الوزير «مشهلاتى» لا يتخذ قراراً بدون موافقة «المعتمد العسكرى» لماذا لم تقترب أعمال البلطجة والسرقة من أعضاء الوطنى المنحل وقياداته منذ أشهر قليلة التقيت بعضاً من وزراء حكومة شرف فى حفل زفاف ابنة صديق مشترك، وبطبيعة الحال تجاذبنا أطراف الحديث حول نواطير مصر وثعالبها وعندما اقترحت على الوزير المحترم، الذى أفضل عدم ذكر اسمه، إجراء حوار ليوضح نفسه أمام الشعب وينفى عن نفسه شبهة التقصير أجابنى قائلاً: أنا ممنوع من الكلام والمجلس العسكرى قال ما تفتحش بقك بأى تصريحات ثم أضاف ضاحكاً أصل كل ما أقول تصريح الدنيا تتقلب، لم تصدمنى إجابة الوزير السابق لأننى كنت أعلم أن الذئب يختبئ خلف خيال المآتة، وأن أعضاء المجلس العسكرى تقاسموا فيما بينهم الإشراف وإدارة الوزارات، وأصبح الوزراء مجرد «مشهلاتية» لا يستطيع أى منهم أن يبرم أمراً أو يتخذ قراراً دون الرجوع إلى (المعتمد العسكرى) فى وزارته. هذه الحقيقة تؤكد لنا أن كل شئون الدولة والعباد فى قبضة العسكرى خلال المرحلة الانتقالية، وعلى قدر الصلاحيات تكون المسئولية وتتحدد المساءلة ومن ثم فإن المجلس العسكرى يصبح مسئولاً طوال عام مضى عما اتخذه من قرارات وأصدره من مراسيم وارتكبه من تجاوزات لتبقى لحظة الحساب والمحاسبة. عندما كانت موقعة الجمل تدور رحاها فى ميدان التحرير تواترت الأخبار لدينا فى العدد الأسبوعى أن الثوار كلما أمسكوا بأحد البلطجية وسلموه لأفراد الجيش سرعان ما يطلقون سراحه ليعود أدراجه مرة أخرى فى مواجهة الثوار، لم تؤخذ هذه الأنباء على محمل الجد والصد وكنا مثل غيرنا من المواطنين نثق بأن الشعب والجيش إيد واحدة، ولكن.. كأن منى المجلس العسكرى وغاية مناه إسقاط مبارك ليخلو له وجه مصر، لقد بدا الأمر كذلك أو شبه له فماذا فعل بنا، وماذا فعل بمصر؟.. تعالوا نتعجب سوياً من أمور العسكرى بعد أن صدقنا كلامه وتصريحاته طويلاً: - اعتداء الشرطة العسكرية على متظاهرى التحرير بعد أسبوعين من الثورة وقلنا معلهش غلطة وقبلنا الاعتذار. - كشوف العذرية على بعض الفتيات فى التحرير (عفواً رئيس التحرير حذف التعليق). - أحداث ماسبيرو ودهس المتظاهرين والسفارة الإسرائيلية وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء. وكلها أسفرت عن مئات القتلى وآلاف المصابين. - انفلات أمنى غير مسبوق سرقات مساكن وسيارات وسطو مسلح واختطاف وبلطجة وقطع طرق، ما يؤكد أن هذا الانفلات ممنهج ومتعمد ومقصود أن واحداً من رجال الحزب الوطنى المنحل ونظام مبارك أضير من هذه الجرائم وهذا الانفلات فكلهم آمنون مطمئون. - تمسكوا بوزراء مبارك وأمانة السياسات وماطلوا فى حل المجالس المحلية ولولا حكم القضاء لبقى عملاء الوطنى يديرون المحليات وسمحوا للفلول بتشكيل أحزاب كانت بمثابة حصان طراودة تسللوا بها إلى مجلس الشعب بأكثر من أربعين نائباً. - شجعوا الانقسامات بحوارات لا نفع فيها ولا طائل منها سوى استهلاك الجهد واستنزاف الوقت وإضاعة الفرص. - اصطنعوا من يهلل لهم فى الفضائيات.. ماذا يعنى تأسيس 16 شركة قامت ببث 32 قناة فضائية بعد ثلاثة أشهر من قيام الثورة يملكها فلول الوطنى سوى أنهم بمثابة الطابور الخامس لطعن الثوار فى ظهورهم وتكفير الناس بالثورة وتدوير الفزاعة الاقتصادية. - أقصوا كل القوى السياسية عن لجنة إعداد التعديلات الدستورية، وقصروا عضويتها على الإخوان فقط، وفرضوا علينا الانتخابات أولاً ورفضوا وضع دستور جديد كما يقتضى منطق الإصلاح السياسى. - أصدر قوانين «العك» السياسى الخاصة بالانتخابات وممارسة الحياة السياسية دون حوار مع