في تقرير لها نشر في أبريل الماضي، أكدت منظمة 'ييش دين' الحقوقية الإسرائيلية أن الشرطة الإسرائيلية تتقاعس في تطبيق القانون ضد مستوطنين يرتكبون جرائم على خلفية قومية وأيديولوجية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. كذلك يتبين من الإفادات أن الشرطة تبذل جهدا ضئيلا للغاية من أجل تطبيق القانون ضد المستوطنين الذين ينفذون الاعتداءات ضد الفلسطينيين. وكانت الشرطة الإسرائيلية قد أقامت لواء خاصا للضفة الغربية، لواء "شاي"، في العام 2013، وزعمت الشرطة حينها أن هذا اللواء هدفه مكافحة الجريمة القومية التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين وحماية الفلسطينيين. لكن تقرير 'ييش دين' يؤكد أن إقامة هذا اللواء لم يؤدِّ إلى زيادة في نسبة حلّ ملفّات من هذا النوع. وتدلّ معطيات «ييش دين» وكذلك معطيات الشرطة على استمرار التوجّه الذي يشير إلى فشل متواصل بكل ما يتعلق بالتحقيق في الإجرام الأيديولوجي الموجَّه ضد فلسطينيين، وهو الفشل الذي تشير إليه المنظمة منذ تأسيسها. وحقيقة أن سلطات تطبيق القانون الإسرائيلية تنجح في محاكمة مستوطنين مشتبهين بارتكاب جرائم قومية عندما يكون الضحايا من غير الفلسطينيين، يؤكد أنّ هذه المعطيات ليست قضاءً وقدرًا بل نتيجة سياسة مدروسة. تفتح نتائج هذا التقرير الباب إلى فهم الدور الذي يلعبه المستوطنون في تنفيذ استراتيجيات الاحتلال. تدرك دولة الاحتلال الإسرائيلي أنها مسئولة بحكم القانون الدولي عن حماية المدنيين الفلسطينيين، وأن جنودها مسئولون بحكم القوانين والاتفاقيات الدولية المرعية وقت الحرب، لذلك قامت حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة على توسيع الدور الذي يلعبه المستوطنون في تمرير الإجراءات التي تريد فرضها على أرض الواقع بحق الفلسطينيين والأراضي الفلسطينية، وهي تعرف أن كونهم مدنيين سيرفع كثيرا من الحرج عنها في كثير من الانتهاكات بحق الفلسطينيين العزل. تتذرع الحكومات الإسرائيلية بأن الانتهاكات المرتكبة تخرج عن مسئوليتها كسلطات احتلال، واصفة أفعالهم بأنها تصرفات فردية وتدخل في إطار الاشتباكات بين مدنيين ومدنيين، لكنها في الوقت نفسه، تغض الطرف عن جرائمهم، بل وفي أوقات أخرى كثيرة تساعدهم على الإفلات من العقاب. مثل المستوطنون ذراعا مدنية لجيش الاحتلال دون أن تكون لديهم دبابة. بدأ هذا النهج الإسرائيلي في استخدام المستوطنين منذ بدء تكثيف الاستيطان في أعقاب معاهدة كامب ديفيد 1978، حيث أصدرت تل أبيب أوامر عسكرية تجيز مصادرة الاراضي الفلسطينية بالقوة، بما يخالف التزاماتها الدولية كسلطة احتلال، ثم توسعت في مشروعات الاستيطان على نحو يخالف كل القوانين الدولية. وما يشجع المستوطنين أكثر على جرائمهم أنهم هم فقط الذين يحصلون على تعويضات من الدولة وليس غيرهم، وهو قمة العنصرية والتطرف، وهو ايضا ما يشجع العناصر والجمعيات والمؤسسات اليمينية وكذلك المستوطنين على مواصلة جرائمهم ضد المواطنين الفلسطينيين. كما أن المماطلة في عقاب منفذي الجرائم اليهود ودفاع أقطاب حكومة اليمين المتطرف عنهم تزيد من الأعمال الإجرامية التي ينفذها هؤلاء اليهود المتطرفون ليس فقط في الاراضي الفلسطينية المحتلة بل وايضا ضد فلسطينيي الداخل. ومن ثم فلا يمكن النظر إلى الاستباحة التي يرتكبها المستوطنون للمسجد الأقصى بين حين وآخر سوى أنهم جزء ينفذ بدقة وببطء الخطط الإسرائيلية التي تتعلق بالمسجد لفرض واقع جديد يحقق في نظرهم أحلام اليهود في أولى القبلتين وثالث الحرمين.