قبل أن تقرأ: خلال أقل من سنة استشهد 2286 متظاهرا, وأصيب 7811 و685 حالة كسر, و324 فقدوا أعينهم, و27كشف عذرية.. وفى مقابل هذا لم يحاكم مسئول واحد!! ألجم ذلك المشهد المهيب فى «مشرحة زينهم» - أكثر أماكن الوطن ألما وكآبة الآن- قلمى وعقلى ويدى.. اتعبنى.. اسقطنى.. أعيانى أمام هؤلاء «الشهداء» (يسميهم المشير متوفين!!) الذين تكوموا فى المشرحة (ياله من اسم كئيب حقا)..كانت مندوبة تليفزيون تجول بين الأكداس المكدسة منهم على الجانبين.. وصرخات الأمهات وأقارب وجيران الشهداء - وشتائمهم ولعناتهم - تكتب سطورا جديدة فى صفحة غضب يتمادى ويتجدد ويتصاعد يوما بعد يوم.. الأمهات الثكالى يحرقن قلبك من قهرهن لفقدان أبنائهن الذين «ذهبوا يحملون علما وعادوا يحملون كفنا».. سيدة طاعنة فى السن تقترب من السبعين تشبه جدتك وجدتى.. صبت جام غضبها على «حسنى مبارك ونزلاء فندق طرة.. من قال لها تفعل ذلك.. من دفع لها من مولها.. ربما أمير أو غفير.. لأن الحديث كان لتليفزيون الجزيرة فى قطر؟!.. (طبعا المذيعة كانت مرعوبة عندما علا صوت سبعينى آخر مقعد على كرسى أفزعنا قبل أن يفزعها بقوله: وانتى هتذيعى الكلام ده ليه عند دوووول؟!) كلمتان أو بمعنى أدق صورتان تلخصان المشهد المأساوى.. مشهد شهداء يراهم «الرئيس المشير» متوفين.. وثكالى ينددن بهذا التحجر اللاإنسانى وهذه القلوب التى قدت من صخر.. ولايجدن أحدا يساندهن فى مصابهن ولا يخفف عنهن أو على الأقل يعزيهن.. فالرئيس المشير اختار أن يذهب لاستقبال فريق النادى الأهلى, بينما لم يذهب أحد لأهل الشهداء أو الضحايا أو المتوفين (كما يسمونهم) مع أن العزاء واجب شرعى وإنسانى.. والمشير الآن هو «كبير البلاد»! لم أر أحدا فى عزاء مصر من هؤلاء.. لماذا؟ وهل هذا التجاهل والاستعلاء على المتظاهرين والحركات السياسية.. سيلغيهم أو يقضى عليهم؟ هل سيندثر الثوار؟ فى صورة تلفزيونية أخرى رأينا فيها لاعبى الأهلى بعد المأساة.. شاهدنا لقطة قد تكون كاشفة تماما.. فقد تساءل «الرئيس المشير» فى إطار تعليقه على كارثة مصر فى بورسعيد عن السبب الذى يجعل الشعب لا يتصدى للناس دول؟!!..وأضاف: الشعب لازم يتصدى لهم.. إحنا عايزين الشعب كله يشارك؟! صدمنى المشير.. وصدم كل من سمعه يردد تلك الكلمات.. وتلك الدعوة التى لها معنى واحد هو استعداء الشعب على بعضه!! سيادة المشير.. تلك هى الازمة الحقيقية التى نعيشها مع «حكم العسكر»..المسألة ليست وطنية تتعلق بحبنا للجيش من عدمه.. ولا تقاليد اجتماعية نتجاوزها بعدم توقير «كبيرنا».. إنها مجرد مسألة سياسية بحتة.. تتعلق يسوء إدارة الحكم فى البلاد.. ولايجب أن تتصوروا - كما يحلو للبعض أن يروج وأن يزين لكم – إن حكم مصر هو مكافأتكم التى يجب أن تتقاضوها ثمنا لأى مواقف انحزتم فيها الى جموع الشعب.. وهو الدور الذى لم نجد دليلا عليه بنص شهاداتكم فى المحكمة والذى تعهدتم بإيضاحه بعد تسليمكم السلطة.. الخطأ الجوهرى الذى نراه هنا هو عدم نجاحكم فى إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية وحتى لو كان هناك صراع على السلطة من جانب جماعات ثوار «الطوب» و«المولوتوف» فقد فشلتم أيضا فى التصدى لها وتوحيد الشعب ضدها, بدليل أن الشعب لم يسمح لكم أبدا باتخاذ إجراءات عنيفة ضدهم ولم يمنحكم شيكا على بياض لمواجهتهم..ومواجهة التيارات والحركات التى تفرغتم بكل أسلحتكم للنيل منها بالشائعات والضرب والبلطجة والقتل والسحل والانتهاك والاعتقال والمحاكمات العسكرية. طوال عام كامل لم يتعلم أحد الدرس.. لم يع أحد فى السلطة أن محاولة إقصاء الشباب عن المشهد, وحرمانهم من قطف ثمرة نضالهم لن تنجح أبدا, لن يترك الشباب الأرض ممهدة لكم أبدا, ولو دفعوا أرواحهم ثمنا لذلك.. ورغم أنهم يدركون أن مبنى الداخلية محصن, وأن كلفة محاصرتها باهظة لكنهم لم ولن يتراجعوا ولن يتركوكم مطلقا فى السلطة بمفردكم.. فعلى الرغم من أن العسكر هم الحاكمون.. الى أن «الاشتراكيون الثوريون» خرجوا علينا بأفكارهم الراديكالية (وسبق أن أعلنت رفضى لها) الرامية لشق وهز المؤسسة العسكرية من داخلها..وذلك دون خوف أو وجل أو حتى الخجل من الشعب المصرى الذى قد ينبذ أفكارا كهذه.. فإن الأمر جد خطير ويفرض الحوار وعدم إقصاء الثوار. تتحصن قيادات الداخلية خلف الخرطوش والغاز والمطاطى وتدخل كل يوم وكل ساعة فى مواجهة مع الثوار والمتظاهرين ولا تفكر أبدا فى احترام عقولهم وتظاهراتهم وتصدر بيان اعتذار عن كل جرائمها بحق الشعب المصرى وتتعهد أنها لن تعود الى ذلك.. لكن أحدا داخل هذا الجهاز الفاسد - فى معظمه - ليس لديه اي استعداد لاحترام المواطن وتحقيق سيادة القانون من دون تجاوز أو تخاذل أو إهمال جسيم.. فهم يفشلون مبادرات التهدئة مع «العدو»!! (الشعب المحتج)..ولست أدرى إلى أي مصير يقودوننا.؟ بعد أن قرات: الضغط الحالى على «الداخلية» دفع العسكرى للإعلان عن عزمه التدخل بنفسه(...) لتطهيرها وأرجو ألا يكون هذا «طق حنك» كما حدث سابقا.. كما دفعه لفتح باب الترشح للرئاسة 23 الجارى ولا أزيد!