موعد مباراة الدنمارك وسلوفينيا في أمم أوروبا يورو 2024 والقنوات الناقلة    جدول ترتيب الدوري المصري قبل مباراة المقاولون العرب وطلائع الجيش    توافد الآلاف من المواطنين لأداء صلاة عيد الأضحى بمسجد الحسين.. فيديو    لإنقاذ فرنسا، هولاند "يفاجئ" الرأي العام بترشحه للانتخابات البرلمانية في سابقة تاريخية    الرئيس السيسي يشيد بحسن تنظيم السلطات السعودية لمناسك الحج    حماس: نتنياهو يراكم كل يوم العجز والفشل.. والحقائق تؤكد انهيار جيش الاحتلال    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم سيارتين على الطريق السياحي بالفيوم    الأرصاد: درجات الحرارة على محافظات الصعيد أول أيام العيد تصل إلى 48    العليا للحج: جواز عدم المبيت في منى لكبار السن والمرضى دون فداء    الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى فى مشعر منى    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت وتوجه تهنئة للجمهور    محافظ جنوب سيناء يشارك مواطني مدينة الطور فرحتهم بليلة عيد الأضحى    قوات الاحتلال تمنع مئات الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الفجر    الجمعية المصرية للحساسية والمناعة: مرضى الربو الأكثر تأثرا بالاحترار العالمي    تمنتها ونالتها.. وفاة سيدة قناوية أثناء أداء فريضة الحج    عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم في السعودية الاحد 16 يونيو 2024    يوم الحشر، زحام شديد على محال بيع اللعب والتسالي بشوارع المنوفية ليلة العيد (صور)    ريهام سعيد: محمد هنيدي تقدم للزواج مني لكن ماما رفضت    باكية.. ريهام سعيد تكشف عن طلبها الغريب من زوجها بعد أزمة عملية تجميل وجهها    حزب الله ينشر مشاهد من عملياته ضد قواعد الاحتلال ومواقعه شمالي فلسطين المحتلة (فيديو)    تعرف على سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    إصابة 9 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    متلازمة الصدمة السامة، ارتفاع مصابي بكتيريا آكلة اللحم في اليابان إلى 977 حالة    موعد صلاة عيد الأضحى المبارك في القاهرة والمحافظات    93 دولة تدعم المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة جرائم إسرائيل    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    «الموجة الحارة».. شوارع خالية من المارة وهروب جماعى ل«الشواطئ»    أثناء الدعاء.. وفاة سيدة من محافظة كفر الشيخ على صعيد جبل عرفات    إقبال متوسط على أسواق الأضاحي بأسيوط    كرة سلة.. عبد الرحمن نادر على رأس قائمة مصر استعدادا للتصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس    مش هينفع أشتغل لراحة الأهلي فقط، عامر حسين يرد على انتقادات عدلي القيعي (فيديو)    استقبال تردد قناة السعودية لمشاهدة الحجاج على نايل سات وعرب سات    عاجل.. رد نهائي من زين الدين بلعيد يحسم جدل انتقاله للأهلي    أنتم عيديتي.. كاظم الساهر يهنئ جمهوره بعيد الأضحى المبارك (فيديو)    تأسيس الشركات وصناديق استثمار خيرية.. تعرف علي أهداف عمل التحالف الوطني    غرامة 5 آلاف جنيه.. تعرف علي عقوبة بيع الأطعمة الغذائية بدون شهادة صحية    «التعليم العالى»: تعزيز