أقل ما توصف به محاكمة الرئيس السابق المخلوع حسني مبارك وأركان نظامه البائد، أنها محاكمة هزلية، ابتداءً من توجيه التهم التي ليس من بينها افساد الحياة السياسية في البلاد وتحويل مصر إلي دولة خربة في كل شئ اجتماعيًا وفكريًا وعلميًا وتعليميًا، ومرورًا بجرائم كثيرة ارتكبها المخلوع ونظامه ضد المصريين، ثم انتهاءً بعمليات القتل المتعمدة ضد ثوار مصر الذين ثأروا لكرامة هذا الوطن.. المحاكمة التي تجري الآن لهذا النظام الفاسد الذي حكم بالحديد والنار وأذل شعب مصر جميعًا، أشبه بعملية مراوغة مع شعب مصر الثائر، بل إنها بلغة أبناء البلد تثبت للمصريين ومخدر ضد ثورتهم حتي يهدأوا.. ثم لمن كل هذا التثبيت ولصالح من أن تجري محاكمة نظام فاسد بهذا الشكل؟! حالة الذل والفقر والتخلف التي أصابت البلاد وحدها كفيلة بأن تكون أكبر جريمة يعاقب عليها أي قانون إلهي أو وضعي، وجرائم القتل والإبادة التي وقعت جهارًا نهارًا في الميدان التحرير وميادين مصر الأخري، كفيلة بأن يقتص منها طبقًا لأي قانون.. أما ما ينذر الآن من خلال متابعات هذه المحاكمة فإنه لا يبشر بأي خير علي الإطلاق، وأن السيناريو المرسوم لهذه المحاكمة فيه استهزاء بشعب مصر جميعًا.. أولاً من ناحية توجيه التهم بأنها تمت علي اعتبار أن المخلوع لم يرتكب شيئًا سوي ما حدث أيام الثورة الأولي، وكأنه كان ملاكًا طاهرًا طيلة الثلاثين عامًا التي ذل فيها المصريين وهو بالفعل ما ردده دفاعه في مرافعته.. ثم تأتي مرافعة النيابة العامة والتي لم تستند إلي أدلة قاطعة بارتكابه جرائم الإبادة للمصريين، وتحولت هذه المرافعة إلي لغة خطابية بلاغية إنشائية تدغدغ مشاعر الناس ولا تكون دليلاً ضد المخلوع. ويزيد من الطين بلة أن مرافعة الدفاع زادت في ذلك أنها حولت الظالم المستبد إلي ملاك بجناحين، بل وصفته بأنه طاهر اليد نقي السريرة وخلاف ذلك مما يثير النفس والأعصاب، وكأن ما حدث لشعب مصر بيده، وكأن كل الجرائم التي ارتكبت في حق هذا الشعب هو السبب فيها، أو كما يلوح الدفاع نفسه بأن هناك «خفيا» مجهولا وراء ذلك كله.. بهذا الشكل السخيف والمهانة والسخرية والاستهزاء من المصريين، لا تستبعد أن يكون الحكم ببراءة هذا المستبد الطاغية، وبهذا المنطق المعوج والمعكوس له الحق في أن يقاضي الشعب المصري الذي ظلمه وافتري عليه. لمصلحة من كل هذا الاستهزاء بالشعب المصري؟!.. ومن المستفيد من هذه المهاترات التي تحدث الآن؟!.. ولماذا الإصرار علي أن المصريين لم يبلغوا الفطام بعد؟!.. مرافعة النيابة ومرافعة الدفاع مسرحية هزلية لمحاكمة صورية في صالح المخلوع وأركان نظامه، فعدم تقديم النيابة دليلاً وتجاهله هذا، وإنما هي تقدم للدفاع علي طبق من ذهب دليل البراءة والنجاة لهذا الطاغية وأركان نظامه.. ولذلك لم يكن من المستغرب أن يلوح المخلوع بعلامة النصر في نهاية السيناريو المرسوم والمحاكمة الهزلية، فالآن دبت فيه الروح وأصبح قادرًا علي أن يرفع يديه ويلوح بالنصر.. فعلاً إنه يستهزئ حتي آخر لحظة بالمصريين، وكان ينقصه أن يخرج لسانه لهم!!.. رغم أن تحريك يديه باشارات النصر هي بمثابة اخراج لسانه لهذا الشعب العظيم الذي صبر ولا يزال يصبر أكثر مما يحتمل أي بشر!! وليس بغريب علي المخلوع الذي استهزأ بالمصريين وقهرهم وأذلهم وأفقرهم طيلة ثلاثين عامًا، أن تصدر منه علامات الاستهزاء في محاكمتة الهزلية.. ولماذا لا يستهزئ وهناك من يحميه ويساعده علي كل هذه البلاوي؟!.. فيا شعب مصر العظيم الذي لا يعرف الخنوع.. صبر جميل والله المستعان.