كيف يرى الخارج الاقتصاد المصرى؟ وكيف يُقيّم الاصلاحات الاقتصادية التى جرت؟ وما تصورات خبراء الاقتصاد والتنمية للتبعات الاجتماعية الناتجة عن تلك الإصلاحات؟ وهل تسير مصر فى الطريق الصحيح؟ ولماذا لا يتدفق المستثمرون الأجانب إلى مصر؟ وكيف تتأثر العلاقات الاقتصادية بين مصر وأمريكا بتولى إدارة جديدة بسياسات غير متوقعة لمقاليد الحكم فى الولاياتالمتحدة؟ كل تلك الأسئلة طرحت ونوقشت وتم تداولها على مدى عدة أيام خلال بعثة طرق الأبواب الأمريكية إلى واشنطن التى تنظمها غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة سنويا. فى البداية، فإن معظم مُحللى مراكز الأبحاث، وخبراء المال بالمجتمع الأمريكى يرون أن الاصلاحات الاقتصادية التى جرت وتمثلت فى تحرير سعر الصرف، وتخفيض الدعم المقدم للطاقة، وتحسين المناخ التشريعى للاستثمار إصلاحات جيدة وجريئة، وأنها تؤكد أن مصر تسير فى الطريق الصحيح، لكنهم فى الوقت نفسه يرون ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات التى تخفف من الاعباء الاجتماعية للإصلاحات. لقد كان وصف الدكتور حازم الببلاوى رئيس الوزراء الأسبق الذى تولى المسئولية خلال الفترة من يوليو 2013 إلى فبراير 2014، وهو فى الوقت نفسه ممثل مصر والدول العربية فى صندوق النقد الدولى للاصلاحات الاقتصادية بأنها مثل «الدواء المر». وقال إنها قاسية وموجعة لكن لا بديل عنها. وفى تصوره أن ما جرى من آثار تضخمية بعد الاصلاحات أمر متوقع، ولابد من التعامل معه بكل الآليات التى تساعد على تخفيض نسبة التضخم التى تجاوزت للمرة الأولى فى تاريخ مصر نسبة ال30%. وردا على سؤال ل«الوفد» عما إذا كانت مصر فى حاجة لفرض ضرائب تصاعدية جديدة لتخفيض عجز الموازنة قال «الببلاوى» إنه لا يوجد بلد دون ضرائب، والمهم أن تكون أى ضريبة جديدة معقولة ومتفقة مع فكرة العدالة. وأضاف أنه مع فكرة عدم المساواة فى الضرائب بين أصحاب الدخول المرتفعة ومحدودى الدخل. ما قاله الدكتور حازم الببلاوى يتسق كثيرا مع التقرير الأخير لصندوق النقد الدولى الذى أكد أن الاقتصاد المصرى بدأ يدخل مرحلة التعافى. ونتيجة ذلك توقع ارتفاع الاستثمار الأجنبى إلى 5 مليارات دولار خلال 2017 وتحقيق معدل نمو ب5% عام 2019 مع تحسن عجز الموازنة، إلا أنه أشار إلى أن ارتفاع معدل التضخم وارتفاع الدين المحلى أحد أخطر المؤشرات السلبية. وحول آلية التخفيف من حدة التضخم كانت وصية الصندوق متمثلة فى زيادة سعر الفائدة بما يسهم فى زيادة معدل الادخار ويساعد على وقف الارتفاعات الكبيرة فى الأسعار، إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أن الحكومة لن تلجأ لذلك لأن أكبر مقترض من البنوك فى مصر هو الحكومة نفسها، وأن أى زيادة فى سعر الفائدة سيؤدى إلى زيادة الأعباء المفروضة عليها. وطبقا لأحد خبراء مراكز الأبحاث الكبرى الذى اعتذر عن ذكر اسمه فإن الآثار التضخمية الناتجة عن الاصلاحات الاقتصادية رغم ما تفرضه من أعباء على المواطنين، فإنه ليس من المتوقع أبدا أن يؤدى ذلك لتكرار مظاهرات الغضب، لأن المصريين دفعوا ثمنا غاليا فى انتفاضة 25 يناير على حد قوله. ويرى ذلك الخبير قريب الصلة بالشأن المصرى أن الإصلاحات التى جرت فى مصر تؤكد للمرة الأولى جدية النظام الحاكم فى تصحيح أوضاع الاقتصاد رغم علمه بتأثير ذلك على شعبيته. وفى تصوره فإن بيئة الاستثمار فى مصر فى 2017 أفضل مما كانت عليه كثيرا فى 2016، إلا أنها لم تصل للمرحلة المثالية لجذب استثمارات كبيرة. أما الاستثمار فإنه من الضرورى لجذب استثمارات كبرى أن يتم ذلك من خلال أفكار جديدة لتبادل المصالح، وهو ما دفع مسئولى بعثة طرق الأبواب إلى طرح فكرة استئناف مفاوضات التجارة الحرة بين مصر وأمريكا. وفى ذلك يشير أنيس إقليمندوس، رئيس غرفة التجارة الأمريكية، إلى أن استثمارات أمريكا فى مصر هى أكبر استثمارات أجنبية، وأن هناك شركات متعددة الجنسيات يمكن أن تتخذ من مصر مركزا لها للتصدير إلى دول الاتحاد الأوروبى. ويكشف عمر مهنا، رئيس مجلس الأعمال المصرى الأمريكى، إلى أن مجتمع المال والسياسة فى الولاياتالمتحدة رحب بفكرة التفاوض مع مصر لعمل اتفاق تجارة حرة وهو ما يسمح بدخول السلع والمنتجات بين البلدين دون أية رسوم جمركية. وفى هذا الحال ستكون هناك ميزة تنافسية للشركات الأمريكية الكبرى للدخول بمنتجاتها إلى الأسواق الأوروبية دون جمارك لأن مصر مرتبطة باتفاقية شراكة مع أوروبا. وأسأله إن كان مثل هذا الاتفاق يستلزم تعديلات تشريعية على بعض القوانين، فيجيب بأن الأمر ربما يحتاج لتعديلات فى مجال الملكية الفكرية والمواصفات القياسية، وهو فى المجمل سيرفع من كفاءة وقدرات الصناعة المحلية. ومجرد الاعلان عن بدء مفاوضات اتفاق التجارة الحرة كفيل بتدفق مستثمرين أجانب فى مختلف المجالات إلى السوق المصرى على حد تأكيد عمر مهنا. ويمكن القول إن تغير الإدارة الأمريكية يصب بشكل مباشر فى مصلحة مصر، خاصة على المستوى السياسى، وهو ما ينعكس بطريقة أخرى على العلاقات الاقتصادية والتجارية. وبتعبير أحد خبراء مركز الشرق الأوسط للأبحاث، فإن دونالد ترامب رجل أعمال يجيد عمل صفقات، وهو ينظر إلى العلاقات المصرية الأمريكية باعتبارها علاقة تبادل مكاسب ومصالح، وربما كان ذلك سببا فى تصريح أحد مسئولى وزارة الخارجية الأمريكية خلال البعثة بأن مصر هى أهم شريك استراتيجى لأمريكا خارج حلف الناتو، وأن دوائر صنع القرار الأمريكية تدرك تماما أهمية مصر جغرافيا وسياسيا.