التعاون الأكاديمى والتكنولوجى مع الإمارات    تشكيل غرفة عمليات.. بيان عاجل من "السياحة" بشأن الحج 2024 والسائحين    دعاء النبي في عيد الأضحى مكتوب.. أفضل 10 أدعية مستجابة كان يرددها الأنبياء في صلاة العيد    الدعم العينى والنقدى: وجهان لعملة واحدة    طريقة الاستعلام عن فاتورة التليفون الأرضي    قبل صلاة عيد الأضحى، انتشار ألعاب الأطفال والوجوه والطرابيش بشوارع المنصورة (صور)    اتغير بعد واقعة الصفع، عمرو دياب يلبي طلب معجبة طلبت "سيلفي" بحفله في لبنان (فيديو)    تزامنا مع عيد الأضحى.. بهاء سلطان يطرح أغنية «تنزل فين»    عاجل.. عرض خليجي برقم لا يُصدق لضم إمام عاشور وهذا رد فعل الأهلي    عاجل.. الزمالك يحسم الجدل بشأن إمكانية رحيل حمزة المثلوثي إلى الترجي التونسي    إقبال وزحام على محال التسالي والحلويات في وقفة عيد الأضحى المبارك (صور)    «المالية»: 20 مليون جنيه «فكة» لتلبية احتياجات المواطنين    إلغاء إجازات البيطريين وجاهزية 33 مجزر لاستقبال الأضاحي بالمجان في أسيوط    ملخص وأهداف مباراة إيطاليا ضد ألبانيا 2-1 في يورو 2024    خوفا من اندلاع حرب مع حزب الله.. «أوستن» يدعو «جالانت» لزيارة الولايات المتحدة    شيخ المنطقة الأزهرية بالغربية يترأس وفداً أزهرياً للعزاء في وكيل مطرانية طنطا| صور    للكشف والعلاج مجانا.. عيادة طبية متنقلة للتأمين الطبي بميدان الساعة في دمياط    حلو الكلام.. لم أعثر على صاحبْ!    بمناسبة العيد والعيدية.. أجواء احتفالية وطقوس روحانية بحي السيدة زينب    فحص 1374 مواطنا ضمن قافلة طبية بقرية جمصة غرب في دمياط    رئيس الوزراء يهنئ الشعب المصرى بعيد الأضحى المبارك    وزيرة الهجرة: تفوق الطلبة المصريين في الكويت هو امتداد حقيقي لنجاحات أبناء مصر بمختلف دول العالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجوم على الأزهر تجاوز جميع الأعراف
نشر في الوفد يوم 20 - 04 - 2017

لم يقتصر تأثير تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية الأسبوع الماضي على الخسائر البشرية والمادية التي نجمت عنهما، وإنما امتدت تداعياتهما إلى المؤسسة الدينية العريقة.. الأزهر، فبمجرد أن بردت نيران التفجيرات في موقع الحدث، اشتعلت تلك النيران مساء اليوم، ذاته في مواقع أخرى تركزت في الفضائيات التي شهدت أعنف هجوم على المشيخة، وهو الهجوم الذي جاء بعد المؤتمر الذي عقده الرئيس «السيسي» وأعلن خلاله مجموعة من الخطوات السريعة لمواجهة هذا الحدث الذي هز مصر، وهو ما أدى إلى الربط من قبل البعض بين الأمرين واعتبروا أن ذلك كان بمثابة الضوء الأخضر للهجوم على الأزهر.
غير أنه قد يكون من التبسيط المخل والنظرة السطحية للأمور التعامل مع الموقف على هذا النحو، حيث إن العلاقة بين مؤسسة الرئاسة بشكل خاص والسلطة الحاكمة بشكل عام، مع الأزهر علاقة بالغة التعقيد والتداخل بشكل يصعب معه اعتبار أن هناك ما يمكن وصفه بصراع مؤسسات، فضلاً عن إرجاع هذا الصراع إذا وجد إلى حدث واحد أو تأثيرات هذا الحدث أياً كانت ضخامته، وإن كان ذلك لا ينفي أن مجريات المشهد في النهاية بدت وكأنها صراع على من له الحق في أن يملك السلطة والسيطرة على المؤسسة النافذة.. الأزهر.
