسد مختلف كلياً عن القذافي الذي كان معزولاً تماماً". وبجانب الدعم الروسي, فإن الأسد يعول كثيرا على التركيبة الطائفية المختلة في سوريا لإشعال حرب أهلية تربك حسابات الجميع في المنطقة والعالم. فمعروف أن الأسد ينحدر من طائفة العلويين الشيعية وتشكل 10 أو 12% من سكان سوريا، بينما يشكل المسلمون السنة ما بين 67 و70% من السكان، وقد عانوا الكثير من التمييز والفقر. وبالنظر إلى أن العلويين يسيطرون على الاستخبارات والجيش، فإنهم يشعرون أنهم في حال فقدان السلطة سيكونون عرضة للتعامل القمعي, ولذا يستميتون في الدفاع عن نظام الأسد, الأمر الذي يرجح أن الأزمة السورية مقبلة على سيناريوهات كارثية ما لم تحدث "معجزة".