يواصل السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان زياراته لمحافظات سلطنة عُمان، فقد توجه إلى ولاية صحار بمحافظة شمال الباطنة، حيث يقوم دائماً بزيارات تشمل مختلف الولايات. كما اعتاد منذ أن تولى قيادة السلطنة مشاركة المواطنين من أبناء الشعب العمانى الشقيق فرحتهم واحتفالاتهم بالأعياد الدينية والوطنية وسائر المناسبات المهمة. تضاعفت الفرحة الشعبية الغامرة بوصوله إلى صحار فى أوج فترة استعداد السلطنة للاحتفال فى الثالث والعشرين من يوليو بيوم النهضة العمانية التى بدأت منذ أن تولى مقاليد الحكم. تأتى الزيارات والجولات التفقدية المهمة التى يقوم بها السلطان قابوس منذ عام 1970 فى مختلف الولاياتوالمحافظات على امتداد خريطة سلطنة عُمان، تأكيداً على حرصه على التوجه إلى الشعب فى كل ولاية، مهما بعدت المسافات لمتابعة إنجازات استراتيجية التنمية الشاملة والمستدامة فى كل ربوع السلطنة حتى أصغر قرية على حدودها. توفر زيارات وجولات السلطان قابوس الفرصة لتفقد مشروعات التنمية وأحوال المواطنين، ومتابعة تلبية احتياجاتهم عن كثب، وذلك من خلال مناقشتها مع مجموعة الوزراء والمستشارين الذين يرافقون السلطان قابوس خلال الجولة ويجمعون المقترحات تمهيداً للبت فيها والذى يكون فورياً. وفى صحار تواصلت على مدار الساعة، الاحتفالات الشعبية باستقباله بعد أن بدأت أمام القلعة التاريخية، وشملت باقة من الفعاليات أبرزها مهرجانُ شعبى حاشد شاركت فيه حوالى 12 فرقة فنية، ومجموعة من الشعراء والفنانين والفرسان والخيالة وهم على ظهور الجمال والخيل، حيث قدموا نخبة من الفنون العمانية المغناة. وشهدت سلطنة عُمان مهرجاناً بحرياً رائعاً عبر عن الاهتمام بتجديد الدور الريادى التاريخى للملاحة البحرية العمانية عبر المحيطات والموانئ. أقيم المهرجان ضمن برنامج احتفالات ولاية صحار. وتم تنظيمه بمشاركة القوارب الشراعية والسفن التقليدية وبمصاحبة فرق الفنون الشعبية، وقدم المشاركون تشكيلات مختلفة فى عرض البحر. بدأ المهرجان برفع شراع السفن على أنغام موسيقى الفرق البحرية، ثم أقيم سباق للقوارب الحديثة، وسباق للتجديف. كما تضمن المهرجان مسابقات ثقافية وتراثية واستعراضاً للفروسية ومعرضاً مصغراً لطريقة صناعة السفن التقليدية وحياكة الشباك وتجهيز معدات الصيد واختتم بتقديم هدايا للفائزين فى المسابقات مع عروض للفرق البحرية. وتعد صحار نموذجاً عصرياً لولايات سلطنة عُمان. وعلى خلفية الاحتفالات الراهنة يسترجع الجميع ما دونه المؤرخون عن الولاية قديما وكذلك ما تتميز به حديثاً. تنسب المصادر التاريخية نشأتها إلى صحار بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام. وقد حظيت بإشادة العديد من الرحالة والجغرافيين الذين زاروها، ويستدل من أوصافهم أنها مدينة عريقة جداً، حيث كانت عند ظهور الإسلام محوراً تجارياً مهماً، وبعد الإسلام أصبحت المركز الرئيس للملاحة والتجارة والإدارة. ويسجل التاريخ أن ملكى عمان فى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- استقبلا بحفاوة مبعوثه إلى العمانيين فى صحار. كما تروى بعض المراجع أن صحار هى منشأ أسطورة السندباد. وقد ذكرها العديد من المؤرخين