أحد وأصر على نسبة العمال والفلاحين وتطبيق النظام الفردى مع القائمة وكأن الثلث والثلثين هو أفضل ما يقدمه العسكرى للثورة ومطالبها. - تباطأ فى محاكمة مبارك وزبانيته حتى فسدت الأدلة وتمكنوا من تستيف الأوراق، وكأن هذه المحاكمات تتم بغرض تطهير مبارك من الاتهامات والجرائم التى يحاكم بشأنها، وطبعاً الإصرار على محاكم مدنية بإجراءاتها العقيمة يعنى صدور حكم مشدد لامتصاص الغضب ثم يتم نقض الحكم ثم تعاد المحاكمة ثم يخفف الحكم ثم ينقض مرة أخرى ثم تعاد المحاكمة ثم البراءة ونقول آسفين يا ريس ومتشكرين يا سيادة المشير. - إصدار قانونى تنظيم الأزهر والانتخابات الرئاسية قبيل انعقاد مجلس الشعب فى تصرف يعكس الاستقواء ويفتقر للملاءمة والكياسة السياسية. - تصريحات بعض قادة المجلس العسكرى المستفزة والتى تؤكد سوء الطوية والنوايا تجاه الشعب والثورة، فمرة يصرح هذا بأنهم لم يجدوا من قادة الأحزاب من يصلح للتفاوض وتقديم التنازلات، وذاك يعلن أن التحرير يعبر عن 5٪ فقط من مجموع الشعب المصرى، وآخر يحذر من أن الجيش لن يقبل بتعيين وزير الدفاع من قبل رئيس مدنى، وأخيراً العضو الذى طلب حرق الثوار فى أفران الغاز. - الإصرار على مسابقة الدورى العام لإلهاء الشعب رغم أحداث الشغب والبلطجة وآخرها أحداث بورسعيد الكارثية التى تفضح بجلاء التواطؤ الأمنى مع البلطجية لقتل المواطنين. مصر تتفجر فى كل مكان.. ضحاياها وشهداؤها بسبب البلطجة والتواطؤ الأمنى وصمت العسكرى أكثر من شهدائها فى نكسة 67.. الفرق بين المجلس العسكرى والثوار هو أن الأول حقق من الثورة هدفه وغرضه وهو إسقاط مبارك وعدم توريث ابنه، ثم تعاملوا مع الثورة على أنها لا تعدو أن تكون مجرد «انتفاضة عيال» سوف تهدأ بمرور الوقت، وينفردون بعدها بحكم البلاد أما الثوار فإنهم يتعاملون مع الثورة على أنها بداية نهضة ومشروع قومى سياسى واقتصادى. العسكرى يراهن على الفوضى حتى يضج الشعب ويزهق ويكفر بالثورة وينقلب على الثوار ويضطر لاختيار الأمن المعجون بالديكتاتورية.. والثوار يراهنون على الميدان رغم تخلى الإخوان والسلفيين عنهم فى صفقات مع العسكرى وعودتهم للميدان تؤكد أن الثورة لم يخفت صوتها ولم ولن تموت رغم محاولات إجهاضها.. ميادين التحرير والأربعين والقائد إبراهيم تثبت أن مصر لاتزال عفية.. وأن الشعوب متى اندفعت للأمام لا يمكن إيقافها كما قال نابليون بونابرت. فى الأسبوع الماضى، كنت أتحدث مع قيادى إخوانى بارز أعرفه منذ أكثر من عشرين عاماً وأكد لى بثقة أن المجلس العسكرى يطمع فى السلطة وأن هذا ما جعلهم ينحازون إلى اختيار الانتخابات أولاً، ثم تحدثت مع نائب مستقل أقسم لى أن العسكر لا يريدون الحكم وأنهم يتمنون تسليم السلطة اليوم قبل غد، وأنهم لا يعرفون شيئاً فى السياسة.. وأجدنى لا أميل لهذا الرأى أو ذاك فقد بات الشعب يعرف هوية المجلس العسكرى أكثر من أى أحد. لقد كتبت فى يناير من العام الماضى مقالاً فى بداية الثورة بعنوان «أين جمال مبارك»، وكان حينئذ ممنوعاً من الظهور الإعلامى طبقاً لنصائح الأجهزة الأمنية بينما كان يدير المواهجة مع الثوار بالأمن والبلطجة وراء ستار، واليوم أسأل أين المشير حسين طنطاوى مما يحدث؟ لماذا يتركنا ضحايا لموجات البلطجة المتتالية والمتعمدة؟ كيف ينام بضمير مستريح والبلطجية يروعون الشعب الذى منحه ثقته واستودعه ثورته وائتمنه على مطالبها؟ كيف دخل كل هذا السلاح إلى مصر.. وحدودها يحرسها الجيش؟ يا سيادة المشير.. مصر سايبة.. مصر تايهة.. اضمن لنا الدخول الآن للمستقبل نضمن لك الخروج الآمن من السلطة.