ما حكاية المصريين مع الثانوية العامة؟.. ولماذا يذوق الأهالى الأمرين مع كل وزير تربية جديد؟.. وما الحكمة فى أن كل وزير يلغى قرارات من سبقه؟.. ولماذا لا تكون هناك سياسات ثابتة لمواصلة العطاء بدلاً من البناء من جديد. المستوى التعليمى فى مصر أصابه الخزى والعار، ليس فقط بسبب ضعف الخريجين ولكن فى سمعة مصر التعليمية فى المحافل الدولية وخروج مصر من العديد من التصنيفات العلمية. السؤال الأهم لماذا لا نعيد النظر فى النظام التعليمى بأكمله؟.. نحتاج إلى «بتر» للنظام التعليمى وإعادة الهيكلة من جديد ووضع أسس وثوابت لبنيان تعليمى متكامل يضيف إليه الوزراء القادمون، والمبدعون يقومون بتطويره، لكن أن تسير حياتنا على طريقة «انسف حمامك القديم»، فهذه الطريقة باتت مرفوضة ولم تعد مجدية، فقد حولت المصريين إلى «فئران تجارب تعليمية» وباتت التجارب التعليمية حكايات وتجارب يتندر بها المصريون. انتهت كل مشاكل الوطن ولم يعد منها إلا مصير الثانوية العامة فى السنوات القادمة، لا حديث الآن إلا عن تطبيق نظام الفصل المقلوب لطلاب الثانوية بدءاً من العام الدراسى سبتمبر القادم، فكرة جديدة أعلن عنها الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، وبدأت الأسرة والطلاب والمدرسين يضربون أخماساً فى أسداس عن طبيعة النظام وهل لكل طالب ومعلم القدرة الاقتصادية والمهنية والاستيعابية على تنفيذها.. وهل ما يطبق فى الخارج يتماشى مع طبيعة الشعب المصرى؟ وبدأت الأسئلة تطرح بشكل متكرر.. ما هو الفصل المقلوب؟.. وكيف سيتم تطبيقه؟.. وما الهدف منه؟.. وهل سيتوافق مع الطلاب؟.. وهل يملك المدرسون القدرة على تنفيذه؟.. وما رأى الخبراء والمعنيين فى هذا النظام؟ ظهرت فكرة الفصل المقلوب لأول مرة فى إنجلترا، خلال تسعينيات القرن الماضى، على يد الباحث «إيريك مازور» فى جامعة هارفارد البريطانية، الذى ابتكر نموذج التعليم بالأقران، إذ وجد أن التعليم بمساعدة الحاسوب «الكمبيوتر» أتاح له التدريب الفعال بدلاً من إلقاء المحاضرات، وتم تطبيق الفكرة فى العديد من الدول التى ربطت التكنولوجيا بمدارسها. نظام الفصل المقلوب، منح الطلاب فرصة الشرح فى الفصل والمناقشة مع المعلمين، ويحدد المدرس لطلابه الموضوعات التى يجب قراءتها وتحصيله عن كل درس فى المنزل قبل شرحه عن طريق بحث الطالب عن المعلومة وجمعها من خلال المناهج الإلكترونية والرقمية المختلفة، على أن يتم بعد ذلك فتح باب المناقشة داخل الفصل بين المعلم والطلاب حول ما تم الاستفادة منه، أو بمعنى أدق يجهز الطالب الدرس قبل شرحه. تطبق فكرة الفصل المقلوب من خلال وسائل التكنولوجيا المتوفرة، وتتمثل آلياتها العملية فى بث الأفكار والدروس عبر شبكة الإنترنت، حتى يصل إليها الطالب خارج الحصة، لترك المجال لممارسة الأنشطة داخل المدرسة، على غرار بنك المعرفة المصرى. أكد الدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم، أن الوزارة ستطبق الفكرة على طلاب الصفين الأول والثانى الثانوى بدءاً من العام الدراسى المقبل، بعد ربط محتوى المناهج الدراسية ببنك المعرفة المصرى، وتزويد