والجغرافيين على مدى العصور وأشادوا بأهميتها فى كتبهم. وتعتبر قلعة صحار إحدى المعالم التاريخية البارزة فى السلطنة وتعد من أهم القلاع والحصون نظراً لموقعها المتميز ودورها الكبير الذى لعبته طوال القرون الماضية، وتوضح الحفريات الأثرية المكتشفة حول القلعة فى عام (1980) أن بناءها يرجع إلى القرن الرابع عشر الميلادى فى الطرف الجنوبى من المدينة. وقد افتتح متحف قلعة صحار - فى نوفمبر 1993 بمناسبة الاحتفالات بالعيد الوطنى الثالث والعشرين وذلك لتوثيق تاريخ المدينة. وتعرض به نسخة من نص رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل عمان يدعوهم فيها للإسلام، وقد حمل الرسالة اثنان من الصحابة هما عمرو بن العاص السهمى وأبو زيد الأنصارى، حيث قدما إلى عمان والتقيا فى صحار مع عبد وجيفر ابنى الجلندى (ملكى عمان فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم). وفى رحاب فترة احتفالات سلطنة عُمان بالعيد الوطنى 46 فى السنة الماضية، تم افتتاح جامع السلطان قابوس بولاية صحار، استمراراً للنهج الحميد الذى أرساه بتأسيس الجوامع فى مختلف محافظات السلطنة. ويتميز بنقوشه الجميلة التى تجمع بين فن الحضارة الإسلامية القديمة والفن المعمارى الحديث. ويأتى الجامع إضافة إلى جوامع السلطان قابوس المنتشرة فى كافة محافظات السلطنة شاهدة على الاهتمام ببناء بيوت الله. وتعد تلك الجوامع من معالم النهضة المعاصرة التى تشهدها كافة محافظات و ولايات السلطنة وتقدم بعدًا حضاريًا وتاريخيًا وثقافيًا. وتشهد صحار كسائر ولايات السلطنة توسعا فى المشروعات الاقتصادية الاستراتيجية العملاقة والخدمية والتجارية والعقارية والترفيهية تزامنا مع الطفرة الاقتصادية الحالية. ومنذ بداية عصر النهضة بدأت عمليات التنقيب عن النحاس، وتكلل المشروع بالنجاح، حيث افتتح مصنع النحاس عام 1983، وقامت السلطنة بتصديره إلى الخارج فى منتصف ذلك العام، ونظرا لما تمثله المعادن من ثروة وطنية تثرى الاقتصاد، فقد تم التنقيب عن معادن أخرى، فتم اكتشاف الكروم والمنجنيز فى الجبال. ومنذ الألف الثالثة قبل الميلاد وصحار شهيرة بتعدين النحاس، وهذا ما تؤكده الآثار التى تدل على استقرار مجتمعات صغيرة عملت فى التعدين، وكانت المواد الأولية تستخرج من المناجم. وللولاية تجربة ناجحة فى الزراعة دعمتها الحكومة بمشاريع وفرت لها المعدات، فتسارع معدل الإنتاج، وحرصت الحكومة على الاستفادة من المياه الدافقة من الأودية بإقامة سدود التغذية الجوفية، وتغذى أراضيها عدداً من الأفلاج. منذ العقد الأخير من القرن الماضى تزخر الولاية بالعديد من مراكز الإنتاج من خلال منطقة صحار الصناعية، والتى دخلت فى مرحلة الصناعات الثقيلة بعد إنشاء ميناء صحار الصناعى، حيث بلغ حجم الاستثمارات به عدة مليارات من الدولارات. ومن بين المشروعات الاستراتيجية مصفاة للنفط، ومصانع الألمنيوم، والبولى بروبلين والميثانول والحديد والمواد البلاستيكية، ومجمع العطريات الذى يعزز صناعة البتروكيماويات فى السلطنة. كما تم تشييد مطار صُحار الدولى لاستقبال رحلات محلية ودولية بعد حصوله على شهادة ترخيص من الهيئة العامة للطيران المدنى ليقوم بتشغيل الخدمات الأرضية واستقبال الرحلات.