ثالوث الصمت: د. كمال الجنزورى.. المشير أبوغزالة.. اللواء أحمد رشدى، هم الأشهر فى تاريخ الحياة السياسية المصرية خلال عهد الرئيس مبارك.. رحل الثانى، واستطاعت المذيعة القديرة رولا خرسا إخراج الثالث من صمته فى عدة حلقات ببرنامجها على قناة «الحياة 2»، فيما ظل الأول صامتاً لمدة عشر سنوات منذ أن غادر مقر مجلس الوزراء بعد أن قضى فى دهاليز الحكم 33 عاماً، بدأها محافظاً لبنى سويف فى عهد الرئيس السادات، ثم اختاره مبارك عام 1982 وزيراً للتخطيط، ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء عام 86، فرئيساً للحكومة عام 1996، حظى خلالها بشعبية لم ينلها أى رئيس وزراء آخر فى عهد الرئيس مبارك. قد يكون سؤال لماذا خرج؟ هو الرابط الأساسى بين الثالوث: الجنزورى وأبوغزالة ورشدى، بالإضافة إلى اكتساب الثلاثة شعبية كبيرة من المصريين أدت إلى ظهور حكايات وروايات عديدة حول أسباب خروجهم، لكن يظل الجنزورى هو اللغز الأكبر، خاصة أنه الوحيد الذى حظى بدعم الرئيس مبارك خلال 17 عاماً، يترقى من منصب لآخر، كما أن مبارك منحه سلطات واسعة طوال فترة رئاسة الجنزورى للحكومة.. واستطاع الأخير التفاعل مع قضايا الجماهير برؤية ومصداقية، لدرجة أن اجتماع الحكومة يوم الأربعاء أسبوعياً أصبح على أجندة المواطن البسيط، حيث تصدر منه قرارات تحقق مصالحه بشكل مباشر، ولكن فجأة أراد البعض أن يحول الجنزورى من حلم جميل إلى «كابوس»، كما كتب فى مقال نشر بجريدة «أخبار اليوم» فى 27 نوفمبر عام 1999 ضمن الحملة التى قادها الكاتب المخضرم إبراهيم سعدة حول «مدى جواز نقد المسؤول بعد خروجه من منصبه».. لقد طالت الجنزورى شائعات كثيرة، بداية من مسؤوليته عن خراب الاقتصاد المصرى والتكويش على السلطة فى مؤسسات الدولة، وانهيار مشروع توشكى، بالإضافة إلى نفوذ وزيره طلعت حماد، وصولاً إلى التلاسن حول وجود دور لأزواج بناته. فى المقابل، حُرم الجنزورى من تولى أى منصب بعد خروجه من الوزارة، حتى إنه لم يحصل على عضوية مجلس الشورى بخلاف كل رؤساء الوزارات السابقين.. كما اختفى لسنوات عن المناسبات العامة، لكنه عاد مرة أخرى للمشاركة لكنه ظل صامتاً.. لا يتحدث.. ولا يتكلم.. ولا يرد، حتى عندما اتهمه د. بطرس غالى فى كتابه «بدر البدور» بأنه «رجل معقد وميال إلى الإمساك بكل نشاطات البلد وأنه كان يكره ابن شقيقه د. يوسف بطرس غالى، وزير المالية».. لم يعلق الجنزورى. المؤكد أن خروج الجنزورى من الحكومة لم يكن متوقعاً، فقد شهدته قبلها بأيام، فى الاستفتاء على ولاية جديدة للرئيس مبارك عام 1999 بمدرسة على عبداللطيف بجاردن سيتى أثناء إدلائه بصوته، لا تظهر عليه علامات لأزمات وإن كان وجهه مهموماً فيما يبدو من كثرة الملفات والقضايا على مكتبه. لا أحد ينكر أن رئيس الوزراء الأسبق كان يمارس دوره بجد، بل إنه سعى لأدوار أخرى، وكانت عبارته الشهيرة «أنا رئيس وزراء مصر» يستخدمها فى مناسبات عديدة.. ومعظم المصريين انبهروا بأدائه، سواء فى مجلس الشعب أو أمام الرئيس، عند عرضه للأرقام دون قراءة أوراق أمامه ودخوله فى معظم الملفات بما فيها كرة القدم.. لكن لا أحد يعرف حتى الآن كيف كانت علاقته مع د. يوسف والى ود. عاطف عبيد وكمال الشاذلى وصفوت الشريف.. وهل صحيح أنه قال لأحد النواب المعارضين، أثناء جلوسه معه: «لقد أنجزت فى مصر ما لم يتحقق منذ عهد محمد على؟!».