في صباح يوم الثلاثاء الموافق 5 أكتوبر 9991 انفردت »الأخبار« في صدر صفحتها بخبر بارز يشير إلي تكليف الدكتور عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال في حكومة الدكتور الجنزوري بتشكيل الحكومة الجديدة. وفي السابعة صباحا تلقيت اتصالا تليفونيا من المستشار طلعت حماد وزير شئون رئاسة الوزراء الذي سألني بصفتي رئيس تحرير الأخبار في ذلك الوقت وباعتباري صاحب هذا الانفراد إيه حكاية هذا الخبر.. كان ردي عليه بأنه خبر صحيح 001٪ وعاد ليسألني من هو مصدرك: قلت له.. مصدر موثوق به ومؤكد. وفي الساعة 11 صباحا كانت مراسم افتتاح دورة مجلس الشعب.. وعلمت ان الدكتور كمال الجنزوري سأل الرئيس حسني مبارك بناء علي الخبر المنشور بالأخبار: هل صحيح ان سيادتك ستقوم بتغيير الحكومة. وجاء رد الرئيس السابق مقتضبا.. بالإيجاب. وتم إعلان الخبر في خطاب افتتاح الدورة.. وبذلك كانت نهاية حكومة الدكتور الجنزوري المشهور »بالكمبيوتر« بعد 3 سنوات و01 شهور في تحمل مسئولية العمل التنفيذي. لاشك أن عملية تغيير حكومة د. الجنزوري كانت غير متوقعة بالإضافة إلي ان تكليف الدكتور عبيد لخلافته كان مفاجأة لكثير من المنغمسين في السياسة. لقد كانت علاقة د. الجنزوري بالدكتور عبيد القريب من الرئاسة متوترة بسبب الخلاف حول سياسة الخصخصة والتي كان يتولاها عبيد بدعم من جمال مبارك. ولقد دخل علي الخط في هذا الخلاف يوسف بطرس غالي القريب ايضا من جمال مبارك والذي لم يكن الدكتور الجنزوري راضيا عن سياسته الاقتصادية.. تكشف ذلك عند التعديل الوزاري الذي كان قد تم إجراؤه في حكومته وأصر علي التخلص من يوسف بطرس غالي الذي كان يشغل منصب وزير الاستثمار.. ونظرا لتمسك الرئاسة بيوسف غالي فقد تم التوصل إلي حل وسط بالابقاء عليه كوزير دولة علي أن يكون مكتبه في مبني المعلومات واتخاذ القرار دون أي اختصاصات. هذا الموقف أدي إلي حالة اكتئاب ومرارة لدي د. غالي أخذت شكل العداوة والتربص. أما الطرف الثالث في مثلث الخلاف والتربص بالدكتور الجنزوري فقد تمثل في الدكتور محمد إبراهيم سليمان وزير الاسكان حيث لم يكن يشعر بارتياح ناحية تصرفاته وللحرية التي منحت له من جانب رئاسة الجمهورية في توزيع أراضي الدولة وكذلك وحدات مصيف مارينا. لقد استخدم هذه المساندة لدعم مكانته لدي جماعة المسئولين المؤثرين أصحاب القرار والقريبين جدا من الرئيس المعزول. تصاعد هذا الخلاف إلي درجة تبادل الاتهامات وتركزت حول ذمة الدكتور إبراهيم سليمان بينما زعم سليمان بأن زوجي ابنتي الدكتور الجنزوري يمارسا استغلال النفوذ ولم تفلح محاولات التخلص منه. رغم ذلك سجل الدكتور الجنزوري انتصارا علي إبراهيم سليمان عندما حصل علي ضوء أخضر من الرئيس السابق مبارك بأخذ المليارات التي تم جمعها من بيع أراضي الدولة في المدن الجديدة لضمها إلي موازنة الدولة وتخصيص جانب منها لتمويل مشروع توشكي . أدت هذه الخطوة إلي أن يثور جنون سليمان ويزداد حنقه وحقده علي الجنزوري وهو الأمر الذي جعله يزيد من تهجماته وتشهيراته التي كان ضليعا فيها. من ناحية أخري فقد كان من أسباب عزل حكومة الدكتور الجنزوري ما كان ينقله أولاد الحرام وهذا الثالوث الوزاري وأتباعهم إلي الرئيس حسني مبارك من شائعات وأقاويل تدور كلها حول طموحات الدكتور الجنزوري. زعمت احدي هذه الشائعات ان الدكتور الجنزوري يتطلع الي منصب نائب رئيس الجمهورية وأنه يجري اعداد مقر قناة السويس في جاردن سيتي لاقامته.. وعلي فكرة يبدو ان هذا المبني أصبح شؤما علي من يرتبط اسمه به.. حيث قيل ايضا ان العالم المصري أحمد زويل كان قد طلب في وقت ما ان يكون مقرا لجامعة التكنولوجيا الذي كان قد كلف بإنشائها ورفض طلبه.. ويبدو ان قابلية الرئاسة للتجاوب مع هذه الشائعات والادعاءات كانت سببا في قرار تنحية الدكتور الجنزوري.. وهكذا شاءت الأقدار ان يعود إلي الاضواء بعد سقوط نظام مبارك وتقديم الثالوث عبيد وغالي وإبراهيم سليمان إلي المحاكمة بتهمة الفساد دواليك عن جمال مبارك مظلتهم في النفوذ والرعاية.. وسبحان الله مغير الأحوال.