كنت أتمني أن أكتب عن ساعات الذكري الأولي لثورة 25 يناير.. كنت أتمني أن أكتب عن عظمة المصريين في يوم الذكري وعن الصفعة التي تلقاها الذين خانوا الوطن وروجوا لثلاثية الشر.. إسقاط الجيش وإسقاط الدولة، وإجهاض الانتخابات.. ولكن حال موعد تسليم المقال بيني وبين ذلك. وكان لزاماً أن أنتقل من ساحة الذين خانوا الوطن الي ساحة المرجفين الذين حاولوا النيل من عرس البرلمان. اختلفت مع الكثيرين عقب الثورة.. كنت علي يقين بأننا سنجتاز المحنة وأن هناك أياماً تاريخية قادمة ولن يتوقف التاريخ عند 25 يناير وحدث ما توقعت.. عشنا يوم الاستفتاء الذي بعث فينا الروح، وشهدنا عرساً ديمقراطياً كان الوصول اليه بعيد المنال.. خرج المصريون بكافة أطيافهم وانتخبوا برلماناً يعبر عن ارادتهم وودعوا سنوات طويلة من التزوير والبلطجة والطغيان. والإثنين الماضي كنا علي موعد مع يوم تاريخي جديد.. مع عرس برلماني ومشهد لم يتوقعه أحد ولو بعد مائة عام. شاهدنا نواب الايدي المتوضئة وهم يجلسون علي مقاعد نواب سميحة والكيف والقروض والقمار.. فوجئنا بنواب يتوجهون الي البرلمان بالاتوبيس وليس بالهامر والشيروكي.. شاهدنا نواباً يدخلون مقر المجلس علي الأعناق وليس علي جثث الناخبين. عايشنا لأول مرة الديمقراطية داخل المجلس وشاهدنا جلسة افتتاحية كان فيها النائب الوفدي الدكتور محمود السقا الذي رأس الجلسة نجماً متألقاً أثري المناقشات كثيراً ووصل بالجلسة إلي بر الامان.. تابعنا انتخاب الرئيس والوكيلين بشفافية وتبادل المتنافسون التهنئة بعد اعلان النتيجة. خدعونا فقالوا إن فتحي سرور شخصية فذة لن تتكرر وليس له بديل ولذلك أجلسوه علي كرسي رئاسة المجلس أكثر من 20 عاماً.. ولكن خاب ظنهم وانكشفت خدعتهم وتفوق الدكتور محمد سعد الكتاتني علي نفسه وألقي بياناً لفت انتباه الجميع واكتمل المشهد بانتخاب الوكيلين وكانت الثقة الكبيرة التي منحها النواب لأخي وصديقي النائب محمد عبدالعليم وساماً علي صدورنا جميعاً. وتذكرت وأنا أشاهد البرلمان في هيئته الجديدة نواباً استمرأوا التزوير والبلطجة وعاثوا في الارض فساداً ولكن لفت انتباهي أكثر الدكتورة آمال عثمان التي أجرمت في حق نفسها وفي حق أبناء دائرة الدقي حيث مارست التزوير حتي النخاع واختفت اختفاء مريباً.. لم يتذكرها أحد ولم يطالب أحد بمحاكمتها عن الجرائم التي ارتكبتها في حق الوطن.. انني أطالب بفتح ملفات هذه السيدة التي ساهمت في إفساد الحياة السياسية وسمحت بإغلاق لجان الدقي وتزوير الانتخابات ضد حازم صلاح أبو اسماعيل وذلك في الساعات الاولي من فتح باب التصويت. كانت صدمة المرجفين كبيرة وسقط في أيديهم خاصة في أعقاب الجلسة الاولي التي كانت جلسة تاريخية.. تحمل فيها النواب مسئولياتهم أمام شهداء الثورة وبكي الدكتور أكرم الشاعر وأبكانا جميعاً. وفقد المرجفون صوابهم وراحوا يرددون عبارات الهذيان محاولين النيل من هذا العرس البرلماني.. فقال نفر منهم إن الاخوان هم الحزب الوطني الجديد: ولهؤلاء أقول: ان وجود قوة مثل الاخوان تستعد البرلمان تستحوذ علي ما يقرب من نصف مقاعد وتليها قوتان النور والوفد هو أمر موجود في كل برلمانات العالم ولا يمثل اختراعاً وأن السخط علي الحزب الوطني لم يكن بسبب استحواذه علي الأغلبية.. ولكن بسبب التزوير والبلطجة التي حققت له هذه الأغلبية. وقال نفر آخر إن اختيار الكتاتني لرئاسة المجلس واعلان اسمه قبل انعقاد جلسة الاجراءات يذكرنا بما كان يفعله الحزب الوطني.. ولهؤلاء الجهال أقول: التوافق الذي حدث بين الكتل الثلاث التي تستحوذ علي الأغلبية الساحقة وهي الحرية والعدالة والنور والوفد وذلك علي منصب الرئيس والوكيلين هو أمر متعارف عليه، ويحدث في كل برلمانات العالم.. واختيار الحزب - أي حزب - في النهاية يقتصر علي الترشيح من خلال هيئته البرلمانية، وبعدها تجري الانتخابات داخل قاعة البرلمان.. ولكن يبدو ان ثقافة هؤلاء المرجفين مازالت متوقفة عند انتخابات اتحادات الطلبة. والغريب ان هناك نفراً من النخبة مازالوا في ضلالهم القديم.. يلطمون الخدود ويشقون الجيوب مع كل نجاح يتحقق.. فقد قرأت تصريحاً لأحدهم الذي يحمل صفة روائي وهو يقول ان نتيجة الانتخابات غير مرضية.. ولم يحدد لنا بسلامته غير مرضية لمن.. فإذا كان الشعب قد خرج بنسبة غير مسبوقة تعدت ال«60٪» وهي نسبة لم تحدث في انتخابات أعرق الدول الديمقراطية، واختار بنزاهة وشفافية نواب البرلمان فعن من يتحدث؟ الأكيد انه يتحدث عن نفسه فقط، وذكرني هذا الرجل بمذيع آخر كان «يلهف» ما يقرب من مليون جنيه شهرياً من التليفزيون المصري واستحل لنفسه أموال الغلابة التي حصل عليها بدون وجه حق، خاصة اذا علمنا أن إمكاناته محدودة ويطارده الفشل في كل قناة يذهب اليها.. فوجئنا بهذا المذيع يصب جام غضبه علي المجلس العسكري والتيارات التي نجحت في الانتخابات ويستضيف شخصيات كريهة لفظها الشعب من أمثال طبيب الأسنان الذي تحول الي روائي عالمي.. كل هذا من أجل تصفية الحسابات.. كل هذا لأن المجلس العسكري أوقف فضيحة الملايين التي كشفها أنس الفقي علي الهواء في مداخلة مع المذيع علي التليفزيون المصري. إن النخبة الفاسدة التي يتصدرها أمثال هذا الروائي وذلك المذيع لم يعد لها وجود في مصر الجديدة الطاهرة، واذا تصورت النخبة الفاسدة التي خانت الشعب واستحلت أمواله انها ستعود الي غيها القديم فإنها واهمة.. فالشعب لن يسمح بعودة الوصاية مرة أخري ولن يبقي إلا ما ينفع الناس.