عندما تعلن الحكومة حرب تحرير الأرض من مغتصبيها، فلابد أن تكون المعركة على كل الجبهات.. ضد المغتصبين، وضد المسقعين (الذين اشتروا الأرض بغرض الزراعة ثم تركوها دون زراعة على أمل تحويلها لأرض بناء)، وضد الحالمين بالثراء عبر سرقة أراضى الدولة. وفى المقابل فإن ذات الحرب لابد وأن تجعل كل مصرى تحت يده سنتيمترا من الأرض، يتحرك بأقصى ما يملك لإثبات جديته وأحقيته فى استصلاح ما لديه من أرض، حتى لا تفرمه حرب تحرير الأرض. كما إن ذات الحرب لابد وأنها ستقطع الطريق على كل من يفكر فى التسلل أو التوغل أو التسرب لأراضى الدولة، هذا ما تصورته وأنا أتنقل بين الأراضى الشاسعة الممتدة على جانبى طريق مصر إسكندرية الصحراوى.. كان منظر الأرض مبهجًا حيناً، ومحزناً حيناً، ومثيرًا للغضب فى حين ثالث. الأرض المبهجة هى التى تكتسى بلون الزرع الأخضر.. والمحزن كانت الأرض العارية التى لاتزال على اصفرار تربتها لم تصلها يد الاستصلاح رغم تخصيصها منذ سنوات طويلة، أما المثيرة للغضب فكانت تلك الأرض التى حولها أصحابها إلى مبانٍ خرسانية. ورغم البهجة والحزن والغيظ تصورت أن كل ما تراه عينى من أراض تحت حماية ورعاية وعناية أصحابها، ولهذا تجنبت الدخول فى أية أرض كنا نمر عليها، ولكن رأيي تغير للعكس قبل أن ينتصف النهار، وقررت أن أبحث بشكل عملى عن إجابة لسؤال: هل لا تزال هناك أراضٍ يمكن للمغامرين أن يضعوا أيديهم عليها؟ بداية الإجابة كانت بالدخول إلى الأراضى الشاسعة التى آراها أمامى.. وفعلت.. اخترت أرضًا تقع ضمن زمام منطقة تسمى «أرض التحدى».. وبدأت التحدى، كانت الأرض التى اخترتها شاسعة، وتمتد على مدد الشوف، وعلى جانبيها طريق لا تتوقف الحركة فيه، فالسيارات العابرة والمارة فوق الجرارات الزراعية وغيرها، لا تتوقف وكان يتوسطها مضخة ماء، يبدو عليها أنها لم تعمل منذ فترة غير قصيرة، حتى تملك منها الصدأ، وعلى أحد جوانب الأرض كانت توجد 3 حجرات مبنية بالأحجار البيضاء ومعروشة بسقف أسمنتى، كانت الحجرات تجاور بئر المياه.. توجهت إلى الحجرات، وأنا على يقين أننى سأجد فيها أشخاصاً، ولكن لما وصلت إليها لم أجد فيها إلا صفير الرياح، وإلى جانب الحجرات كانت بئر المياه مليئة، وتحيط بها أشجار تضفى عليها ظلاً كثيفًا.. ووسط البئر تتدلى ماسورة ضخمة متصلة بماكينة ضخ مياه كبيرة، ولكن كل شىء كان معطلاً ويغطيه الصدأ! وتجاور مضخة المياه، لوحة كهرباء ضخمة، يتوسطها عداد كهرباء، قضيت فى الأرض ما يزيد على ساعة انتظارا لأن يأتينى أحد، وإن كنت فى انتظار ما لا يجيء! وأمام هذا الحال قررت أمرًا وبدأت فى تنفيذه.. قررت أن أفعل مثلما يفعل أى شخص يريد أن يضع يده على أرض ما.. والبداية طبعا ب«لافتة» بخط كبير كتبت على طول جدران الحجرات عبارة تقول: «هذه الأرض ملك مجدى سلامة.. وليست للبيع». وجلست تحت اللافتة، على أمل أن يأتينى أحد ويعترض على ما كتبته.. ومرت فترة ليست قصيرة ولم يأتنى أحد، فقمت وتجولت بطول الأرض وعرضها على أمل أن يرانى أحد ويسألنى على الأقل عما أفعله فى تلك الأرض، ولكن شيئا لم يحدث. والغريب أنه كلما مر على الأرض ووجدنى بها كان يلقى على السلام ويبادلنى السلامات والتحيات وكأنه يعرفنى منذ سنوات! وبعد أن مللت من الانتظار دون أن يأتينى أحد، توجهت إلى قطعة أرض شاسعة أخرى لم يطل بى البحث، وتوجهت لقطعة أرض شاسعة أخرى، وهذه المرة، كانت الأرض الجديدة أكثر اتساعا وثراء من الأرض السابقة كان يتوسطها 4 مضخات للمياه، ويشقها ترعة طويلة مليئة بالمياه، وفى نهاية الترعة توجد أشجار توت أعمارها تقدر بالسنوات وكانت الأشجار مكدسة بثمار التوت، وهو ما يعنى أن أحدًا لم يلمسها منذ أن اثمرت! كررت ما فعلته فى الأرض الأولى.. كتبت لافتة تقول إن هذه الأرض أرضى أنا وجلست أسفلها، لساعات، على أمل أن يأتينى أحد يسألنى عما أفعل، وبعد ساعات من الوحدة.. تركت الأرض عائدًا، بعدما تبين لى أن من يريد أن يضع يده على ما يشاء من أراض فيمكنه أن يفعل ذلك بسهولة، ولن يعترضه أحد.. وهذا حال غريب فى وقت تعلن فيه الحكومة حرب تحرير الأرض. شاهد الفيديو: