يبدو أن ريتشارد أرميتاج نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق، يمتلك قدرة اتصال مع السماء، أو أنه من القديسين الذين يمتلكون موهبة التنبؤ، وربما أنه من الشخصيات التي لديها الحاسة السابعة، وربما الكثير لكن المؤكد أن ما تنبأ به أرميتاج منذ أكثر من عام لمصر ونظامها الحاكم قد تحقق وقامت ثورة 25 يناير، صحيح ليس للسبب الذي أقام عليه أرميتاج نبوءته، لكن على أية حال قد تغير النظام. قبل ثورة يناير، ربما بشهر أو شهرين، نشرت مجلة «بريزم» الأمريكية التي تصدر عن جامعة الدفاع الوطني التابعة لقيادة الأركان الأمريكي، حواراً مع ريتشارد أرميتاج، ودار اللقاء حول الشرق الأوسط، في هذا اللقاء توقع أرميتاج قيام الشعب المصري بثورة وإسقاطه النظام الحاكم، حيثيات أرميتاج لقيام هذه الثورة آنذاك، التحجر والطبيعة المتصلبة للنظام المصري، ووصف أرميتاج وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر بال «صعب بالفعل»، وقال: إن المصريين لا يمكنهم الانتظار للأبد، وأضاف أرميتاج وهو أحد أبرز صقور إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، إن الموقف صعب حقاً في مصر لأنه يسير في الاتجاه المضاد. الغريب في نبوءة أرميتاج هذه، أنها جاءته من أعمال أديبنا العالمي نجيب محفوظ، فقد أكد في حواره، أنه خرج من روايات محفوظ بأمرين، أولهما الحس الفاكهي الجيد لدى المصريين، حيث إن لديهم حسا فكاهيا ضخما جدا. أما الشيء الثاني فهو الصبر والمكابدة الطويلة ، وأرميتاج يعتقد أنك عند نقطة معينة من الزمن، تدرك أن ثمة شيئا ما لا يمكنك أن تبعده بالنكات، وأن هذا الشيء لا يمكنك التغلب عليه بالانتظار، وهنا توقع أرميتاج قرب اللحظة الحاسمة، وحسب صياغته: إنني أخشى أن اللحظة الفاصلة والحاسمة آتية، وبشكل خاص الآن بعدما انتقل الثقل الإستراتيجي في الشرق الأوسط إلى الرياض بعيداً عن القاهرة، وأكد أرميتاج أنهم في الثمانينيات حاولوا مع النظام المصري لدفع الديمقراطية وسيادة القانون، لكنهم حسب تأكيده فشلوا في الحصول على التغيير الذي يأملوه في البلد»، وأضاف «الوضع ظل معضلة حقيقية بالنسبة لنا»، ما يدهشني في نبوءة أرميتاج أنه اعتمد فيها على قراءاته لروايات نجيب محفوظ، وليس لتقارير المخابرات الأمريكية، فقد وضع يده على مفاتيح أساسية ورئيسية للشخصية المصرية من خلال هذه الروايات، والذي يبعث على الغرابة أنه توقع من خلال تفهمه للشخصية المصرية، أن الثورة قادمة، وأن هذه الثورة أوشكت على الانفجار في شوارع مصر، وأنها سوف تطيح بالنظام، وهذه النبوءة التي تحققت بالفعل بقيام ثورة 25 يناير، لم يستطع أحد منا توقعها أو رؤيتها من خلال قراءتنا لأعمال نجيب محفوظ، ولا حتى من خلال مشاهدتنا للواقع المزري الذي كنا نعيش فيه تحت ظل الحكم السابق، حتى عندما قامت الثورة التونسية وأطاحت بالنظام الحاكم، لم نتوقع جميعا قيام ثورة مماثلة في مصر، وكان لكل منا مبرراته التي نفى من خلالها وبشدة قيام ثورة مماثلة في مصر، صحيح توقعنا خروج مظاهرات بسبب البطالة والفقر والغلاء، لكن ان تتحول هذه المظاهرات إلى انفجار وثورة كان من المستحيلات في أذهاننا، ربما لأننا لم نتوقع للحظة أن يساند الجيش ثورة الشعب، حيث كنا جميعا على يقين أن قيادات الجيش المصرى سوف تنحاز إلى جانب الرئيس مبارك، لأنها هذه القيادات جزء من النظام ذاته وليست منفصلة عنه. المقلق في نبوءة أرميتاج أنه توقع أيامها وبثقة كبيرة نفاد صبر الشعب المصري وخروجه من أجل التغيير، لكن ما أخذته على أرميتاج أيامها ودفعني للتقليل من شأن نبوءته، المبررات التي ساقها في النبوءة لقيام ثورة مصرية، حيث أكد أيامها للمجلة، أن الثورة سوف تقوم بسبب انتقال الثقل الإستراتيجي في الشرق الأوسط من مصر إلى الرياض، وهو ما يعنى أن الشعب المصري لن يخرج بسبب الفقر، ولا بسبب البطالة، ولا بسبب سوء الخدمات، ولا بسبب الغلاء، بل سيخرج ويغير لضعف مركز وثقل مصر. وقد علقت أيامها على هذه النبوءة بقولي: لا أخفى عليكم أنني لا أثق كثيرا في النبوءات، خاصة المستورد منها، لكن إن كانت ستؤدى إلى التغيير فسوف نرحب بها.