"دراو" قريةٌ صغيرة تقع شَمال محافظة أسوان، نسبة التعليم فيها ليستْ بالقليلة، شأنُها شأن أي قرية صَعيدية لها موروثات واعتقادات راسخة أصبحت من المُسلمات، لكن موروثات هذه القرية يكتنفها شيء من الغرابة؛ نساء هذه القرية لهن طرقٌ خاصة في علاج بعض الأمراض التي من وجهة نظرهن لا يُعالجها دواء ولا يُشخصها طبيب. تَعمد نساء دراو إلى " البسْلة" وهي حفنة من البقوليات من فول وعدس وثوم لعلاج مس الجن، ولكن يشترط أن تجمع هذه البقوليات من منزل زوجين كل من هما هو الزوج الأول للآخر، كما أشارت أم كرم- (52) عامًا- ربة منزل، " لازم البسلة تتجمع من زوجين أول بخت بعض"، مضيفةً أنهن يعتقدن بأن ربط "الرصاصة" الموجودة في شبك صيد السمك حول أيدي الطفل تحميه من الحسد وأيضًا من مس الشيطان. أشارت أم خالد- ربة منزل- (45) عامًا، إلى "الرَبطة" وهي الطريقة التي المتعارف عليها لعلاج تأخر المشي عند الطفل، عندما يبلغ الطفل عامين ولا زال لا يجيد المشي نقوم بربط قدميه ويديه ونذهب به إلى المسجد ونضع في حجره حلوى وفول وأول من يخرج من صلاة الجمعة يفك هذه الربطة ونكرر العملية على ثلاث أسابيع كل يوم جمعة. وقالت سيدة كامل-(53)عامًا ويعتبرها نساء القرية متخصصة في هذه الطرق للتداوى، إن علاج "أم السُريرة"وهي انتفاخ في بطن الطفل حديث الولادة، من خلال جرح منطقة معينة من بطنه باستخدام "الموس"، ومن ثمّ يسيل دم أسود قاتم من هذا الجرح بعدها تُدلي الأم رضيعها على حفرة بها دخان، ثم تمسح له بعرق كعبه على بطنه, مؤكدةً "بعدها يشفى الطفل ويستطيع النوم والرضاعة". وأضافت طريقتنا في علاج قطع الظهر أو الصدر "التمزقُ" هي وضع بيضة في "النًقاعة" ماء تحت الزير، لمدة ثلاثة أيام بعدها نفصل البياض ونجعل صفارة البيضة تتدحرج على ظهر أو صدر الطفل, موضحةً "محل الألم ستنكسر البيضة، بعدها نُدلك هذه المنطقة بعجينة من الدقيق وصفارة البيض". لكن رُغم غرابة المعتقدات السابقة تظل "المُشاهرة" هي الأكثر جدلًا، وهي معتقد متوارث مُنذ سنوات طويلة تدفع نساء الصعيد إلى دخول المقابر وطق الذهب أي زيارة الصاغة للبحث عن ملجأ للهروب منها، فهذه العادة تدعو المرأة إلى ممارسة طقوس معينة والبعد عن أفعال معينة وإلا ستكون عرضة للإصابة بالمشاهرة وتعني ألا تتمكن السيدة التي وضعت حديثًا من رضاعة وليدها "يُرفع منها اللبن". قالت ه.ج (38) عامًا- بكالوريوس تجارة، غالبًا هي خرافات لكن سبحان الله تصدف كثيرًا، حتى المُتعلمين هنا يعتقدون فيها ويلجأون للتحصين من المشاهرة عن طريق وضع باذنجانة تتدلى بحبل على باب الغرفة التي بها السيدة ومولودها وواجب على أي سيدة تدخل أن تُمْعن النظر أولًا في هذه الباذنجانة. وأضافت أم كرم، أن الاعتقاد في المشاهرة راسخ في ذهن أهل القرية، ونخافُ على النساء اللاتى تضع من "الربط" أو المشاهرة بسبب شر مقصود من إحدى النساء اللواتى لا تنجب، مثل تعمد عدم النظر إلى الباذنجانة أو شق كعبها عند أول زيارة للسيدة ومولودها؛ لذلك ينبغي على السيدة بعد أسبوع من وضعها زيارة المقابر أو الصاغة هي ومولودها، أو أن تخطو سبع مرات على أنثى كلب وضعت حديثًا. وصف الأستاذ فوزى كمال، مدرس التاريخ هذه المعتقدات "بالخرافات" التي لا أساس لها من الصحة، وأي شخص يزعم صحتها عليه أن يُعيد تفكيره. وأيدت ن.ج 32عامًا بكالوريوس هندسة كمبيوتر، وصف هذه المعتقدات بالخرافات قائلة: "هذه الخرافات لا تقتصر على دراو فقط لكنها منتشرة في الصعيد والغريب أنهم يعتقدون فيها أكثر من كلام الأطباء والأدوية .. وهذا خطأ". إن طرق التداوى هذه موروثات كانت مخاض التجربة وتكررت في مناسبتها، كما أن كثير منها لم يخضع للتمحيص العلمي،لكن نساء هذه القرية يؤكدون فعاليتها في كثير من المواقف . قالت سيدة هذه الطرق تعلمناها من الكبار، من الأم وأمي تعلمتها عن جدتي وهكذا، واستنكرت أم خالد أن تكون هذه المعتقدات هي "خرافات " مختتمة قولها: "حتى وإن كانت خرافات إحنا بنتحسن عليها أسرع من الأدوية". أوضح الشيخ عطا الله إمام مسجد، أن هذه الطرق لا يدركها من هو خارج الصعيد, ربما المجتمع الصعيدي يعتقد فيها كثيرًا، مؤكدًا أن الأمر لا يتوقف على مجرد اعتقاد في شيء أو فكرة بل على حسن اعتقادك بالله، وما دامت نيتُك سليمة إذن سيشفيك الله بإذنه ويحميك. وأكد الشيخ أحمد حسني إمبابي، واعظ بالأزهر الشريف، أن الموروث عندما لا يبنى على أى قاعدة علمية أو شرعية يكون موروثًا خاطئًا، ولا ينبغي الالتزام به، وجل هذه المعتقدات يحتاج إلى التدقيق العلمي، مضيفًا: لابد من الاجتهاد في رفع هذه الموروثات عن ذهن من يتمسك بها، لكن بالأسلوب الذى يرتضيه. شاهد الفيديو: