أثنى القرآنُ الكريم علي-هاجر-، زوجة إبراهيم خليل الله - عليه السلام – وأم نبي الله إسماعيل - عليه السلام-، بعدما تركت مثالا رائعًا للزوجة المطيعة، والأم الحنون، والمؤمنة القوية، فقد أخلصت النية للَّه تعالى، فرعاها في وحشتها، وأمَّنها في غيبة زوجها، ورزقها وطفلها من حيث لا تحتسب، بعد مأوحى الله إلى إبراهيم ما أوحى، فأخذ هاجرَ وابنَها إسماعيل من فلسطين إلى الحجازِ في الوادي غير ذي الزرع، إلى حيث مكة الآن، كما أمره الله. بأمِّ العَرَب هاجر، هي أم إسماعيل، وزوجة إبراهيم خليل الله - رضي الله عنها -، وعرفت بأمِّ العَرَب، وهبها ملكُ مصر إلى السيدة سارة -زوج إبراهيم الأولى-، عندما هاجرا إلى مصر، ولما أدركت سارة أنها كبرت في السن، ولم تنجب، وهبت هاجر لزوجها ليتزوجها، عسى الله أن يرزقه منها الولد. وتزوج إبراهيم -عليه السلام- السيدة هاجر، وبدت عليها علامات الحمل، ثم وضعت إسماعيل -عليه السلام- ووجدت الغيرة طريقها إلى قلب السيدة سارة، فكأنها أحست أنها فقدت المكانة التي كانت لها في قلب زوجها من قبل، فطلبت منه أن يأخذ "هاجر" بعيدًا عنها، فأخذها سيدنا إبراهيم -عليه السلام- إلى صحراء مكة، بأمرٍ من الله، ولحكمة يريدها عز وجل، وحدث ما حدث لها ولوليدها. صحراء مكة ووسط صحراء مكة القاحلة حيث لا زرع ولا ماء ولا أنيس ولا رفيق تركها زوجها إبراهيم خليل الله - عليه السلام – هي وطفل الرضيع ثم مضى في طريق عودته، وترك لهم تمرًا وماءً، فنادته زوجته وهى تقول يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فلم يلتفت إليها الزوج. وكأنه "هاجر"، على يقين من وعد الله الذي لا يتخلف ولا يخيب، فقالت الزوجة وكأنها أدركت أن أمرًا ما يمنع زوجها من الرد عليها-: الله أمرك بهذا؟ فيرد الزوج: نعم. فتقول الزوجة التي آمنت بربها وعرفت معنى اليقين بصِدْقِ وَعْدِ الله، وفهمت كيف تكون معينة لزوجها على طاعة ربها، تقول في غير تردد ولا قلق: إذن لا يضيعنا. وانصرف إبراهيم -عليه السلام- وهو يدعو ربه ويقول: "رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ". بئر زمزم نفذ التمر والماء من بين يدي هاجر واشتدت حرارة القيظ فعطشت هي وابنها، وراح يتلوى من الجوع والعطش فلم تعد هاجر تطيق رؤية طفلها على هذه الحال، فراحت تنظر إليه وعيناها ولا تدري ماذا تفعل، أتترك ولدها يموت جوعاً وعطشاً لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا المصير، فلا بد أنها ستجد الماء، فالله لن يضيعها هي وطفلها. وقامت هاجر بالوادي في "موضع السعي أيام الحج"، انطلقت هاجر تبحث عن الماء في كل اتجاه، وكان الصفا أقرب جبل إليها، فصعدت عليه وراحت تنظر يمنه ويسرة وفي كل ناحية فلاح لها على المروه سراب ظنته ماءً، نزلت عن الصفا وراحت تسعى مهرولة في الوادي باتجاه المروه، وفي ظنها أنها ستجد الماء. ولكن كانت خيبتها حينما لم تجده شيئاً، فوقفت منهكة تنظر وتتفحص فلاح لها سراب في الجهة الأخرى على الصفا وكأنه الماء فعادت مهرولة إلى الصفا ولكنها لم تجد هنالك شيئاً. وهكذا في كل مرة، حتى فعلت ذلك سبع مرات وطفلها لم يفارق مخيلتها، ولم تكن تطيق أن يغيب عن ناظريها، فلما كانت في المرة السابعة، وقد اشتد بها العطش، وأخذ منها التعب، وأنهكها المسير، دون أن تعثر على الماء، ونظرت إلى طفلها فإذا الماء ينبع من تحت قدميه، فأتته مسرعة وراحت تجمع حوله الرمل وهي تقول زُمّي زُمّي ثم أخذت تشرب من الماء حتى ارتوت وانحنت على إسماعيل لتسقيه. وقد جعل الله - سبحانه - ما فعلته السيدة هاجر - رضي الله عنها- من الصعود والسعي بين الصفا والمروة من أعمال الحج، و توفيت ، ودفنها إسماعيل -عليه السلام- بجانب بيت الله الحرام، و يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ - أَوْ قَالَ لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ - لَكَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا " البخاري برقم - 2368-.