لكل سيدة تقودها قدماها لإحدى محاكم الأسرة، قصة يشكل الحزن تفاصيلها ويفيض ليسرى فى العروق حتى يتمكن بالكامل من الجسد فتصبح لمن يراها واهنة ضعيفة توحى هيئها وكأن سنوات عمرها قد تسارعت لتصل للشيخوخة مبكراً، تسير هائمة فى الطرقات بحثاً عن سبيل النجاة تأمل فى كل درب تسلكه أن يقدره الله قشة تنقذها من الغرق فى أنهار الآلام التى لا تنضب. ومن الحكايات حكاية امرأة سبب لها الرجل الذى اختارته رفيقاً لحياتها رغماً عن الجميع أوجاعاً لن يداويها الزمن، كسلسلة من المآسى التى لا تنتهى، بدأت فى سرد قصتها، مسحت دموعها وتمسكت بآخر ما تبقى من قواها لتروى ما جرى، فأشارت فى البداية لكونها كانت مدللة أبيها وأشقائها قبل الزواج، وعبرت عن الرفاهية التى حباها لها الله حينها بالقول: «كان العالم تحت قدمى.. كل طلباتى مُجابة»، لتؤكد أن نقطة التحول فى قصتها عندما وقعت فى حب رجل لا فرق بينه وبين الأفاعى سوى الشكل أما المضمون فالتطابق سيد الموقف، غازلها أثناء ترحالها اليومى للمدرسة فى عمر الزهور، ليقوم بعدها بالتقدم لخطبتها فرفضه الأب رفضاً تاماً، أضافت والأسى والندم باديان على قسمات وجهها، أنها وذلك الرجل قررا الهروب لإتمام الزواج بعيداً عن أعين الرافضين والمعارضين، لتحين لحظة الهروب عند دقات منتصف الليل فى ذلك اليوم، وتابعت بأنهما ذهبا لبيت إحدى السيدات المسنات التى كانت ترعاها حتى تحديد موعد الزواج، وقالت متابعة حديثها: إن ذلك الشاب الذى هربت معه ظل يتردد على محل سكن عائلتها لاستبيان ما يحدث واستطلاع الأجواء بعد هروبها، وكقلب أب ألهمه الله البصيرة، شعر والدها بأن سر هروب ابنته مع ذلك المستهتر، فأوقفه وسأله عنها ليجيبه بأنها معه، لينشب شجار بين العائلتين، فقررت العودة إلى المنزل، تقول بطلة قصتنا إنها وعند وصولها صُفعت على وجهها من والدها لأول مرة، وشددت على أن تلك كانت سابقة فى تعامل والدها معها، وذكرت أن الوالد رضخ لرغبة ابنته الساذجة وقال لها إذا كنتِ تريدين الزواج به فلكِ ما أردتِ ولكنى لا أعلم ما ينتظرك، وتزوجت، وانتقلت بعد ذلك لسرد تفاصيل ما بعد الزواج، فقالت إنهما تزوجا بالفعل، وأنجبا بنتاً جمالها يشعر القمر حياله بالغيرة، ولكن ذلك الحُسن لم ينعكس على حياتها التى صبغ السواد أيامها، فذكرت أن المشاجرات تعالت بينها وبين زوجها، لتصل لدرجة أن تُضرب وتهان، وانحدر سلوكه حتى أسفل سافلين، لتحكى لنا أنه فى أحد الأيام وعند مرض طفلته رفض أن يتحمل تكاليف علاجها أو أن يصطحبها للطبيب قائلاً: خليها تموت أحسن، وتابعت أنه عزم فى يوم على الدفع بابنته الصغيرة من أعلى السلم قبل أن ينقذها زوج خالتها، واصلت السيدة الحزينة قصتها لتصل لرواية لحظات احتضار طفلتها الكبرى، وأنها فى طريقها للمستشفى لتلقى العلاج فارقت الحياة، لتتصاعد دراما قصتها عند دفن الابنة الكبرى، ولأن المصائب لا تأتى فرادى، باغتهم فى المقابر نبأ وفاة طفلتها الثانية، لم تنته القصة بتلك المشاهد الجنائزية بل تواصلت بصلح تم بين العائلتين، لتعود الزوجة المغلوبة على أمرها إلى عش الزوجية مجدداً، مقررة لململة الذكريات ولم شمل أسرتها، وقالت إنها قررت فى ذلك الوقت قبول اعتذار زوجها ومواصلة الحياة، فأنجبت له أربعة أولاد، وكان صغيرها هو أقرب أولادها لتشير بأن والده الأنانى رفض التحاقه بمعهد الفنون وكان يعامله بجفاء، ولكنها فى المقابل كانت تحنو عليه وتخفى مصروفه اليومى، ليعلم الأب القاسى ذلك فى إحدى الليالى الحالكة، فأقدم على ضربه بعنف حتى كاد أن يفارق بدوره الحياة، ليسرع هرباً من المنزل، وتسارعت دقات قلبى بعنف وراودنى هاجس بأنى لن أراه مجدداً، ساعات واتصل بى ابنى الأكبر وصوته مضطرب باكياً: أخويا مات.. أخويا مات، لتصرخ الأم التي ذاقت كل تلك الويلات فى سنوات مرها القصير، لتختم قصتها بالقول إنها ذهبت إلى أختها، وقررت ألا تعود إلى الزوج مجدداً، الذى حول حياتها لمقبرة وأخذ منها الأحباء والأبناء، لتقول إنها تنتظر الموت دون قيود الزوج اللعين، أقامت دعوى خلع.. إنها لا تريد البقاء رفيقة لدرب هذا الزوج.. فقد قتل ثلاثة من فلذات كبدها.. كفى آلاماً كفى دموعاً.. تريد أن تضع نهاية لحياتها معه.. وتبقى لتنتظر نهاية حياتها بدونه.