نمقت الصهاينة وتصرفات اليهود ولكن للأسف نأخذ أردأ خصالهم ونعتبرها شعار ثورتنا وعنوان علاقاتنا مع بعضنا البعض، في الشارع وفي النادي وتحاورنا السياسي، وكذلك في مطالبنا الفئوية وغير الفئوية، وفي علاقتنا بالشرطة، وأيضا في علاقة السلطة بالمعارضين وأصحاب الرأي من الشباب والفتيات، ودائما في حوارنا الطائفي والعرقي والقبلي.. في كل شىء لم ننهل من الصهاينة إلا خصلة «التعصب الدموي» التي حولت حياتنا إلى كابوس. والخطأ الفادح الذي نقع فيه كل مرة هو أننا نعالج هذا الزلزال الذي يقوض أركان المجتمع المصري بالمسكنات أحيانا وب «الفهلوة» غالبا، فجميعنا بلا استثناء، إعلاميين وساسة ومفكرين وتربويين وعلماء اجتماع وأمن، وقفنا «نلطم الخدود» على موقعة بورسعيد دون ان نلتفت أننا أمام زلزال له مقدمات واضحة وضوح الشمس، وأيضا له توابع كارثية لن ترحم صغيرنا أو كبيرنا وقد تحول البلاد كلها إلى «بور شهيد». علينا أن نقرأ جيدا ما بين السطور وندرك أن وباء التعصب الدموي الصهيوني الذي يضربنا حاليا يتحول إلى رهاب اجتماعي و خوف مرضي ضد شعوب أو أجناس دون غيرها، وهناك أمثلة عديدة سبقتنا منها رهاب الزنوج. ولقد قيل في التعصب إنه وباء نفسي اجتماعي لا يختلف عن الأمراض المعدية التي تصيب المجتمعات، ويميل علماء الطب النفسي الى دراسة التعصب ضمن الاضطرابات النفسية باعتباره مرضا خطيرا وضحاياه بالملايين. ويأخذ التعصب عند المختصين في دراسة هذا المرض أشكالا عدة: فإما أن يكون باللسان، مثل النكت البذيئة المحقّرة للأقلية، وقد تتطور الحالة الى عزلهم ورفض اشتراكهم في السكن أو في الحي أو البناية أو الفندق وتأبى التعليم عليهم، ولا ينالون من الرعاية الصحية، حتى تصل إلى درجة الاعتداء أو الإبادة الجماعية، والاغتيالات السياسية كما يقوم بها صهاينة اليهود في الأرض المحتلة في الوقت الحاضر ضد الفلسطينيين أبناء البلاد الأصليين. وعلماء النفس، وفي طليعتهم الدكتور محمد مهدي، يرون أن الانقلاب طال التركيبة السكانية كلها في مصر وأن البلطجة أصبحت جزءا أساسيا من المشهد الاجتماعي والسياسي، كما تعددت صور وباء التعصب, وقلت درجة الطيبة وحل محلها بعض الميول العنيفة أو العدوانية الظاهرة أو الخفية, وتأثر الجانب الفنى فى الشخصية تحت ضغط التلوث والعشوائيات, وزادت حدة السخرية وأصبحت لاذعة قاسية أكثر من ذى قبل وأحيانا متحدية فجة جارحة. والتعصب ليس دخيلا على الرياضة ففي عام 1964، وفي تصفيات أمريكا الجنوبية المؤهلة لأولمبياد طوكيو، التقى منتخبا الأرجنتين والبيرو. أُقيمت المباراة بالعاصمة البيروفية (ليما) بحضورٍ جماهيري كثيف. تقدم المنتخب الأرجنتيني في البداية بهدف واستطاع المحافظة على هذا التقدم، ولكن قبل نهاية المباراة بدقيقتين تمكن المنتخب البيروفي من تسجيل هدف التعادل. كان من الممكن أن تنتهي المباراة نهاية طبيعية لولا أن الحكم ألغى الهدف. وقد تسبب ذلك في حدوث هيجان وثوران بين الجماهير تطور لواحدة من أسوأ حالات شغب الملاعب في التاريخ وكانت نتيجة هذا الشغب مقتل حوالي 300 مشجع! وفي حالات أخرى وصل التعصب الرياضي إلى درجة ممارسة السحر بشكل علني، كما في هذه الحوادث، على جسامتها، تعتبر تهريج أطفال إذا ما قورنت بالأحداث التي تلت المباراة الفاصلة بين السلفادور والهندوراس في تصفيات كأس العالم 1970. تسببت أحداث تلك المباراة في تصاعد حدة التعصب الرياضي بين جماهير المنتخبين إلى درجة أن اندلعت الحرب بين الدولتين بعد المباراة مباشرة ولمدة أربعة أيام متواصله! وقد وصل عدد القتلى في هذه المهزلة إلى ما يقارب الثلاثة آلاف، وما تزال هذه الحادثة حتى الآن تسمى ب « حرب كرة القدم «. ولا ننسى احداث مباراة مصر والجزائر و مشاركة جمال مبارك في الدورات الكروية الرمضانية الدولية قبل الثورة، تمثل نوعا من «التلميع الرياضي» للوريث المنتظر لحكم مصر، حيث يؤكد الخبراء على العلاقة الوثيقة بين الرياضة والسياسة واتفقوا على أن الأنظمة الحاكمة في العالم قد سعت كثيرا لتوظيف الرياضة لتدعيم السياسة وترسيخ مكانة الحكام، مشيرين إلى أن أغلب النظم العربية قد استخدمت الرياضة في تهيئة الأجواء لملف التوريث، فيما تستخدمها بعض الانظمة الآن كسلاح لإذكاء الصراعات التي يريد الأمن شغل الرأي العام بها، وأيضا تستخدم الرياضة كسلاح لإجهاض ثورات الربيع العربي كما حدث عندنا في زلزال بورسعيد. وعلاج التعصب عند الدكتور رضا العطار الذي أعد دراسة عن سيكولوجية التعصب تكمن في تغيير الاتجاه في السلوك بالاقناع والدعاية من خلال وسائل التثقيف، وقد تظهر ممارسات ازدواجية متناقضة فيكون الإعلام في وادي والتطبيق في وادي آخر، وللوعظ الديني دوره الإيجابي لو لم يكن من شأنه إذكاء العداء بين الجماعات الدينية كما يحدث بين المذاهب والطوائف. ومن الضروري أيضا الانصراف الى التعليم العام منذ مرحلة الطفولة لينشأ الصغير تنشئة صالحة صحية وخلق ضمير جماعي يقاوم التعصب ويتصدى له وهو أمر ثبت إمكان تحقيقه. وقد دلت الاحصائيات التي أجريت في الولاياتالمتحدةالأمريكية بخصوص التعصب، على تدني ممارساته إلى أكثر من 50% خلال 25 سنة متوالية، أي بين أعوام 1942 – 1967. باختصار سيظل التعصب الدموي هو القاتل الوحيد الهارب في كل أزماتنا الاجتماعية، وللأسف لا تلاحقه أية مؤسسة من مؤسسات الدولة، بل نتستر عليه جميعا؟!