تشهد الكويت اليوم، رابع انتخاباتها البرلمانية التي تجرى خلال ست سنوات، بعد أن قام أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح أواخر العام الماضي بحل البرلمان عقب استقالة رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح إثر اتهامات بالفساد وسوء الإدارة. وكان نواب المعارضة والمتظاهرون قد اقتحموا مبنى البرلمان بعد طلب تقدمت به مجموعة من النواب لاستجواب رئيس الوزراء السابق، إلا أن طلب الاستجواب قوبل بالرفض من قِبل مجلس الوزراء، وعليه، فقد قام أمير الكويت بتعيين وزير الدفاع السابق الشيخ جابر مبارك الأحمد الصباح رئيسا جديدا للوزراء. الانتخابات الكويتية ذات أهمية خاصة، ليس فقط لأنها المرة الرابعة التي يقوم فيها أمير الكويت بحل البرلمان وبالدعوة لانتخابات مبكرة، ولكن أيضا لحقيقة أنها تأتي في أعقاب فضيحة الرشوة والفساد المالي، فيما عرف ب "ووترجيت الكويتية". خلال الفترة التي عصفت بها أجواء ثورات الربيع العربي بأنحاء متفرقة من منطقة الشرق الأوسط، ظلت الكويت إلى حد كبير في مأمن بعيدة عن تلك الاضطرابات التي أثرت على جيرانها من الدول العربية، ولكن اقتحام المتظاهرين الأخير للبرلمان بالإضافة إلى إضراب بعض العاملين في القطاع العام، ينبئان بأن دولة الكويت ليست بمنأى عن الحراك الشعبي وأنها قد نصبت خيمتها في وسط مجرى سيل الربيع العربي الجارف، ولكن دول الربيع العربي قامت بتغيير أنظمتها بينما الكويت تبحث عن الإصلاحات. إن الكويت دائماً ما تفخر بكونها أول دولة خليجية تنال استقلالها في العام 1961، ولديها برلمان منتخب يمتلك وحده السلطة التشريعية وذلك منذ 1963، في وقت كانت فيه معظم دول مجلس التعاون الخليجي لم تستقل بعد، ولعل هذا هو السبب الذي جعلنا نختار عنوانا تاريخيا لهذا المقال من واحدة من أقدم المقالات التي تحدثت عن الديمقراطية الكويتية الذي نشرته مجلة "تايم" في عام 1967. ومع ذلك، فلقد أصبح البرلمان الكويتي في الآونة الأخيرة مصدرا للخلاف بسبب التناحر السياسي بين المعارضة والنواب الموالين للحكومة. يتوجه اليوم حوالي 400.000 مواطن كويتي لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الحالية لانتخاب أعضاء البرلمان الخمسين من جملة 286 مرشحا، بينهم 23 امرأة يأملن في تجاوز المستوى القياسي الذي سجلته المرأة في 2009، عندما تم انتخاب أربع نساء - لأول مرة - في تاريخ مجلس الأمة. إن نمط الحكومة الكويتية الحالي هو مزيج من النظام البرلماني والرئاسي بجانب الحاكم ومجلس الوزراء، الذي يتألف من أفراد الأسرة الحاكمة الذين يتمتعون بصلاحيات واسعة، فأمير الكويت يختار رئيس الوزراء، والذي بدوره يختار أعضاء مجلس وزرائه. كما أن برلمانها الشرعي المؤلف من 50 مقعدا، الصلاحيات التشريعية والرقابية، إلى جانب صلاحية دعوة رئيس مجلس الوزراء والوزراء لاستجوابهم بشأن القضايا الملحة، كما يمكنه حجب الثقة عن أي مسؤول وعزله عن منصبه. لقد أصبحت الانتخابات البرلمانية في الكويت اليوم مسرحاً مفتوحاً لعرض العديد من القضايا التي تواجه البلاد. ومن ضمن هذه القضايا التي باتت تسيطر على مجريات الانتخابات، بروز أصوات عدد من المرشحين تطالب بتعديل الدستور وتدعو إلى