اليوم هو العيد السنوي الأول لأعظم ثورة في تاريخ مصر.. اليوم هو عيد ميلاد مصر الحديثة.. هذا اليوم الذي حفره الشعب المصري الحر الأبي بدماء أبنائه في التاريخ المصري والعربي والعالمي الحديث بأقلام من نور، ليظل فخرا لكل مصري عبر مئات السنين القادمة، يتدارسه الأبناء، ويحكيه الآباء لأطفالهم جيلا بعد جيل. هذا اليوم الذي انطلق فيه الشعب ليغير وجه مصر خلال ثمانية عشر يوما فقط، كانت أعظم أيام مصر الحديثة.. ففي هذا اليوم اندلعت الثورة الشبابية البيضاء، التي قام بها شباب مصر الواعي المتحضر، الذي أذهل الجميع وفعل في أيام ما عجز عن فعله شيوخ مصر وعلماؤها وكتابها ومثقفوها في سنوات. لقد أثبت شباب مصر أن الشعب المصري شعب أبي كريم، لا يرضي بالظلم والفساد، ولا يقبل الذل والهوان، وأن أقل فئة سنية فيه قادرة - اذا ما أرادت - أن تحقق للشعب ما يحلم به منذ سنوات.. فبارك الله في هؤلاء الشباب، وسدد خطاهم، فهم القوة والحماسة والطاقة والحيوية، وهم الذين نصروا الرسول، صلى الله عليه وسلم، في مكة يوم أن خذله شيوخها. ولقد كنت أتخيل هذا السيناريو للتغيير في مصر منذ سنوات، بعد أن استشرى الظلم والفساد في أركان النظام، الذي شاخ أعضاؤه في مقاعدهم، وكنت على يقين أن التغيير لن يحدث إلا إذا هب الشعب كله يدا واحدة مطالبا بذلك، واستطاعت القوة الشعبية الهادرة إرغام النظام على الرحيل.. فكم كتبنا وبحت أصواتنا وأصوات المخلصين من أبناء مصر مطالبين بالإصلاح، ومواجهة الفساد الذي استشري في أركان النظام، الذين امتلأت كروش أعضائه بالمليارات من أموال الشعب المصري الفقير، الذي لا يجد الملايين من أبنائه قوت يومهم، وهم يكتوون بنار البطالة والغلاء والرشوة والفساد، ولكم كان النظام دائما ما يقابل هذه المطالب بمزيد من الاستعلاء والظلم والفساد. وها هو حلمنا وحلم الفقراء والبؤساء والمظلومين في مصر قد تحقق على أرض الواقع، بعد أن هب هؤلاء الشباب بثورتهم المباركة، التي أصبحت إلهاما ومثلا يحتذي لكل شعوب العالم التي ترزخ في ظل القهر والظلم والنظم الديكتاتورية. ها هو السيناريو الذي تخيلناه وحلمنا به يتحقق في ثمانية عشر يوما، ويغير وجه مصر، ويحصل شعبها على مطالب وإصلاحات طالما حلم بها على مدى ثلاثين عاما من حكم مبارك.. فسبحان من يغير ولا يتغير. مضى عام وأركان النظام الفاسد الذي تهاوى في أيام معدودات، يقبعون في زنازين طره، ينتظرون سيف العدالة البتار.. فسبحان المعز المذل.. سبحان من يذل أعناق الظلمة والجبابرة.. انه والله، الظلم الذي أوصل مبارك الى ما هو فيه اليوم، وأذله وأذل أركان نظامه الفاسد.. إنها دعوات وصرخات وآهات آلاف المظلومين في مصر.. تلك الدعوات التي سرت بليل فغفل عنها مبارك ورجاله، ولم يغفلها الله، الذي ينصر المظلومين ويذل أعناق من ظلمهم ولو بعد حين. ان هذه الثورة الشبابية المباركة التي نحتفل اليوم بعيد ميلادها الأول، إنما هي انتفاضة ملايين تاقوا منذ سنوات الى الحرية والتغيير، وعزموا على أن يكون بأيديهم بعد أن تجبر النظام وطغى، وظن أركانه أنهم أصحاب هذا البلد دون منازع. لقد رحل مبارك فرعون مصر الحديثة تاركا من خلفة تركة مثقلة بالفساد والديون والفقر والبطالة ونهب المال العام.. رحل الرمز الأكبر للفساد في مصر، بعد أن قبع على صدورنا ثلاثين عاما.. فسبحان المعز المذل.. سبحان مالك الملك الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير انه على كل شيء قدير.. رحل مبارك غير مأسوف عليه من شعبه بعد أن ذاق منه الويلات والويلات، وأخذ في رجليه مئات القتلى وآلاف الجرحي، الذين قتلوا وجرحوا على أيدي قوات الشرطة وبلطجية الحزب الوطني، خلال ثمانية عشر يوما هب فيها الشعب بقيادة شبابه الأبطال، مطالبا بالحرية والقضاء على الفساد. رحل مبارك بشكل مخزٍ، ليكون آية وعبرة ومثلا لمن خلفه من الطواغيت والحكام الظلمة المستبدين.. رحل بعد أن تخلى عنه رجاله، ولو بقوا حوله وظلوا معه ما نفعوه.. رحل بعد أن وجد نفسه وحيدا، فلم يجد حوله سرورا ولا عزا ولا شريفا ولا نظيفا ولا حبيبا ولا جمالا.. فهؤلاء قد دقت يد العدالة أعناقهم، وقدموا للمحاكمة بتهمة الفساد وإهدار المال العام وقتل المتظاهرين. إن أيام هذه الثورة يجب أن تكتب في تاريخ مصر بماء الذهب، بعد أن كتبت بدماء مئات الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل حريات وحقوق شعبهم العظيم، ويجب أن تحفر في عقول الأجيال القادمة، ويتغنى بها المصريون جيلا بعد جيل. إننا يا معشر شباب مصر العظيم، ويا جموع الشعب الأبي الكريم، أمام مصر جديدة.. تحتاج الى سواعد أبنائها الشرفاء لكي يبنوا ما تهدم.. ويصلحوا ما أفسده النظام البائد.. ولا مكان بيننا اليوم لبلطجي أو مخرب أو فاسد أو عميل أو خائن لهذا البلد العظيم، يجب أن نعمل جميعا لصالح مصر، وأن نسحق بأقدامنا كل من يعمل ضد مصر من أصحاب الأجندات الداخلية أو الخارجية، وأن نحمي بظهورنا وسواعدنا مؤسسات هذا البلد وتاريخه وتراثه، لكي نخطو خطوات إلى الأمام، ونبني مصرنا الحبيبة.. الحرة الأبية، التي تتراءى لنا منذ سنوات في أحلامنا وخيالنا.