أرفض بشدة الدعوات المنادية بالعصيان المدني يوم السبت الموافق 11 فبراير لأنها في تقديري وسيلة خبيثة لإشاعة الفوضى في مصر وإن ارتدت ثوب السلمية. العصيان يدعو إلى توقف كافة أشكال الحياة وإغلاق المحلات التجارية والأفران وتوقف المؤسسات التعليمية وهو ما يهدد بمزيد من الانهيار الاقتصادي. ولكن هل سينهار الاقتصاد من يوم واحد؟ يجيب على هذا السؤال: هيثم محمدين، المتحدث الإعلامى باسم حركة الاشتراكيين الثوريين قائلا: إن الدعوة للعصيان المدنى يوم 11 فبراير، ليست "الضربة القاضية" وليست آخر وسائل الضغط، وإنها ستكون أولى المحطات، وستعقبها خطوات تصعيدية أخرى فى 21 فبراير و9 مارس المقبلين، وأن التصعيد قد يتطور لإضراب عام وكلي. إجابة أخرى على السؤال المذكور آنفا قد تكون أكثر وجاهة، وهي أن العصيان كما يزعم الداعون إليه هدفه إسقاط المجلس العسكري أسوة بتجربة غاندي مع البريطانيين، وهو هدف من السذاجة إنجازه في يوم واحد. يعشق الداعون إلى الإضراب عقد المقارنات بين الإضرابات في إسرائيل ونظيراتها في مصر بهدف مواجهة الدعوات الرافضة للعصيان المدني، وهي مقارنة يغني إيرادها من تكلف الرد عليها، فإضراب يوم في ظل الظروف الراهنة بمصر قد يفعل ما لا يفعله إضراب شهور في إسرائيل المتقدمة علميا واقتصاديا. أرى أن دعوات العصيان ترمي بالأساس إلى تصنيع الفوضى وربما الحرب الأهلية، فلك أن تتخيل الاشتباكات التي قد تندلع بين الأهالي أو الشرطة أو الجيش من ناحية وبين شباب يفترشون الشوارع الكبرى ويعلنون صراحة أن هدفهم تعطيل المواصلات وحركة المرور. لذا فقد دفع المجلس العسكري بعدد كبير من المدرعات إلى الشارع لتأمين المنشآت الحيوية لأنه يعلم أن السيطرة على الشارع في ظل وجود هذا العدد الكبير من المتظاهرين في المدن أمر عسير. المطبوعات المنشورة حول العصيان دعت فعلا إلى "الجلوس في الشوارع الكبرى وتعطيل المواصلات" وامتناع سائقي السيارات العامة والخاصة ومحطات الوقود وسيارات الأجرة عن العمل. والداعون إلى العصيان أكدوا أن الإضراب لا يشمل المستشفيات وهو كلام في حقيقة الأمر يفتقر إلى الوجاهة، فكيف تسمح للمستشفيات بممارسة عملها وتمنع المرضى من الوصول إليها بتعطيل المرور والمواصلات بكافة أشكالها؟ هل يطالب الداعون إلى الإضراب كل مصري شريف بألا يمرض في هذا اليوم، وهل ينبغي على النساء الثوريات اللاتي سيلدن في هذا اليوم أن ينتظروا ليوم آخر مناسب؟ فمن البديهي أن كثيرين لن يتمكنوا من الوصول إلى المستشفيات في ذلك اليوم. التيارات الإسلامية أعلنت رفضها العصيان، بينما ضرب دعاة العصيان من التيارات الليبرالية والاشتراكية عرض الحائط بكلام الأزهر والكنيسة حول تحريم الإضراب. وبدا أن الحديث الليبرالي عن الأزهر كجهة إفتاء وحيدة معتبرة هو حديث مغرض لا يجري استدعاؤه إلا لضرب السلفيين وهو ما يفسر السكوت الليبرالي الأخير عن الموقف السلفي الإخواني الرافض للعصيان. لابد أن يدرك المضربون أنهم لا يعملون لصالح النظام كي يعاقبوه، وإنما يعملون لصالح هذا الوطن الممثل في مواطنيه كافة، وأن من الديكتاتورية أن تحرم مواطنا لا يشاركك نفس الرأي السياسي من خدمة ضرورية قد تتوقف عليها حياته. يبدو أن أطرافا استهوتها لعبة التحرر من ميدان التحرير بعدما أدركت أن إشعال الأمور في كل مرة يستلزم الخروج من هذه الصينية الضيقة حتى ولو إلى الشوارع المحيطة بها. اليوم يجري تصدير الثوار إلى شوارع كبرى ورئيسية بهدف إصابة الحركة المرورية بالشلل وهو ما ينبئ بصدامات دموية جديدة ولكن على رقعة أوسع بغرض إنهاك الشرطة والجيش.