ليس هناك أصعب من حرمان الأطفال من فرحة العيد، وحين يكون الطفل مريضاً وقابعاً وراء جدران المستشفى يصعب عليه التمتع مثل أقرانه بفرحة العيد ولأجل التخفيف عن هؤلاء الأطفال الذين يعيشون ظروفاً استثنائية.. قامت إدارة مستشفى أبوالريش اليابانى بتقديم العون للقائمين على مبادرة ''لبس جديد لكل طفل'' حتى يصبح فى مقدور كل طفل مريض فى المستشفى الاحتفال بعيد الفطر المبارك وتلقي هدية العيد، مثل كل الأطفال الأصحاء الذين يقضون العيد في بيوتهم مع عائلاتهم، حتى لا يشعروا بالوحدة والاختلاف عن نظرائهم. المبادرة التي حملت شعار «لبس العيد لكل طفل» لاقت استحسان واهتمام شريحة كبيرة من بعض الناس السباقين لأعمال الخير، حيث تم التوجه إلى مستشفى أبوالريش فى الصباح الباكر والمشاركة فى توزيع ملابس العيد على ما يقرب من 150 إلى 200 من الأطفال المتواجدين بها. كان لنا لقاء مع عدد كبير من الأطفال.. كانت الأمهات تحمل أطفالها الذين جاءوا لاختيار ملابس العيد التى تناسبهم بأنفسهم والبعض منهم عجز عن الحركة فذهب إليهم المتطوعون لتقديم ملابس العيد إليهم.. واللافت للنظر أن كثيراً من المشاركين قاموا باحضار أطفالهم للمساعدة فى هذا العمل التطوعى لتعليمهم أهمية المشاركة والإحساس بمعاناة الآخرين. التقينا بالطفلة أمانى 5 سنوات التى تعانى من أنيميا البحر المتوسط والتهاب مزمن فى القولون كانت فرحتها شديدة عندما رأت ملابس العيد الجديدة. وشعرت بسعادة غامرة عندما وجدت أيضاً حذاء جديداً ونسيت فى لحظات ما تشعر به من ألم بسبب مرضها. أما كريم 3 سنوات- ولديه خراج فى الكبد وتم حجزه فى المستشفى وقد جاء من الفيوم مع والدته ابتسم لنا ابتسامة صغيرة عندما رأى ملابس جديدة بجواره على سريره الذى يرقد عليه وحاول أن يلمسها بيده وكأنه يريد التأكد أنها أصبحت ملكه. أما «ملك» 5 سنوات فلديها ورم على الكبد استقبلتنا بابتسامة أضاءت وجهها كله عندما وقعت عيناها على فستان جديد وحذاء لامع وأحست أنها ستبدو كالأميرة عندما ترتديه. أما ريتاج وتبلغ من العمر سنتان- فلديها مشكلة فى البلع وتحملها والدتها التى اختارت لها فستاناً ألوانه زاهية حتى تفرح به فى العيد وبأصابعها الصغيرة أمسكت ريتاج بالفستان بشدة ولا تريد أن تتركه خوفاً من أن يحاول أحد أن يأخذه منها. أكدت الدكتورة رانيا حجازى مديرة المستشفى: في إطار هدف موحد هو فك العزلة عن أطفال المستشفى ومساعدتهم على تخطي الإحساس بالمرض وبأنهم مختلفون عن باقي الأطفال الذين لا يفوتون الاحتفال بالعيد.. تؤكد أيضاً رئيسة الدار أنها على يقين بأن الحالة النفسية تلعب دورها بشكل كبير في تماثل الأطفال المرضى للعلاج، ولا شك أن المشاركة المجتمعية فى إسعاد الأطفال المرضى تعود بالفائدة على الجميع فهى تجربة أكثر من رائعة. أكد محمد القوصى صاحب تلك المبادرة أنها نجحت فى حشد عدد كبير من الأصدقاء والمعارف الذين جاءوا لمساعدتى فى توزيع الملابس على الأطفال المرضى بأبوالريش.. واستطعت شراء الملابس بمساعدتهم وبأسعار مناسبة من مصانع الملابس...