يتطلب منا التعامل مع هذا الأمر، سعياً لتقديم رؤية تتسم بقدر من الموضوعية، الغوص في أبعاد علاقة مؤسسة الأزهر مع القيادة السياسية خاصة خلال فترة ما بعد ثورة يناير التي شكلت مجالاً لتحولات عدة في كافة المؤسسات في مصر، وقد كان الشيخ الطيب العامل المشترك على مدى هذه الفترة قبل الثورة وبعدها، حيث تولى المشيخة عام 2010، فضلاً عن ارتباطه الوظيفي والسياسي بكافة القيادات التي تولت على مدار السنوات الست أو السبع الماضية.
وعلى مدى السطور المقبلة سنحاول تحليل مظاهر الأزمة انطلاقاً من فرضية أن هناك أزمة- سنعرض أسباباً في التأكيد على وجودها- ثم أسباب الأزمة وتداعياتها على صعيد العلاقة بين الأزهر كإحدى مؤسسات الدولة وقيادتها السياسية، وكذلك على صعيد القضية الرئيسية التي مثل ازدهارها سبباً للنزاع وهي مواجهة الإرهاب.
أزمة وليس خلافاً
على خلاف اللغة الدبلوماسية التي يحاول البعض استخدامها في مثل تلك المواقف، ومن ذلك إشارة كاتب مثل الدكتور عبدالمنعم سعيد إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون اختلاف وجهات نظر، فإن المتابع لطبيعة العلاقة القائمة بين القيادة السياسية والأزهر فيما بعد 30 يونية يلمس حقيقة أنها ترتقي إلى مستوى الأزمة وذلك رغم أن الشيخ الطيب بصفته كان أحد أبرز الرموز الداعمة لما حدث آنذاك وكان وقوفه، والبابا «تواضروس» إلى جانب الرئيس «السيسي» لدى إعلانه عن الإطاحة بحكم «مرسي»، من الجوانب التي وفرت مزيداً من الشرعية والقبول لدى المواطن للتطورات التي عاشتها مصر في تلك الفترة، غير أن التطورات على مدى السنوات الأربع الماضية طرحت بعض التساؤلات بشأن طبيعة العلاقة وكان على رأس مظاهر تغير تلك العلاقة:
أ- الهجوم الحاد الأخير الذي شنه العديد من مذيعي الفضائيات والكُتاب على شيخ الأزهر، وهو هجوم تجاوز كافة الأعراف المتعارف عليها في التعامل مع الخصم، خاصة مع مؤسسة لها مثل هذا الاحترام في وجدان المواطن المصري، لا نريد الاستطراد ولكن يمكن تلخيص الأمر بأنه تجاوز كافة الخطوط الحمراء واستهدف دفع الشيخ دفعاً للاستقالة.
ورغم أن ذلك قد لا يكون، كما أشار البعض، بتوجيه من الدولة، وهو أمر يبقى محل أخذ ورد، إلا أن صدوره على النحو الذي تم به، في شكل «سيمفونية انتقاد»، يشير في أفضل التوصيفات صياغة إلى أن هناك حالة ضيق لدى النظام السياسي من شيخ الأزهر.
ب– مظهر ثانٍ من مظاهر الأزمة يتمثل في خطاب القيادة السياسية بشأن الأزهر ودوره رغم اللغة الدبلوماسية التي بدا عليها مثل هذا الخطاب، إلا أن هذه اللغة لم تمنع الاستنتاج بوجود حالة توتر مكتوم ساد الحرص على أن تبقى طي الكتمان، تحقيقاً لهدف الانسجام بين مؤسسات الدولة، غير أن الظروف كانت أقوى من هذا الحرص، فخرجت الأزمة إلى العلن.
ج– مظهر ثالث يتمثل في الكشف عن مشروع قانون أعلن عنه النائب محمد أبوحامد لتعديل قانون تنظيم الأزهر رقم 103 لسنة 1961، وهو مشروع حسب «أبوحامد» يهدف إلى وضع مجموعة من «القواعد والضوابط» بشأن تشكيل الأزهر، وهو ما يكشف عن حالة عدم رضاء من الوضع القائم الحالي للأزهر.
