تمالك أعصابك قبل الدخول، فربما تكون أحد ضحايا مستشفى بولاق الدكرور، فالمستشفى يعانى من «ضعف عام وهشاشة فى الإمكانيات ورعشة فى اتخاذ القرارات، واحتقان بين الأطباء والمرضى»، هذه الأعراض نتيجة تشخيص وعلاج خاطئ من وزارة الصحة خاصة وكيل الوزارة بالجيزة، وهو ما سبب كوارث حقيقية داخل المستشفى كما أخبرنا الأطباء. مأساة مستشفى بولاق ليست حديثة العهد بل هى أزلية، وتحولت لسرطان داخل المنظومة، يكتفى وزير الصحة بإعطائها المسكنات، ويحمل الأطباء فساد المنظومة وحدهم، مع العلم أن ميزانية الصحة حسب الدستور 3% من الناتج القومى، ومع هذا فكل ركن من أركان المستشفى يصرخ وجعاً من المعاناة اليومية بين جدرانه، أطفال يصرخون رجالا ونساء أكل أجسادهم المرض وحطمت الوزارة عزة أنفسهم فى الحصول على علاج لائق. المستشفى يخدم مليونى مريض يحتوى على 5 غرف عمليات و20 سرير رعاية مركزة و10 حضانات أطفال ووحدة للغسيل الكلوى، ومع ذلك يعانى الإهمال المتعمد من الوزارة بسبب قرارات مديرية الصحة بالجيزة التى تحصل على 70% من قيمة العلاج بأجر ليصرف على هيئة مكافآت وبدلات. معاناة الأطباء قبل أن تبدأ حكايات الأسى والحزن التقينا بالدكتور جمال سلطان، رئيس قسم الأوعية الدموية بالمستشفى، وهو القسم الوحيد على مستوى وزارة الصحة بالكامل والذى أنشئ منذ خمسه أعوام، حيث أكد أن المعاناة لا تشمل المرضى فقط، فالأطباء ضحايا لقرارات إدارية خاطئة تتخذ من مديرية الصحة بالجيزة حسب أهوائهم الشخصية. يحتوى القسم على 10 غرف يعمل منها غرفتان فقط، والباقى تحول إلى مخازن بأمر من مدير المستشفى، والذى قام بطرد جميع نواب القسم ولم يتبق إلا رئيس القسم والذى يقوم بكافة أنواع العمل ك«استشارى وإخصائى ونائب». وأضاف قائلاً: أما عن ضعف الإمكانيات فقسم الأوعية الدموية لا يتوافر به جهاز للأشعة، وقد طالبت أكثر من مرة بجهاز أشعة مرئية لتوسيع الشرايين دون جدوى بسبب عدم وجود إمكانيات للشراء، حيث إن سعر الجهاز مليون جنيه، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بإمكانيات الوزارة المادية، بالإضافة إلى عدم وجود شرايين صناعية ومستهلكات لعمل جراحات الشرايين، وبناء على كل تلك المعاناة تتم إحالة المرضى إلى قصر العينى لإجراء العمليات الجراحية رغم وجود كفاءات بالمستشفى. ويستكمل الدكتور جمال سطور المآسى، معرباً عن أسفه للمرضى وأهاليهم لسوء اختيار المسئولين لرئيس قسم الجراحة بالمستشفى، حيث إن المستشفى وعلى مدار 12 عاما يقع اختياراته على أطباء جراحة غير حاصلين على الماجستير أو الدكتوراه وإنما يتم اختيار الحاصلين على دبلومة فى الجراحة فقط. وقال: مؤخراً قام وزير الصحة الدكتور أحمد عماد بإصدار قرار بتعيين رؤساء الأقسام من الحاصلين على الدكتوراه، وإن لم يتوافر يتم استقدام أستاذ جامعى، ولكن ما حدث هو قيام وكيل وزارة الصحة بالجيزة بتعيين الدكتور شريف خطاب رئيسا لقسم الجراحة، رغم انه حاصل على دبلومة فى الجراحة وليس دكتوراه أو ماجستير، وتم تعيينه أيضا رئيس الهيئة الطبية بالمستشفى، وبذلك يرأس جميع الأقسام ولا تنتهى المأساة حيث تم تعيينه وكيل عام المستشفى، كل تلك الإجراءات تمت فى خلال 6 أشهر فقط مع العلم بوجود من هم حاصلون على الدكتوراه فى الجراحة