موجة غلاء تطحن المصريين بداية العام المالى الجديد كريمة الحفناوى: العلاوات وحدها لا تكفى لمكافحة الغلاء د. عبدالمطلب: غياب الرقابة يخدم كبار التجار والمحتكرين لا حديث الآن للمصريين إلا عن شهر «الجحيم» ويقصدون به شهر يوليو القادم، المتوقع فيه زيادة أسعار الوقود والمحروقات، إضافة إلى رفع أسعار العديد من السلع والخدمات وفى مقدمتها المياه والكهرباء، وأنباء تتردد عن زيادة أسعار الغاز. الخطير -وكما يقول المصريون- أن الحكومة تعلم جيداً ما يعانيه الناس من فقر وكرب وضنك، ومع ذلك تصر على إفراغ جيوبهم حتى آخر جنيه. الناس يتساءلون: لماذا هذه الموجة الجديدة من الزيادة؟.. أو كما قالوا ل«الوفد»: «هى ناقصة؟!.. كفاية.. كفاية.. والله حرام» و«مش عايزين علاوات ولا نيلة.. بس ثبتوا الأسعار». تؤكد لغة الأرقام أن معدل التضخم ارتفع خلال شهر أبريل الماضى بنحو 1٫8٪ ليسجل 32٫9٪.. وأوضح الجهاز المركزى للإحصاء أن أسعار الطعام والشراب ارتفعت بنحو 3٫1٪، وقفز معدل التضخم من يناير إلى أبريل 2017 نحو 31٫7، كما ارتفع معدل التضخم فى الحضر فى شهر أبريل ليسجل 1٫7 مقارنة بشهر مارس، بينما ارتفع فى الريف بنحو 1٫8٪. تلك القفزات المتتالية فى معدلات التضخم التى لم يسبق لها مثيل، جاءت بعد تعويم الجنيه، ورفع الحكومة لأسعار الوقود فى نوفمبر الماضى. ورغم كل ذلك، تزيد الحكومة «الطين بلة» بموجة أسعار جديدة تقصم ظهر المصريين، وكأنها لم تكتف بالموجات السابقة التى كان سببها تحرير سعر الصرف وتطبيق القيمة المضافة. الناس الآن فى حيرة من أمرهم.. هل يخرجون ويتظاهرون وتضيع البلد مرة أخرى كما ضاعت عندما استغل أعداء الوطن المظاهرات لتحقيق أغراضهم السياسية؟.. أم ينتظرون ويتحملون حتى يأتى الفرج.. وتقوم أجهزة الدولة بدورها الرقابى فى ضبط الأسواق وردع الجشعين والمحتكرين؟. وبعيداً عن الانتظار، كل المؤشرات والتقديرات والتوقعات تؤكد أن الأسواق ستشهد موجة جديدة من الغلاء، لتقضى على كل ما تبقى فى جيوب المواطنين، فقد أعلنت الحكومة عن نيتها فى تطبيق المرحلة الثانية من قانون ضريبة القيمة المضافة، والذى سيترتب عليه زيادة أسعار العديد من السلع، حيث سيتم رفع مقدار الضريبة لتصبح 14٪، ومن المؤكد أن التجار سوف يتخذون من ذلك ذريعة لرفع الأسعار على مزاجهم، هذا فضلاً عن الزيادة المرتقبة فى أسعار الوقود والمحروقات بداية شهر يوليو، تنفيذاً لسياسات رفع الدعم تدريجياً عن المواد البترولية، والذى يقدر بنحو «35 مليار جنيه» لسد عجز الموازنة العامة للدولة، التى تفاقمت بعد ثورة يناير. وتؤرق الزيادة المرتقبة للكهرباء ملايين المصريين، خاصة أن أسعار الكهرباء للمنازل ارتفعت أكثر من مرة خلال الآونة الأخيرة، واستنزفت جيوب المصريين، ويبدو أن الحكومة ماضية فى تنفيذ خطتها الرامية لخفض الدعم المخصص للكهرباء، عن طريق زيادة أسعار الكهرباء، تمهيداً لرفع الدعم نهائياً عنها فى 2019، وذلك طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر عام 2014 الماضى، والذى ينص على تطبيق زيادة سنوية على أسعار الكيلو وات لجميع المستهلكين، ولكافة الأنشطة التجارية والصناعية، على أن يتم التطبيق سنوياً فى