تراجع الانسجام مع الأزهر
في ضوء العلاقة المتينة التي ربطت بين الأزهر والدولة من انسجام، فإن ذلك يفرض القول إن هناك أسباباً قوية أدت إلى تحول مثل تلك العلاقة للتوتر المأزوم الذي انعكس في المظاهر التي أشرنا إلى أبرزها في السطور السابقة، بمعنى آخر يمكن القول بتحلل حالة الانسجام تلك على خلفية تلك الأسباب ويأتي على رأسها:
أ - تجديد الخطاب الديني: ففي ضوء تصاعد العمليات الإرهابية التي تواجهها مصر بعد 30 يونية كان تفكير القيادة السياسية في أن أحد أساليب مواجهة هذا التنامي يتمثل في ضرورة التعجيل بتجديد الخطاب الديني وهو الأمر الذي دعا إليه الرئيس «السيسي» عام 2015 منيطاً بالأزهر وشيخه القيام على هذه المهمة، غير أنه بعد ثلاث سنوات كانت الرؤية أن الشيخ لم يأخذ المهمة بالجدية المطلوبة, ما أفرغ الدعوة من مضمونها، في الوقت الذي تواجه فيه مصر أخطار مواجهة تفرض عليها مثل هذه الخطوة.
ب– الموقف من «داعش»: رغم أنه من الصعب التعويل على هذا السبب في تفاقم الأزمة بين الأزهر والنظام باعتبار انه ليس هناك تباين يعول عليه في إثارة خلاف بينهما، إلا أن الاختلاف يبدو في شكل التعامل وليس في طبيعة الموقف، وفي حدود الروايات المتواترة بشأن الخلاف يبدو أن الأزهر رفض تبني طلب بتكفير «داعش» التي يرى النظام أنها منظمة إرهابية، ويصف أعضاءها بأنهم ليسوا مسلمين، إلا أن شيخ الأزهر قال خلال أحد لقاءاته «داعش لا أستطيع أن أكفرها، ولكن أحكم عليهم أنهم من المفسدين في الأرض»، وقد قدم شيخ الأزهر في هذا الصدد مبرراته ورؤيته، وإن ظل الأمر موضع هجوم متواصل على «الطيب» على الأقل لعدم وقوفه بشكل حازم ضد التنظيم، وإن كان هذا السبب يأتي في مرحلة متأخرة في تقديري بشأن أسباب الأزمة.
ج - الطلاق الشفوي: قد لا ينازع أحد في أن هذه القضية قد تكون أبرز الأسباب التي فاقمت توترات ظلت مكتومة بشأن مواقف الأزهر وشيخه وحدود تباينها مع رؤى الدولة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها.
ففي ضوء رؤيته لتردي الأوضاع الاجتماعية على خلفية هذه القضية– وقد يكون لديه الكثير من الحق في هذا الشأن– دعا الرئيس «السيسي» في كلمة ألقاها يناير الماضي بمناسبة الاحتفال السنوي بعيد الشرطة- إلى إصدار قانون يقضي «بألا يتم الطلاق إلا أمام مأذون»، أي حظر الطلاق شفوياً، وقد يبدو الطرح الرئاسي مقبولاً ولو بمنطق إعمال الاجتهاد من قبل الفقهاء ودراسة الأمر في ضوء تطورات الواقع، غير أن الأزهر رفض دعوة الرئيس، مؤكداً أن هذا الأسلوب مستقر عليه منذ عهد النبي.
وبغض النظر عن حقيقة أن الاختلاف بشأن طبيعة هذه القضية– الطلاق الشفهي- قد يكون وارداً ومن المفترض ألا يثير أية مجال للتأويل بشأن وجود أزمة من عدمه إلا أن رد هيئة كبار العلماء عبر في جانب منه عن بُعد سياسي يتجاوز البعد الفقهي المكلف به رغم صعوبة الفصل بين الجانبين حين قال انه: «على مَن «يتساهلون» في فتاوى الطلاق(...) أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم».
ونتجاوز هنا في تحديد أسباب الأزمة عن بعض الأسباب التي تتعلق بالمنافسة بين وزارة الأوقاف ومشيخة الأزهر على خلفية عديد من القضايا لعل من أهمها قضية توحيد خطبة الجمعة والتي يبدو أنها كانت أحد الخيارات أمام الدولة من أجل ترشيد الخطاب الديني، الأمر الذي وقف له الأزهر وشيخه بالمرصاد وانتهى بتدخل الدولة ممثلة في الرئيس «السيسي» وانتصر فيه للشيخ «الطيب»، فيما قد يكون محاولة لترميم علاقة بدا أنها أصيبت بالشرخ على خلفية خلافات سابقة.
سحابة صيف في علاقة راسخة
في ضوء العرض السريع السابق، يبدو جلياً الحالة الحرجة التي وصلت إليها علاقة الأزهر بالنظام السياسي والتي تدفع بكلا الطرفين إلى محاولة كبحها منعا لمزيد من التفاقم في ضوء اعتبارات أساسية تسم موقف كل طرف من الطرفين نعرض لها على النحو التالي، فعلي صعيد موقف «الطيب» والأزهر يمكن الإشارة إلى ما يلي:
أ – الطبيعة الشخصية لشيخ الأزهر، فلا يمكن القول إنه رجل ثوري ممن يتمتعون ويستمتعون بالرغبة في خوض المعارك، حيث إنه خرج من عباءة النظام السياسي القائم في معناه العام سواء ما قبل ثورة يناير أو بعدها، فقد كان عضواً في لجنة السياسات خلال نظام «مبارك»، كما أنه التزم موقفاً متحفظاً تجاه ثورة يناير، وهو ما يعني أن الشيخ، بالنسبة للنظام، ليس الشخصية العصية على التطويع، فضلاً عن هذا وذاك فقد كان أحد المناصرين بصورة لا تقبل للشك ل30 يونية.
ب– طبيعة علاقة المشيخة بالنظام، حيث إنها تتسم على مدار تاريخها مع استثناءات محدودة بالتبعية، وقد كانت صوت النظام السياسي في مراحل تاريخية مختلفة والمعبرة عن رؤيته للدين ودوره في المجتمع، وهو ما يزيد من عوامل التقارب وليس التأزم، وقد يجعل من الأزمة الحالية مجرد سحابة صيف في علاقة راسخة.
وأما على صعيد موقف النظام السياسي فيمكن القول إن من العوامل التي تدفعه وتفرض عليه التهدئة وعدم التصعيد مع الأزهر حتى ولو من خلال مفاهيم «المعارك بالوكالة» من خلال مندوبين ممثلين في إعلاميين أو برلمانيين:
ثقل مؤسسة الأزهر: حيث تمثل المشيخة في الضمير المصري المرجعية الدينية التاريخية بغض النظر عن أية تحفظات على أدائها وهو ما يجعل أي صدام معها صداماً مع الجمهور، ويكفي في هذا الصدد متابعة حجم الرفض الشعبي للهجوم الأخير على الأزهر من قبل بعض الإعلاميين، مما يقوض من رصيد أي طرف يدخل في حالة خصام مع هذه المؤسسة، بل ومسارعة العديد من الأحزاب السياسية لتأكيد وقوفها إلى جانب أي حملات على الأزهر، وإذا وضعنا في الاعتبار أن النظم السياسية وخاصة عالمنا الإسلامي تستمد جانباً من مشروعيتها من خلال توظيف الدين لتعزيز أوضاعها، فإنه يمكن تصور حجم الخسارة التي يمكن أن تلحق بأي نظام يخوض خلافاً علنياً وغير محكوم مع مؤسسة مثل الأزهر.