إجراء إصلاحات دستورية في الكويت من أجل الوصول إلى ملكية دستورية. ودعوات تغيير دستور 1962 في الكويت ليست جديدة، ففي عام 1982 تم طرح مبادرة قدمتها الحكومة لتغيير 16 مادة من مواد الدستور، لكنها لم تحصل على ما يكفي من أصوات الشعب، بالإضافة إلى ذلك، دعا بعض المرشحين أيضا لإصدار تشريعات من شأنها مواكبة التعديلات الدستورية. وثمة قضية أخرى برزت خلال الانتخابات الحالية، وهي إمكانية إنشاء نظام متعدد الأحزاب، فحسب القانون الحالي، لا يسمح بتشكيل الأحزاب السياسية مما يضطر رجال السياسة من قوى المعارضة للاعتماد على تشكيل تكتلات في البرلمان. والبعض يدعو أيضا إلى تقليص عدد الدوائر الانتخابية الخمس الحالية إلى دائرة انتخابية واحدة فقط لكل الكويت. في عام 1981، تم تقسيم الكويت إلى خمس وعشرين محافظة وكانت كل محافظة تختار اثنين من المرشحين للبرلمان، وقد تغيرت خارطة الدوائر الانتخابية في 2006 عندما تم اعتماد تشريعات قلصت من عدد المحافظات ليصبح عددها خمس كما هو الحال الآن. هناك أيضا نقطة رئيسة أثيرت في الحملة الانتخابية الحالية، وهي تتعلق بوضع تشريعات من شأنها الحد من انتشار الفساد والرشوة في القطاعات الحكومية المختلفة، وهي القضية التي كانت وراء حل البرلمان السابق وقيام الانتخابات الحالية. كانت هناك أيضاً دعوات إلى تغيير النظام القبلي والطائفي خشية تمزيق النسيج الاجتماعي للشعب الكويتي. فعندما يتعلق الأمر بالعملية الانتخابية، يفترض النأي عن العنصرية القبلية والطائفية، ومراعاة عدم توجيه الفئات الناخبة لاختيار مرشحيهم بناء على هذا الأساس، والدعوة بالمقابل إلى نظام اجتماعي تكون المساواة فيه على أساس المواطنة والانتماء المدني من أجل ضمان التعددية السياسية في البلاد. ومن المواضيع الأخرى التي أثيرت أيضا خلال حملات المرشحين، قضية تلك الفئة السكانية من المواطنين الذين يعيشون في الكويت ولا يحملون جنسية أو هوية أو إثبات مواطنة، وهي ما تعرف في الكويت بفئة "البدون". كذلك أثيرت قضية التباطؤ الذي حدث في عملية التنمية بسبب المواجهات السياسية المستمرة والمؤسفة التي حدثت في البرلمان الكويتي، والتي كانت تحول دون سرعة اتخاذ القرارات لتمرير التشريعات مما نجم عنها تأخير وتعطيل عدد كبير من مشاريع التنمية المصيرية التي كان من شأنها أن تعود بالنفع على الشعب الكويتي. إن القضايا التي يتوجب على الكويت التعامل معها خلال هذه الانتخابات هي أيضا نفس القضايا التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، رغم وجود بعض الاختلافات. وحيث أن الكويت أول دولة خليجية تنتهج نظام الحكم الديمقراطي، فهي تعتبر مقياسا جيدا للمناخ السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي. إن غالبية دول مجلس التعاون الخليجي التي تتطلع لانتهاج نظام ديمقراطي كأساس للحكم، تنظر إلى الكويت كنموذج يحتذى به، ولهذا فإن نتائج الانتخابات في الكويت سيكون لها دور حاسم في الكيفية التي ستمضي بها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى قدما في الإصلاحات الديمقراطية في بلدانهم. ورغم العديد من المشاكل التي واجهت الكويت خلال تجربتها الطويلة في الحياة الديمقراطية، فإن انتخابات اليوم