بداية شهر يوليو من كل عام. ولم تكن أسعار الكهرباء وحدها هى التى سترتفع فى بداية شهر يوليو، بل إن هناك زيادة جديدة فى أسعار شرائح المياه أيضاً، فقد تقدم الجهاز القومى لتنظيم مياه الشرب والصرف الصحى مؤخراً بطلب إلى مجلس الوزراء لتنفيذ الزيادة السنوية المقررة على تعريفة مياه الشرب والصرف الصحى، وطالب الجهاز برفع الأسعار بنسب تتراوح ما بين 5 و10٪ للشرائح الأقل استهلاكاً، وبنسبة تصل إلى 40٪ للشرائح الأعلى استهلاكاً، والأنشطة التجارية والصناعية، وذلك ضمن الخطة التى أقرها مجلس الوزراء لرفع أسعار المياه لتغطية تكاليف إنتاجها، حيث تبلغ تكلفة إنتاج متر المياه لنحو 260 قرشاً بعد أن كانت 160 قرشاً، طبقاً لتصريحات المسئولين بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى، ومن المنتظر أن تحقق الزيادة القادمة لأسعار المياه عائداً يصل لنحو 3 مليارات جنيه سيتم تحصيلها من دم الفقراء وأصحاب الطبقة المتوسطة. والكارثة أن الحكومة لم تتخذ الإجراءات التى تكفل حماية الفقراء ومحدودى الدخل وتكتفى بتصريحات إعلامية لا تغنى ولا تسمن من جوع، وكل ما حاولت فعله هو محاولة منح المواطنين مسكنات مؤقتة لتهدئتهم بعد أن وصلوا لحالة الغليان، ومن هذه المسكنات صرف علاوة غلاء المعيشة والتى تقدر ب7٪ على أن يتم الصرف اعتباراً من أول يوليو، تلك العلاوة التى ستقابلها زيادة جديدة فى أسعار السلع، فبمجرد الإعلان عن صرف أية علاوات، تشتعل الأسواق من جديد وتزداد الممارسات الاحتكارية وجشع التجار، ليظل المواطن وحده يتحمل نتائج فشل الحكومة فى تدبير الموارد، وليتحول شهر يوليو إلى شهر الجحيم أو يوليو الأسود، كما أطلق عليه البعض. الخبراء أكدوا أن هناك ضرورة لإعادة النظر فى تلك السياسات التى باتت تشكل عبئاً جسيماً على المواطن المصرى، حتى لا يتحمل وحده سداد عجز الموازنة. فعند النظر إلى السياسات المالية التى تحكم الموازنة العامة للدولة، نجد أن الفقراء هم الأكثر معاناة، وتركز الموازنة على ضرورة خفض العجز فى الإنفاق، دون اتخاذ إجراءات تكفل لهم الرعاية الاجتماعية اللازمة، علماً بأن التقارير الرسمية أكدت أن هناك ما يقرب من 57٪ من الأسر المصرية لا يكفى دخلها احتياجاتهم الأساسية، وأن هناك نحو 58٪ يرشدون استهلاكهم، وهذا يدل على زيادة أعباء الأسر المصرية فى الآونة الأخيرة. الدكتورة كريمة الحفناوى، أمين عام الحزب الاشتراكى المصرى، أكدت أن ما سيتم فرضه من زيادات جديدة فى أسعار السلع والخدمات خلال شهر يوليو، سيكون ضمن سياسات الحكومة التى لم تختلف كثيراً عن سياسات النظام السابق فى تحليل الأزمة الاقتصادية، فما زالت الحكومة منحازة لكبار رجال الأعمال، على حساب الفقراء، رغم كون الدستور ينص على ضرورة أن تكفل الحكومة حياة كريمة للمواطن. وتضيف «الحفناوى»: ما سيتم منحه للعاملين من علاوات لن يكفى فى ظل غلاء الأسعار، لأن الغلاء فاق أى زيادات، حتى أصبح دخل المواطن يتآكل أمام موجات الغلاء، كما انخفضت القدرة الشرائية أيضاً، وكل هذا يؤدى لمزيد من المعاناة، وإفقار الشعب، مؤكدة أن عدداً كبيراً من أبناء الطبقة الوسطى انضموا إلى الفقراء، فيما تحول الفقراء إلى معدمين. وتستكمل