وأهم حاجة هو أننا تمكنا من إدخال الفرحة على هؤلاء الأطفال الذين ستضطرهم الظروف إلى قضاء العيد بين جدران المستشفى. ويقول محمد جمال مهندس وأحد المشاركين فى توزيع ملابس العيد على الأطفال المرضى: أشعر بالسعادة لأننى ساهمت فى إدخال الفرحة على قلوب الأطفال المرضى، فالطفل يمكن أن ينام بلا طعام ولكن احتضانه لملابسه الجديدة صبيحة عيد الفطر يعوضه عن الإحساس بالجوع. وأكد شريف دويدار ضابط شرطة أصر على اصطحاب ابنه الصغير للمشاركة فى هذا العمل.. لابد أن يكون لنا دور فى مساعدة المرضى وإسعادهم سواء كانت المشاركة بوجودنا معهم فقط أو بتقديم أى نوع من المساعدات البسيطة التى من شأنها التخفيف من معاناتهم واصطحاب أطفالنا معنا من شأنه أن يزرع فيهم القيم الإيجابية والإحساس بالآخرين. وربما كان أكثر شىء مفرح للأطفال فى هذا اليوم هو أن معظمهم كانت لديهم الفرصة فى اختيار ما يريدونه من ملابس، أما الأطفال الذين اضطرتهم ظروف مرضهم إلى البقاء فوق السرير الأبيض.. فقد تم توصيل ملابس العيد إليهم من أجل زرع الابتسامة على وجوههم...وكانت «دينا» من ضمن هؤلاء الأطفال وهى تبلغ 4 سنوات، كانت تشعر بالحزن لأنها ستقضى العيد فى المستشفى دون أن تذهب إلى الحدائق لتلهو مثل بقية الأطفال مرتدية الملابس الجديدة.. لكن جزءاً من حلمها قد تحقق فقد جاءتها الملابس الجديدة وقام بعض أصحاب القلوب الرحيمة بزيارتها فى المستشفى للتخفيف عنها.. فبدأت بالفعل «دينا» تشعر بالتحسن وتبتسم من جديد. أما «محمد» ويبلغ من العمر 8 أشهر، يعانى من سيولة فى الدم تسببت له فى نزيف بالمخ.. يرقد فى سريره لا يكاد يشعر بنا، يتألم فى صمت وفى لحظات أخرى تنطلق منه آهات متقطعة تتقطع معها القلوب.. ملابس العيد ترقد بجواره فى انتظار أن يسترد صحته حتى يتمكن من أن يرتديها. وفى سرير آخر بجانبه كان يرقد طفل آخر يدعى «محمد» ويبلغ من العمر سنتين ويعانى من ضمور فى المخ.. تجلس والدته بجواره وهى تنظر إليه نظرات كلها حزن وأسى.. لكنها صممت على أن تختار له بنفسها ملابس زاهية حتى يرتديها فى العيد ويبدو وسيماً مثل بقية الأطفال وهى تتمنى أن يشعر ولو بقليل من السعادة فى يوم العيد. باختصار فى لحظات قليلة دخلت السعادة والأمل فى قلوب أطفال أبوالريش الذين شعروا بفرحة العيد ولم تعد جدران المستشفى التى تحيط بهم تمنعهم من الإحساس بطفولتهم بل بالعكس ساعدتهم على ذلك. فالمستشفى كما أكدت لنا الدكتورة هناء راضى، نائب مدير المستشفى يرحب بأى دعوة إيجابية كهذه من أجل التخفيف عن الأطفال المرضى وليس بالضرورة أن تكون فقط المساعدات من الأدوية أو المبالغ النقدية بل يمكن أن تكون فى صورة ملابس أو لعب وقد كانت تلك التجربة رائعة ونتمنى تكرارها.. ومشاركة الناس فى هذا اليوم معنا بصحبة أطفالهم يساعد على تنشئة أبنائنا على أهمية الإحساس بالآخرين بأحزانهم، بأمراضهم وبأفراحهم.. فإننا ننمى بذلك روح الألفة.. هذه اللمسة الاجتماعية الرائعة نتمنى أن تستمر طوال العام، وألا تنقطع، وهذا جزء من دورنا تجاه فئة غالية على قلوبنا. وفى نهاية رحلتنا فى المستشفى شعرنا أنه كان من أفضل الأعمال التطوعية، خاصة أنه بمبادرة شخصية ومما لا شك فيه أن من يعش هذا الموقف سيتعرف على روعة أثره من خلال تقاسيم وجه المريض وملامحه وبهجته بهذه المبادرة.. مشاعر فرح فياضة تملأ المكان أثناء السلام والمعايدة، من كبار وصغار، شعور مختلف تماماً، تقرأ عبارات الارتياح وعلامات السعادة... العيد وكل مناسبة هو فرصة لنعزز هذه القيم، فكم من مريض ومريضة.. يحتاجون للمسة حانية من أقربائهم، من أصدقائهم ومعارفهم، ومنا كمجتمع..!