المدارس بوسائل التكنولوجيا الحديثة، وتقليل طباعة الكتب للمرحلة الثانوية بنسبة 70٪. الهدف والهدف من هذا النظام هو تحويل الطالب من مجرد متلق للمعلومات، إلى باحث عنها، ومن ثم فإن هذه الفكرة تقضى على الحفظ والتلقين اللذين يعانى منهما التعليم المصرى. المطلوب ويحتاج الفصل المقلوب إلى دمج التكنولوجيا بالتعليم، وإلغاء الكتاب المدرسى، ووجود معلمين لديهم خبرة وتأهيل جيد لاستخدام وسائل التكنولوجيا المتطورة، ورفع كفاءة المدارس، ويزيد من فاعلية هذا البرنامج انخفاض الكثافة الطلابية فى الفصول. دقيقة واحدة ولكن هذا النظام ليس له علاقة بالعلم نهائياً، كما قال حسين إبراهيم، الأمين العام لنقابة المعلمين المستقلة، مؤكداً أن العلم يجب أن يرتبط بالواقع، والواقع فى مصر أن كثافة الفصول لا تقل عن 60 طالباً، لو طبق هذا النظام وأخبرت الطلبة أن يذاكروا الدروس ثم يناقشهم المعلم فى الحصة، فنحن محتاجين 60 دقيقة فى الحصة من أجل أن يناقش المعلم كل طالب، وإذا حدث ذلك فنصيب كل طالب دقيقة واحدة فقط، فهل يعقل أن تكفى دقيقة واحدة استيعاب وفهم الطالب؟ وأضاف «حسين» أن المعلم سيستغرق الدقيقة المحددة للطالب فى استدعائه. ووصف «حسين» تصريحات وزير التعليم الجديدة أنها للاستهلاك المحلى لا أكثر وذلك لانشغال الناس عن الشأن العام. وتساءل «حسين» قائلاً: مر 4 شهور على تولى الدكتور طارق شوقى مسئولية وزارة التعليم، ولم يبد أى إجابة عن تلك التساؤلات.. ما خطته لإصلاح التعليم وما المدة الزمنية المخصصة لتنفيذها؟.. وما رؤيته الاستراتيجية كى تقفز مصر من المركز 139 إلى المركز 138 وإن كنت أتحدى أن يحدث ذلك. وأبدى «حسين» استياءه من نظام «البوكليت» قائلاً: أكد الوزير أن كل أولياء الأمور سعداء بهذا النظام، ثم فوجئنا أن أغلب الطلاب غير مدركين وغير فاهمين للنظام، والأغرب رد الوزير عندما قال «معلش نعدى السنة دى»، وأكمل فى غضب: كيف يتحدث عن ذلك وهو يعلم أنه يتحدث عن مستقبل وطن بأكمله. الخيال ممنوع عندما يتحول الطالب إلى معلم والمعلم إلى منفذ المعلومة فهذا شىء إيجابى ولكنه فكرة خيالية ليس لها أساس من الواقع لسبب واحد أوضحه عبدالناصر إسماعيل رئيس اتحاد المعلمين، قائلاً: «لا مناهج التعليم ولا طرق التدريس ولا التقويم ولا إمكانيات المدرس تسمح بتطبيق هذا النظام». سألته: إذن ما النموذج الأفضل والمثالى فى الثانوية العامة يتماشى مع المجتمع المصرى وطبيعة المصريين؟ أجاب: بالفعل هناك نموذج مثالى وجيد مطبق من قبل وزارة التربية والتعليم، ولكن على ما يسمى النخبة من الطلاب فقط، وهى مدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا، حيث يقوم فيها التدريس بأحدث الطرق وتحت سيطرة الوزارة، وبالتالى الوزارة تدرك جيداً الطرق الجيدة للتعليم، ولكن يظل التمويل المالى حجر عثرة وراء أى تطور، وطالما هناك عجز فى التمويل ستظل الأوضاع كما هى. وأضاف «عبدالناصر»: لا تصدقى من يدعى "إصلاح وتطوير" فى ظل السياسات الموجودة والمتمثلة فى المركزية الشديدة التى تجعل وزير التربية والتعليم متحكماً فى 37 ألف مدرسة.