الدور الخارجي للأزهر: حيث تمثل المشيخة ما يمكن وصفه بنوع من «الرأسمال الرمزي» للدولة المصرية سواء في العالم الإسلامي أو غيره.. وهي بمثابة هرم رابع إلى جانب أهراماتها الثلاثة، فمصر بلد الأزهر بذات القدر التي هي فيه بلد الأهرامات، وهو ما يعني أن النيل من الأزهر يمثل نيلاً من الدولة المصرية ذاتها، ومن المتصور أن أي توجه رشيد يجب أن ينأى عن مثل هذا المنهج.
تآكل التأييد للنظام: فمن العوامل التي تفرض على النظام السياسي الحذر في التعامل مع الأزهر بالذات التحول الذي حدث في طبيعة القوى المؤيدة للنظام والتآكل الذي حدث في مستوياتها المختلفة، ما يجعل الأزمة مع الأزهر تؤكد أن العيب ليس فيه، وإنما في النظام الذي يكاد أن يكون قد اختلف مع الجميع، وحتى لا يتكرس المفهوم الذي يحاول البعض من الخصوم ترويجه بأن النظام يأكل أبناءه.
بعيداً عن كل هذه الجوانب فإن الشق الموضوعي– السبب الرئيسي في الأزمة وهو تجديد الخطاب الديني– يفرض على الطرفين قدراً من التأني والروية في التعامل مع الطرف الآخر:
فعلى مستوى الأزهر، فمن ناحية أولى من الواجب الإقرار من القائمين عليه قبل غيرهم بأن عملية تجديد الخطاب الديني سواء بالمفهوم الذي تريده الدولة أو بمفهوم مواكبة تطورات العصر، لم تطله أو تطل مناهج التدريس فيه وهو ما ينعكس في تخريج طلاب ذوي تفكير كلاسيكي يعكسون الصورة النمطية عنهم في المجتمع للدرجة التي أصبحت معها صفة «أزهري» تمثل– للأسف– سبة من منظور البعض! فرغم الثورة العلمية في المناهج وطرق التفكير إلا أنه من الواضح أن ذلك لم يصل إلى أروقة الأزهر بالشكل المناسب على نحو ينال من مكانة المشيخة ذاتها بغض النظر عن طبيعة علاقاتها في محيطها الداخلي أو الخارجي.
من ناحية ثانية ومع الإقرار بصعوبة إن لم يكن استحالة التدخل في كتب التراث، والتي تحوي الكثير من القضايا والموضوعات التي تدخل في إطار اللامعقول، إلا أن غرس التفكير النقدي لدى الطلاب قد يمثل الوسيلة الموضوعية التي يمكن من خلالها تجاوز أي تأثيرات يراها البعض سلبية لدراسة كتب التراث بما تحويه من مواد قد تكون غير مناسبة لعصرنا، وإذا كان المجال هنا ليس متاحاً لتناول هذا الجانب بالتفصيل، فإننا نشير إلى أن هناك العديد من الكتابات الفكرية التي تناولته بالتحليل بشكل يمكن للأزهر أن يستفيد منه ويراكم على الجهود التي بدأها علماء مسلمون وعرب في هذا الصدد.
من ناحية ثالثة، فإن الأزهر وقياداته يجب أن يتخلوا عن الحساسية من النقد والربط بين شخصياتهم ومهمة المؤسسة التي يرتبطون بها، فإذا كان الأزهر يقوم على الحفاظ على الدين الذي من المفترض ألا يتعرض للنقد في بنيانه التأسيسي نظراً لطابعه المقدس في منظور المؤمنين به، فإن قيادات الأزهر بشر يمكن أن يخطئوا ويصيبوا ويكونون عرضة للنقد وإن وجب أن يتم ذلك في إطار موضوعي.