حديثها قائلة: ما يتبع من سياسات الآن يدل على سوء استخدام للموارد، وتوزيع الثروات، فنحن نعانى من خلل فى هيكل الأجور، كما أن الحد الأقصى لم يطبق حتى الآن، ومن المفترض أن يتم تطبيق الضرائب التصاعدية، كما هو موجود فى جميع دول العالم، كما أن العدالة الاجتماعية التى طالب بها الشعب المصرى غير موجودة. وتحذر «الحفناوى» من ارتفاع أسعار المواد البترولية، مؤكدة أنه سيشعل الأسواق لما ينتج عنه من ارتفاع فى تكاليف النقل ويفتح المجال أمام التجار لرفع أسعار السلع مرة أخرى، كما أن تطبيق القيمة المضافة، حملت الشعب ضرائب غير مباشرة، واستغلها التجار لصالحهم، ومع الأسف كل هذا سيؤدى فى النهاية إلى الجوع ومزيد من الفقر، وتدهور المعيشة، وفى الوقت نفسه نجد أن الدولة ليس لديها القدرة على ضبط الأسعار، والقضاء على جشع التجار، مما يؤدى لمزيد من الفوضى والانفلات فى الأسواق. وتطالب «الحفناوى» الحكومة بضرورة ضبط الأسواق والأسعار حتى لا تزيد الأمور سوءاً وسرعة إصدار قانون لمحاربة الاحتكار. ويشاركها الرأى الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، أستاذ الاقتصاد والإدارة بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، قائلاً: إن الحكومة بكل ما لديها من أدوات لم تضع آليات لحماية المستهلك من الممارسات الاحتكارية، فموجات الغلاء المتواصلة لا يدفع ثمنها سوى المواطن، خاصة الفقراء ومحدودى الدخل الذين يعانون من ثبات الأجور، وتدنى مستوى المعيشة فى ظل ارتفاع الأسعار. ويقول: يجب أن نعترف جميعاً أن المواطنين لم يعودوا قادرين على تحمل الارتفاعات المتتالية فى أسعار السلع والخدمات، فهناك مؤشر لمقدار تحمل المواطن لأنه فى حالة عدم السيطرة على الأسعار سوف تفلت زمام الأمور ويزداد غضب الشعب الذى طال انتظاره لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولا شك أن هذا الأمر أدى لمزيد من الاحتقان لدى الكثيرين، وأثبت فشل الحكومة فى إدارة الأزمات، فالدخل المتوسط للفرد لم يعد يتلاءم مع حجم إنفاقه، ونجد أن كل ما سعت الحكومة لاتخاذه هو الرفع التدريجى للدعم، الذى بدأ بالمنتجات البترولية والكهرباء، مما شجع التجار على رفع الأسعار بلا مبرر، فمع كل خطوة لإلغاء الدعم يقابلها موجات جديدة من الغلاء. ويرى «عبدالمطلب» أن هناك ضرورة لتوصيل الدعم لمستحقيه مع حصر دقيق لخريطة الفقراء فى مصر وتحسين الخدمات، لأن رفع الدعم هو بمثابة فرض ضرائب غير مباشرة وتحصيل إيرادات من المواطنين دون وجود خدمات ترفع من مستوى معيشتهم.. ويطالب الحكومة بالاستفادة من تجارب الدول الأوروبية فى هذا الشأن، لافتاً إلى أن الحكومة الحالية تفتقد إلى الكفاءة فى إدارة السياسات الاقتصادية. وترى الكاتبة فريدة النقاش، أن هناك سقفاً وحدوداً لتحمل المواطن، فما يحدث من موجات غلاء أصبح فوق طاقة الجميع، وقد استشعرت الحكومة خطورة ما سيحدث فى شهر يوليو من غلاء فى أسعار الخدمات والسلع، وبدأت فى التفكير بجدية لتأجيل رفع أسعار الوقود، لأنها تدرك أن هناك ضغوطاً تمارس على الفقراء والطبقة الوسطى، أما إذا استمرت فإنها بذلك ستكون حكومة بعيدة النظر، فكثرة الضغوط تولد الانفجار.