محمد صبحى: المسرح لا ينفصل عن حال المجتمع سميحة أيوب: الخلل الذى طال المجتمع بعد الثورة شوَّه "أبو الفنون" يحيى الفخرانى: لدينا مواهب.. ومطلوب الإصرار على تقديم أعمال محترمة أشرف زكى: الإمكانيات المادية عائق أمام تقديم مسرح مبهر دخل «المسرح» إلى مصر بصورته العصرية على يد يعقوب صنوع عام 1876 وبمرور الأيام والسنوات حدث تطور كبير فى شكل المسرح وظهر المسرح الشعرى عام 1910 وتوهج بفضل سلامة حجازى وسيد درويش، بعد ذلك سيطر اللون الدرامى بعد سطوع نجم يوسف بك وهبى وعلى الكسار، وتم إنشاء ما يسمى بالمسرح الوطنى، بعد ثورة 1952 حدث تطور كبير فى الحالة الفنية إذ شعر النظام الحاكم وقتها بأهمية الفن وقوة تأثيره على الناس ولذا تم إنشاء المسرح القومى وصاحب هذه المرحلة ظهور تيار رافض لتقديم أعمال عالمية ومؤيد لتقديم أعمال وطنية كتبها مصريون، وبالرغم من اهتمام الدولة بصناعة السينما لم يفقد المسرح بريقه وظل كما هو «أبوالفنون» الذى يغذى كل أشكال الإبداع. على خشبة المسرح تألق نجوم كبار أمثال فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولى وسميحة أيوب، كان هو البيت الذى يفرز النجوم، الآن الوضع تغير والحال تبدل وصار المسرح أشبه بجثة تبحث عن مشيعين، وعلى أثر ذلك انصرف الجمهور وبات بفضل السينما والتليفزيون، كما أن نجوم التمثيل هجروا المسرح ولم يعد لديهم أى حماس للوقوف على خشبته التى صنعت مجداً وشهرة كبيرة لآلاف الممثلين. فى هذا الملف نرصد أسباب انهيار المسرح ونبحث أيضاً عن وسائل للعلاج أملاً فى أن يسترد عافيته ويعود إليه وهج الماضى. فى البداية تحدث الفنان الكبير يحيى الفخرانى قائلاً: لى تجارب كانت تجمع كل أفراد الأسرة على المسرح والحمد لله ناجحة ولها صدى كبير، وهذا الأمر عائد إلى شىء مهم وهو أننى حريص على تقديم عمل فنى راق ويحترم عقل الجمهور، الآن أعرض مسرحية «ليلة من ألف ليلة» وأشعر بسعادة لأن المسرح كامل العدد، أنا لا أحصل على أجر فى مسرح الدولة ولذا أطالب إدارة المسرح دائماً بتوفير كافة الإمكانيات لتقديم عرض مبهر ولافت للنظر. وتابع يحيى الفخرانى: لا أرى أن المسرح منهار تماماً كما يردد البعض، وأكبر دليل على كلامى هو وجود تجارب شابة جديدة مبهرة، ولكن الأزمة أن الحلو دائماً قليل جداً والردىء كثير، وأنصح الشباب دائماً بالصدق مع الجمهور وتقديم أعمال تحترم وعى وعقل الناس، وعليهم أن يتراجعوا عن تقديم مسرح إذا غابت الإمكانيات والأدوات التى تؤهلهم لتقديم الأعمال التى يحلمون بها ويتمنون أن تصل للجمهور. وتلتقط الفنانة الكبيرة سميحة أيوب خيط الحديث قائلة: المسرح لم ينهر ولكن هناك نظرية الأوانى المستطرقة وأقصد أن كل ما يحدث فى المجتمع يؤثر فى المسرح، فى السنوات العشر الأخيرة قامت ثورات وخرج البلطجية من العشوائيات وحدثت لخبطة فى المجتمع، وعلى أثر ذلك ساء حال المسرح والسينما والتليفزيون، فى الماضى كان المجتمع هادئاً والثقافة تسيطر، ولذا كان للمسرح وهج وحضور كبير، عندما يكون المناخ جميلاً يرتفع مؤشر الإبداع لكن ترهل المجتمع خلق حالة من الاستسهال لدى الكتاب والمخرجين والمنتجين. من يتأمل حال الدراما أو السينما سوف يكتشف أنها عبارة عن تجار مخدرات وبلطجية يحملون سكاكين، فقد غابت الأعمال الاجتماعية التى كان كل أفراد الأسرة يلتفون حولها، المسرح المصرى تأثر بهذا المناخ السيئ ولذا لا تجد أعمالاً مبهرة أو متوهجة كما كان الأمر فى الماضى. وتابعت سميحة أيوب: المسرح هو أبو الفنون وهو أيضاً مرآة لكل ما يحدث فى المجتمع وأنا ما زالت متفائلة بأنه سوف يسترد عافيته من جديد وينهض كما كان فى الماضى لأن الدولة بشكل عام فى مرحلة تصحيح مسار وأشعر بأننا نسير فى الاتجاه الأفضل وبالتأكيد هذا الأمر سوف يكون له أثر طيب على مسرح الدولة