على مستوى النظام السياسي، فمن الواضح أنه وتحت وطأة وضغط الأزمة التي يعيشها والتي تتمثل في تفاقم عمليات الإرهاب بشكل فاق قدرته على المواجهة، تصور أن عملية تجديد الخطاب الديني يمكن أن تتم بين يوم وليلة، أو بتعبير البعض أنها يمكن أن تتم ب«كبسة زر»، وهو تصور بالغ الخطأ، حيث إن تجديد الخطاب الديني عملية فكرية ومجتمعية طويلة الأمد ولن تؤتي أكلها في حينه، وقد تستغرق عقوداً، وإن كان يجب على الجهات القائمة عليه عدم الركون إلى ذلك، وإنما إطلاق إشارة البدء، وهو الأمر الذي نتصور في حدود متابعتنا لما تم في هذا الصدد لم يجر من الأزهر على النحو الذي يرضي النظام السياسي أو يؤشر في أي الأحوال إلى أن «قطار» تجديد الخطاب الديني قد غادر محطته الأولى!
من ناحية ثانية، فإنه يجب على النظام عدم التعويل بشكل كبير على دور عملية تجديد الخطاب الديني في القضاء على الإرهاب، بغض النظر عن مداها الزمني وإمكانية الإسراع والتعجيل بها، فالإرهاب وليد عوامل متعددة لا يشغل الجزء المتعلق بالخطاب الديني سوى أحد جوانبه، والتفصيل في هذا الجانب قد يجرنا إلى جوانب تبعد بنا عن موضوعنا وقد نفرد لها تناولاً مستقلاً.
سبل احتواء الأزمة
رغم كل الاعتبارات التي تفرض تجاوز هذه الأزمة، والتي زاد من اشتعالها مجموعة من الإعلاميين أساءوا قراءة موقف الدولة، حيث إنها من المستحيل أن تدعوهم مهما كان الخلاف إلى هذا المستوى المتدني في التعامل مع أحد ممثليها، إلا انه يبقى أن مسار العلاقة بين الأزهر والنظام السياسي دخل مرحلة شائكة يرتبط الخروج منها أو التقوقع فيها بطبيعة التعاطي معها من قبل طرفيها.
فمن الأفضل للنظام السياسي– سواء كان ذلك ضمن مساعيه من البداية أم لا وإن كنا نشك انه هدف أصيل– اختفاء الشيخ الطيب من المشهد بالإقالة أو الاستقالة، وإذا كان البديل الأول من الصعوبة بمكان في ضوء القيود الدستورية التي تعيقه، فإن البديل الثاني يبقى قائماً رغم ممانعات الشيخ وتأكيده في معرض الرد غير المباشر على هذا الطرح «انه ليس ممن يتخلى عن أمانته وواجبه وأنه باق في عمله لخدمة الوطن والدين»، غير أن النجاح الحقيقي للنظام يتمثل في استيعاب هذا الاختلاف وتجاوزه والعمل مع الأزهر وشيخه وإن كان هذا الأمر ضئيل الاحتمال.
من ناحية ثانية فإن تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الإرهاب سلاح ذو حدين، وهو أمر يرتبط بطبيعة تشكيله، حيث بادر البعض بالإشارة إلى أنه يمثل محاولة لتهميش دور الأزهر، وهو ما قد يزيد من التوتر حال عدم الاستعانة بقيادات أزهرية فيه، وإن كنا نرى أن هذا المجلس قد يمثل الصيغة المثلى لتجاوز الأزمة باعتبار تعامله مع القضية المحورية وهي الإرهاب من منظور أشمل يتجاوز التركيز على الجانب الديني الذي لا يمثل– كما ذكرنا– سوى بعدٍ واحدٍ، وفي ذات الوقت، فإنه يرفع العبء عن الأزهر في القيام على عملية تجديد ديني لا يريدها لأسباب هيكلية تتعلق بعدم قدرته أو لأخرى فكرية تتعلق بعدم رغبته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.