تكشف الانقلابات الأيديولوجية التي تضمنتها الوثيقة الجديدة لحركة حماس، والتي أعلنها زعيم المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في الدوحة، عن طبخة ما في الكواليس يجرى إعدادها بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة لتسوية ما للقضية الفلسطينية. تضمنت الوثيقة تحولات كبرى عن وثيقة تأسيس حركة حماس، والتي نشأت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، الصادرة في عام 1988. أول هذه الانقلابات هو تراجع الحركة عن إعلان انتمائها لجماعة الإخوان. ففي وثيقة 1988، أكدت بشكل صريح ومباشر أنها جناح من أجنحة الجماعة في فلسطين، التي تخضع لإشراف الحركة الأم في القاهرة. لكن في الوثيقة الجديدة لم يتم أي ذكر للجماعة. أما الانقلاب الثاني، فكان التراجع عن فكرة إقامة دولة فلسطينية من البحر إلى النهر، للقبول بفكرة إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967. وكل هذا إلى جانب التراجع عن فكرة تدمير دولة إسرائيل، ما يؤكد أن ما يحدث ليس عفو الخاطر، وإنما جزء من ترتيبات دولية لإيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفسلطيني، خاصة أن نشر الورقة جاء قبل يومين من لقاء مقرر بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال إنه يريد التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني بدعم من دول إقليمية من بينها مصر. يقول محللون إن التحول السياسي للحركة يعكس الضغط المالي والسياسي الذي شعرت به حماس منذ سقوط الرئيس المصري محمد مرسي الذي دعم الفصيل الفلسطيني قبل الإطاحة به في 2013. يقول جرانت روملي، وهو باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات «أعتقد أن هذا يحدث الآن لأنهم أدركوا أن لدى الرئيس عبدالفتاح السيسي بعض القوة وأن حربه على الإخوان حقيقية». لكن كوبي ميشيل، وهو باحث بارز في معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي في تل أبيب، يقول إن الوثيقة جاءت نتيجة ضغط هائل على حماس من جانب مصر والسعودية، اللتين يتوقع لهما أن تكونا شريكتين مهمتين في عملية السلام الإقليمية المقترحة من ترامب. لكن المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين يشكون في أن ينتج أي تغيير كبير داخل حماس عن الوثيقة الجديدة، لأن الحركة منقسمة بين الجناح العسكري المحارب والمكتب السياسي المعتدل نسبيا. وتتفق مع هذا الرأي صحيفة «جارديان» البريطانية التي تقول إن الوثيقة تهدف لرأب الصدع داخل الصف الفلسطيني عموما، وتسهيل عملية السلام. ونقلت عن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان البريطاني إد رويس قوله إنه «إذا لم تعترف حماس بحق إسرائيل في الوجود فإنه لن يلغي تصنيفه لها بأنها منظمة إرهابية، وكذلك إذا استمرت في إطلاق الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين واستمرت تحارب بالوكالة ل«إيران» واستمرت في أعمال أخرى تهدد الولاياتالمتحدة وإسرائيل». ووصفت جارديان موافقة حماس على قيام دولة فلسطينية بأنها أكبر تنازل منها لأنها تتضمن القبول بوجود دولة أخرى خارج الحدود الواردة في الوثيقة، حتى إذا لم تذكر إسرائيل صراحة. وأضافت أن خلو الوثيقة الجديدة من إعلان حماس أنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين سيحسن العلاقات مع مصر. أما وول ستريت جورنال الأميركية فقد اعتبرت ما حدث من تنازلات بمثابة تكتيك وليس تغييرًا حقيقيًّا من حركة حماس في إطار محاولة منها لتغيير صورتها في الوقت الذي يقوم فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالبحث في إحياء جهود السلام في الشرق الأوسط. وقالت «يبدو أن توقيت إعلان الوثيقة سببه منافستها لحركة فتح». ونسبت إلى المحلل المالي السابق لشئون الإرهاب بوزارة الخزانة جوناثان شانزر قوله إن حماس تحاول الحصول على نصيب في السوق، وإصدارها للوثيقة تغيّر محسوب بدقة، لكن إدارة ترامب لن تغيّر موقفها من حماس، لأن الوثيقة تتعلق بتخفيف الخطاب وليس الأفعال. ونقلت عن كوبي ميشيل قوله إن رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل يريد للحركة أن تظهر أكثر اعتدالا على الساحة الدولية وعينه على الهدف النهائي بأن تحل حركته محل «فتح» كأكبر فصيل بمنظمة التحرير الفلسطينية. ونقلت عن مسئولين أمريكيين وفلسطينيين قولهم إنهم لا يرون هذه الخطوة بوصفها تغييرًا حقيقيًا في نهج حماس، المصنفة على أنها منظمة إرهابية في الولاياتالمتحدة وحكومات غربية أخرى. ونقلت عن ديفيد كيز، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتانياهو قوله «حماس تحاول خداع العالم ولكنها لن تنجح.. يطالب قادة حماس يوميًا بالإبادة الجماعية لليهود، وتدمير إسرائيل».. ونوهت بتصريحات مسئول أمريكي قال إن إدارة ترامب لم تغير نظرتها إلى حماس.