الذى صنع أسماء لها صدى ولمعان رغم رحيلها عن عالم الأحياء. الفنانة فردوس عبدالحميد كان لها رأى مهم فى الموضوع: أنا من عشاق مسرح الدولة ومؤخراً قمت بتقديم عرض مهم يحمل اسم «محمد رسول الله» ولكنى رفضت إعادة عرض المسرحية مرة ثانية بسبب ضعف الدعاية وعدم اهتمام الدولة بتوفير الإمكانيات والأدوات التى تسمح بتقديم أعمال محترمة ومهمة، الدولة يجب أن تهتم بالمسرح وأن ترصد ميزانيات كبيرة للدعاية للعروض، فكيف يعرف الجمهور أن هناك عرضاً مثيراً وجذاباً بدون دعاية. بدون شك يوجد خلل وعلى وزير الثقافة النظر بعمق لحال المسرح ومحاولة النهوض به وتحسين أجور العاملين بداخله لأن هذا يحدث انعكاساً إيجابياً، مصر دولة رائدة فى المسرح والإهمال جعلنا نشعر بالضيق والغضب لأن المسرح المصرى له قيمة وتاريخ عريق وهو الذى أخرج لنا نجوم السينما والتليفزيون منذ الثلاثينيات والأربعينيات حتى هذه اللحظة التى نتحدث فيها عن حاله المرتبك ونجمه الذى بدأ مرحلة الأفول. وقال الفنان أشرف عبدالباقى: المسرح المصرى بخير ولم ينهر وأكبر دليل أن عروض «مسرح مصر» يحضرها الجمهور وحريص عليها ولكن إذا كنت تقصد الحديث عن مسرح الدولة فيجب أن تعلم أن الفن بات مرهوناً بالإمكانيات المادية وأقصد أنه يجب على الدولة أن تحاول رصد ميزانيات كبيرة للعروض حتى تستطيع الاعتماد على نجوم من الصف الأول حتى يخرج العمل بصورة مرضية للجمهور من حيث الديكور وأشياء أخرى، مسرحنا المصرى بخير ولدينا مبدعون حقيقيون ولكن تنقصنا الإمكانيات المادية التى تجعل كل طلبات المخرج مجابة وتسمح بتقديم عرض فنى يحتوى على كل مواصفات الإبهار. فى القضية تحدث أيضاً الفنان الكبير محمد صبحى قائلاً: إذا كنت تسأل عن أسباب انهيار المسرح فيجب أن تعرف أن المسرح غير منفصل عن حركة المجتمع والفنون كاملة من تمثيل وفن تشكيلى وغناء يتأثر بالمناخ السائد فى المجتمع، فى الماضى كان هناك توهج فنى والآن حدث تراجع بسبب عدم وجود حراك ثقافى اجتماعى، تخيل فى الماضى كان هناك حوارات ومعركة نقاشية بين رموز كبار أمثال رشاد رشدى ومحمد مندور ويحيى حقى كما كان الفن ورجل الشارع يلتهب مع أى قضية تفرض سطوتها عى المجتمع. كان الفن يتأثر بهزيمة 67 ويتفاعل مع انتصار أكتوبر والآن الفن فى عزلة وعلينا أن نسأل ما الذى لم ينهر فى هذه الأيام، لدينا فن هابط بلا قيم وبلا هدف وبلا رؤية وبكل أسف لا يدفع الثمن إلا المتلقى الذى بات أرضاً خصبة لامتصاص السلبيات فقط. وتابع «صبحى»: المسرح أصبح ملاذ العاشقين للفن وقد هجرها الكثير من النجوم بحثاً عن الأموال والثراء ولم يعد يهمهم أو يشغل بالهم ما قيمة العمل الذى يقدمونه للناس وما هو تأثيره. لن ينصلح حال المسرح إلا بعدما ينصلح حال المجتمع ويحدث حراك ثقافى حقيقى، وهناك قضية أخرى وهى أن ارتفاع الأسعار قد طال صناعة الفن ومطلوب من أى منتج أن يرفع قيمة التذكرة حتى يغطى تكاليف إنتاج عمله وعلى الدولة أن تراعى هذا الأمر وعلى المشاهد أن يذهب للعمل الفنى الذى يضيف له وعندما يخرج منه يشعر بأنه تلقى جرعة من الفهم والوعى تتناسب مع قيمة التذكرة التى دفعها وتزاحم أمام شباك التذاكر من أجلها. الدكتور أشرف زكى نقيب الممثلين تحدث فى الموضوع قائلاً: بكل تأكيد المسرح فقد كثيراً من بريقه ولم يعد ما يقدم يتناسب مع ما قدمه جيل الرواد ولكن الأزمة فى تصورى الشخصى تكمن فى الإمكانيات المادية فلدينا مخرجون وممثلون ومهندسو ديكور وفى كل فروع العمل المسرحى رجال على قدر كبير من الموهبة والذكاء، ولكن أين هى الإمكانيات المادية التى تسمح لك بتقديم عمل فنى كامل المواصفات؟ وأين هى الإمكانيات التى تؤهلك لجلب نجوم من العيار الثقيل وإقناعهم بالوقوف على خشبة المسرح؟ إذا أردنا تقديم مسرح مبهر فيجب أن نوفر الإمكانيات المادية المناسبة.