تتيح للكويت فتح صفحة جديدة تطوي بها كل القضايا التي ظلت تواجه الحكومة السابقة. وقد اتخذت الحكومة بالفعل خطوات لضمان الشفافية والحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية من خلال إنشاء مفوضية مستقلة للانتخابات ولجنة للمراقبة تتألف من أعضاء في جمعية الشفافية الكويتية، وجمعية المحامين الكويتية وجمعية الصحافيين الكويتية. وللمرة الأولى، منحت الحكومة منظمات المجتمع المدني تصديقات لإنشاء مراكز في نقاط أقسام الشرطة التي تم تحديدها لإجراء عمليات الاقتراع في الدوائر الانتخابية الخمس، كما تمت دعوة فريق مراقبين دوليين مكون من ثلاثين مشرفا من 18 دولة لمراقبة العملية الانتخابية علاوة على توفير مركز إعلامي خاص للصحافيين لتغطية الحدث. كل هذه الترتيبات تدل على أن الكويت حريصة على تحصين العملية الانتخابية وأنها تبذل كل ما في وسعها لضمان أن تكون الانتخابات شفافة وحرة ونزيهة. ومع ذلك، لم تسلم الساحة السياسية من الأذى، فقد تخللت الحملات الانتخابية بعض الأحداث المؤسفة التي شوهت بالفعل الوجه الجميل للعملية الانتخابية، حيث أشار تقرير نشرته صحيفة كويت تايمز، إلى أن بعضا من رجال القبائل الغاضبين المنتمين لقبيلة مطير، قاموا بإحراق مقر الدائرة الانتخابية الثالثة للمرشح محمد الجويهل في منطقة العديلية، بسبب تصريحات أدلى بها خلال تجمع حاشد في وقت سابق، رأى فيها الغاضبون مساساً بمرشح الدائرة الرابعة الدكتور عبيد الوسمي وبقبيلة مطير. والأمر المؤسف هو أن السلطات لم تتمكن من إخماد النيران بسبب إغلاق الطريق بما يقرب من ألف شخص تجمعوا أمام خيمة الحملة الانتخابية للمرشح الجويهل. هذه الحادثة لا تبشر بالخير بالنسبة للنظام الديمقراطي في الكويت لإصابته بالهشاشة، ويمكن التلويح بها كذريعة من قبل الناقمين على فكرة وجود الديمقراطية في بلدانهم، باعتبار مثل هذه الأحداث مثالا حيا لإخفاقات النظام الديمقراطي. في مقال بصحيفة الكويت تايمز، كتب المحرر عبدالرحمن العليان، معلقاً على هذا الحادث: "... إنه علامة غير جيدة لمسار الديمقراطية في البلد الذي يعتبر أيقونة الديمقراطية في الشرق الأوسط". ومن المتوقع أن تتخذ السلطات الكويتية إجراءات قوية وصارمة ضد الأشخاص المسؤولين عن هذا الحادث والتأكد من أن هذا لن يحدث مرة أخرى مستقبلاً، لذا يجب أن يكون للكويت مواقفها الصلبة وإجراءاتها المقنعة، من أجل الحفاظ على طريقها في الحياة الديمقراطية، ضد أعداء الديمقراطية. إن المواطنين الخليجيين ينظرون للكويت كمثال يحتذى به في تطبيق العملية الديمقراطية عملياً على أرض الواقع في دولة خليجية، ويأملون أن يسود النظام الديمقراطي في ذلك البلد الخليجي الشقيق، خصوصا وأن دولة قطر تتجه نحو الانتخابات البرلمانية في منتصف 2013، وكذلك البحرين التي حققت بعض الإصلاحات في دستورها لاستيعاب التطورات التي حدثت مؤخرا هناك. وفي مناخ سياسي يتواصل فيه هبوب رياح الربيع العربي، فإن أنظار العالم مشدودة إلى انتخابات الكويت وما سيتمخض عنها من نتائج قد تكون مقياساً لقدرة الملكيات الخليجية على التحول إلى ملكيات دستورية تحكمها مؤسسات منتخبة من قبل شعوبها. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية