أقمشة ملونة منقوشة تحمل رسومات مختلفة مثبتة فوق أحبال ترفرف في الهواء حتى تجف، ممر واسع يقع على يمينه درج ضيق يقع بآخره غرفة صغيرة مكدسة بالأقمشة الملونة والبيضاء، وبالواجهة منضدة خشبية يعلوها مفرش قماشي كبير بني اللون مرسوم عليه العديد من الأشكال الملونة. يجلس رجل خمسيني يرتدي نظارة تبدو ملامح الجدية على وجهه، يمسك بيده شيئًا صغيرًا يشبه الفرشاة يمرره على القماش بحركات دقيقة وسلسة. عم سعيد إبراهيم، الذي ترعرع منذ عمره الثامن بمركز ويصا واصف للفنون، ليتتلمذ على يد المهندس رمسيس ويصا واصف مؤسس المركز، وهذا ما سمح له بممارسة العديد من الفنون، فعمل بالنول والخزف والفخار والنحت على الخشب والشبابيك الجبس والزجاج وأخيرًا فن الباتيك "الرسم على القماش المغطى بالشمع". فعشق إبراهيم هذا الفن الأخير وولع به، وأكمل مشوار الفن فيه بالرغم من تأكيده أنه يحتاج مجهودًا أكبر من الفنون اليدوية التي تعلمها من قبل. "بقالي 47 سنة بشتغل في الباتيك، وأنا اللي بجمل الايشاربات والمفارش بالرسومات، وبختار ألوانها، يعني بجيب الأبيض السادة وأصنع منه لوحة فنية بالشمع" هذا ما قاله سعيد عن عمله. تلمح عيناك بوتاجازًا محمولًا صغيرًا على منضدة خشبية فوقها "علبة صفيح" يضع فيها الشمع السائل حتى يصبح ساخنًا للاستخدام، وبجانبه موقد آخر صغير جدًا يحيطه "صفيحة" متهالكة ليتم تسخين الشمع عليه حتى يصبح سائلًا والذي من كثرة الاستخدام أصبح كل ما يحيط بالموقد غارقًا في بقايا الشمع ليترك بصمته على المكان. واصطحبنا عم سعيد بجولة بالمكان ليشرح لنا أدواته البسيطة التي يستخدمها والخطوات التي يتبعها. وأشار الرجل الخمسيني، إلى أنه يستخدم قماشًا أبيض اللون من الحرير أو التروكلين أو التوبلين، وغيرها من الأنواع، ثم يقوم بالرسم بالشمع السائل على القماش الأبيض، ثم يصبغه باللون الذي رسمه خياله، موضحًا أن لون القماش المغطى بالشمع يظل ثابتًا بينما دون ذلك يتأثر بالصبغة. وبالمرحلة الأخرى يضع فنان الباتيك، القماش المصبوغ في الهواء ليجف، ثم يغمره لمدة 24 ساعة بمادة مثبتة للون وهي"سليكات الصوديوم"، ثم يغسل القماش ب"حوض" الغسيل الاسمنتي بالماء، قائلًا:" بعد ما تنشف أعيد بالشمع على الاجزاء التي اريد أن احجبها عن باقي اللون وانزلها في الصبغة تاني ليتم تلوينها بمعنى كل ما ارغب في حفظ لونه احجبه بالشمع، وبدرج الألوان والرسومات لتختلف كل واحدة وألوانها في نفس القطعة وكل ما بتزيد الألوان بتزيد مراحل صبغته واستخدام الشمع". وبأسفل الدرج يوجد نصف قبة يتمركز أدناها عدة مواقد كبيرة وعدد من أوعية ضخمة، تستخدم أغلبها في أخر مرحلة، والتي فيها يضع القماش في ماء مغلي ليسيل الشمع ثم يلتقطه ويترك في الهواء حتى يجف، كما يترك الشمع الذي تخلص منه القماش أثناء الغليان ليعيد استخدامه في الرسم اليوم التالي. لم يبخل سعيد بكل خبراته ومهارته على تعليم أجيال عديدة بعده، ومن بين تلك الأجيال ولده "صابر" الذي ورث حب الباتيك من أبيه ونجح فيه بصورة كبيرة ليثبت المثل الشعبي الذي يقول"ابن الوز عوام".