العامة وكذلك زملاء كلية الجراحين الملكية ويشهد لهم الجميع بالكفاءة وتم رفض تعيينهم رؤساء للأقسام. الكارثة الأكبر أن ذلك الإجراء لم يؤثر على الأطباء فقط داخل المستشفى بعد أن شاهدوا بأعينهم الفساد وهو يطيح بهم، وجاء بمن هو اقل منهم مهارة وخبرة فى مجال الجراحة، وما يدعو للحزن هو وفاة المرضى نتيجة عدم اتخاذ القرار الطبى الجراحى السليم، وهذا ما أكده الدكتور طارق الجيش مدير الطب العلاجى بالجيزة، بالإضافة إلى أن مرضى الغسيل الكلوى يتم تحويلهم إلى مستشفيات أخرى من اجل تهميش قسم جراحة الأوعية الدموية وهذا بعلم الدكتور عبدالناصر الشيمى رئيس قسم الكلى الصناعية بالجيزة. الموت البطىء المستشفى يبعد 50 مترا عن جامعة القاهرة، مساحة المبانى به تعادل مساحة مستشفى قصر العينى ومع ذلك يفتقر للكثير من الإمكانيات. «محاسن على» 45 عاماً ربة منزل، تعانى من وجود ألم بالمثانة البولية وصديد تقول: «شعرت بألم شديد فسارعت بالتوجه إلى المستشفى للقيام بالكشف الطبى وطالبنى الطبيب بإجراء تحاليل داخل المستشفى وأظهرت التحاليل وجود حصوات بالمثانة ولا بد من تفتيتها بدءا من تناول الأدوية حتى قيامى بإجراء عملية جراحية بالليزر». وتكمل محاسن، أن الطبيب أكد أن بعض الحصوات ستزول بالعلاج وأن المتبقى منها سيحتاج إلى جراحة وعليها التوجه إلى عيادته الخارجية لإجراء العملية هناك بشكل عاجل حتى لا تخضع للوقوف فى طابور الانتظار داخل المستشفى، وأخبرها بأنها ستتكلف حوالى 7 آلاف جنيه، ولأن ظروفها لا تسمح بتحمل تكاليف العملية، فضلت البقاء فى المستشفى لانتظار دورها. «الموت رحمة لينا من العذاب ده».. هكذا تحدث مجدى أحمد عامل بأحد المطاعم يقول: جئت بابنتى لإجراء عملية اللوزتين وطلب منى إجراء بعض الفحوصات لها وحينما اتجهت لإجراء التحاليل اخبرونا أن ثمن التحاليل 100 جنيه، وهناك تحليل آخر بسعر 180 جنيها فى حين يمكن إجراء التحليل بالمجان بمجرد تأشير الموظف على الخطاب، ولأن سيادته غير موجود ولا يوجد من يحل مكانه لذلك انتظرنا لليوم التالى وبعد قيامنا بإجراء التحاليل طالبنا المستشفى بالتبرع بالدم بإجراء احترازى فى حالة النزيف، وبعد قيامنا بتلك الإجراءات كانت تكاليف العملية 600 جنيه فى حين يتم إجراؤها داخل العيادات الخاصة ب 700 جنيه. أمام قسم الجراحة وقف المرضى فى حالة فوضى يتسابقون فيما بينهم على الدخول الى حجرة الكشف فالعثور على طبيب ذو خبرة نادرا ما يأتى إلى حجرة الكشف. سحر عبدالمنعم جاءت بعدما شعرت بألم فى الكلى اليسرى وظلت تقف منتظرة دورها وطوال تلك الفترة ظلت تردد «حسبنا الله ونعم الوكيل هو المريض لازم يقف بالساعات علشان الدكتور يكشف عليه». واقتربت منها لأخبرها أن تجلس على مقاعد الاستراحة فحالتها كانت سيئة، وظلت تتصبب عرقا من شدة الألم، حتى جاء دورها وحينما خرجت من الكشف سألتها " سلامتك يا حاجة الدكتور قالك إيه، فأجابتنى الحمد لله لازم عملية مش عارفة أعمل أيه وأجيب فلوس العملية منين». تعانى سحر من ورم بالكلى يسبب لها مغصا كلويا وارتفاعا فى ضغط الدم، وقد طالبها المستشفى بجواب علاج على نفقة الدولة إلا أن حالتها كانت تستدعى التدخل الجراحى السريع، لكنها ذهبت تحمل آلامها بين ضلوعها بعد أن أعطاها الطبيب حقنة مسكنة للألم.