يا تري ما هو شعور الدكتور كمال الجنزوري رئيس حكومة الانقاذ وهو يصعد الي منصة البرلمان لاول مرة اليوم لالقاء بيان عن أحداث الثورة وملف الشهداء والمصابين بعد حوالي 12 عاماً من قيام الرئيس المخلوع مبارك بإقالته من منصب رئيس حكومة الحزب الوطني بطريقة افتقدت الي الذوق وأصبحت حديث المدينة، قبل هذا التاريخ كان مستشارو السوء قد حشوا مخ مبارك ضد الجنزوري وأقنعوه بأنه يغرد خارج السرب وورط الدولة في مشروعات وهمية واتخذ مبارك قراراً بينه وبين نفسه بإقالة الجنزوري وجعله عبرة لمن يريد أن يكون رئيس حكومة بحق وحقيقي وفي مناسبة افتتاح الدورة البرلمانية عام 99 توجه مبارك الي مجلس الشعب ولم يكن أحد يعرف ماذا يدور في دماغه، حضر هذه الجلسة رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري ورؤساء الوزراء السابقون وكبار رجال الدولة وأعضاء الحكومة بالكامل ومن بينهم الدكتور عاطف عبيد وزير قطاع الاعمال في ذلك الوقت، لاحظت من شرفة الصحافة حيث كنت مدعوا لحضور خطاب افتتاح الدورة شيئاً من القلق يبدو علي وجه الجنزوري وملامح ارتياح علي جبهة عاطف عبيد ورغم الجو المشحون بالتوتر إلا انه لم يكن أحد من الجالسين في قاعة البرلمان يعلم ما يدور في عقل مبارك. كان مبارك يوجه التعليمات الي الحكومة وعاطف عبيد يدون ما يقوله في مذكرة صغيرة، وكان الجنزوري غارقاً في التفكير وأنهي مبارك خطابه وغادر قاعة البرلمان دون أن يبوح لاحد بما انتواه له وعند باب الخروج اقترب منه الجنزوري وسأله هو فيه تغيير وزاري يا سيادة الريس فرد مبارك أيوه فيه وغادر مبارك الي القصر الجمهوري وتوجه الجنزوري الي مكتبه في مجلس الوزراء يضرب أخماساً في أسداس والوزراء منهم من توجه الي منزله رأساً ومنهم من ذهب الي مكتبه لجمع متعلقاته استعداداً للرحيل. الذوق السياسي والبروتوكول يقضيان بأن يستدعي رئيس الدولة رئيس وزرائه الي مقر الحكم عند اجراء أي تعديل أو تغيير وزاري ويبلغه بالقرار اذا كان سيشمله أو سيقتصر علي بعض الوزراء ويوجه خطاب شكر روتينياً الي الحكومة علي الفترة التي تولت فيها المسئولية لكن مبارك تخلي عن الذوق مع الجنزوري وأصدر قراراً بإقالته بعد دقائق من وصوله القصر الجمهوري ورفض مقابلته وأرسل اليه مندوباً في مجلس الوزراء ليتسلم منه خطاب الاستقالة وأخلي الجنزوري مكتبه للدكتور عاطف عبيد الذي كلفه مبارك برئاسة الحكومة بدلاً منه ولزم الجنزوري بيته بما يشبه فرض الحراسة عليه بعد حرمانه من حضور المناسبات الرسمية أو الظهور في وسائل الاعلام. كان الجنزوري يتمتع بكاريزما خاصة تؤهله أن يكون رئيس حكومة لدولة حرة ونظام محترم وكان يريده مبارك رئيس سكرتارية وسلم مبارك أذنيه لوزراء ومسئولين ونواب ليصبوا فيها افتراءاتهم علي الجنزوري قوي الشخصية الذي كان يتحدث أمام البرلمان وكأنه يخاطب جالسين في معبد لم يجرؤ نائب علي قطع طريقه وهو خارج من مجلس الوزراء متوجهاً الي البرلمان لتوقيع طلب ولم يتمكن أحد من الجري وراءه وهو خارج البرلمان لتعطيله في البارك بالساعات لعقد صفقة كما كان يحدث مع غيره. كان الجنزوري يتحدث في البرلمان وكأنه خطيب فوق مسجد كان سرور يخشاه ويقلق من لقاءاته وكان زكريا عزمي يكرهه وكان الشاذلي ينافقه وكان «عز» في ذلك الوقت «مزيكاتي». وكان جمال مبارك موظفاً في بنك كما كان المنافقون الكبار في بداية السلم. ومرت الايام والعيال كبرت وشاهدهم الجنزوري من شرفة منزله وهم يلعبون بالكبريت.. عز وجمال والشلة، والاب مبارك أصبح غير قادر علي حكم بيته فسقط الجميع وافعل يا بن آدم ماشئت فكما تدين تدان وبقي «الجنزوري»الذي كان يذاكر الموقف من وراء ستارة شفافة وعاد رئيساً لحكومة الانقاذ. وننتظر منه اليوم وهو يتحدث من فوق منصة البرلمان الذي يدخله لأول مرة بعد تجريده من منصب رئيس الوزراء بطريقة لا تحدث إلا من مبارك أن يكشف عن كل المسكوت عنه من فساد وقع في هذا العصر لمساعدة العدالة علي القصاص من الفاسدين والحصول علي حقوق شهداء ومصابي الثورة. الجنزوري لديه الكثير من الاسرار التي يستطيع بها تعرية مبارك وعصابته والكثير من الخبرات التي تنقذ الاقتصاد المصري والكثير من الصبر في هذا الوقت الذي يحتاج الي تأمل. شكراً للجنزوري الذي لم يغضب من تهور الاحتجاجات التي منعته من دخول مقره الرئيسي حتي الآن.