أسعار العملات العربية والأجنبية أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير.. سعر الذهب يقفز 640 للجنيه اليوم الثلاثاء بالصاغة    استعدادًا للتشغيل.. محافظ مطروح يتابع تأهيل سوق الخضر والفاكهة بمدخل المدينة    وزير الخارجية: نتوقع من المنتدى المصري الخليجي الاتفاق على صفقات كبرى لضخ استثمارات في مصر    سوريا توقع على إعلان تعاون مع التحالف الدولي لمواجهة "داعش"    الكنيست يصدّق بالقراءة الأولى على مشروع قانون لإعدام أسرى فلسطينيين    نفسنة أم نصيحة، روني يشن هجوما جديدا على محمد صلاح    «في مبالغة».. عضو مجلس الأهلي يرد على انتقاد زيزو بسبب تصرفه مع هشام نصر    انهيار جزئي من عقار قديم بالمنيا دون خسائر بشرية    أمطار على هذه المناطق.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    وزارة الداخلية تكشف ملابسات واقعة السير عكس الاتجاه بالجيزة    انهيار جزئي لعقار قديم قرب ميدان بالاس بالمنيا دون إصابات    التعليم تعلن خطوات تسجيل الاستمارة الإلكترونية لدخول امتحانات الشهادة الإعدادية    بعد طلاقها من كريم محمود عبد العزيز.. رضوى الشربيني داعمةً آن الرفاعي: «المحترمة بنت الأصول»    وداعا إسماعيل الليثى.. كاريكاتير اليوم السابع يرثى المطرب الشعبى ونجله ضاضا    مع دخول فصل الشتاء.. 6 نصائح لتجهيز الأطفال لارتداء الملابس الثقيلة    من البابونج للسلمون.. 7 أطعمة تساعد على تقليل الأرق وتحسين جودة النوم    بعد إثارتها في مسلسل كارثة طبيعية، استشاري يكشف مدى حدوث الحمل بسبعة توائم    استغاثة أم مسنّة بكفر الشيخ تُحرّك الداخلية والمحافظة: «رعاية وحماية حتى آخر العمر»    وزير الخارجية ل«القاهرة الإخبارية»: مصر لن تسمح بتقسيم السودان تحت أي ظرف من الظروف    التخضم يعود للصعود وسط إنفاق بذخي..تواصل الفشل الاقتصادي للسيسي و ديوان متفاقمة    محدش يزايد علينا.. تعليق نشأت الديهى بشأن شاب يقرأ القرآن داخل المتحف الكبير    نجوم الفن يتألقون على "الريد كاربت" في العرض الخاص لفيلم السلم والثعبان 2    النائب العام يستقبل وزير العدل بمناسبة بدء العام القضائي الجديد| صور    نيسان قاشقاي.. تحتل قمة سيارات الكروس أوفر لعام 2025    بسبب خلافات الجيرة.. حبس عاطل لإطلاقه أعيرة نارية وترويع المواطنين بشبرا الخيمة    مشهد إنساني.. الداخلية تُخصص مأمورية لمساعدة مُسن على الإدلاء بصوته في الانتخابات| صور    زينب شبل: تنظيم دقيق وتسهيلات في انتخابات مجلس النواب 2025    ترامب: سوريا جزء مهم من الشرق الأوسط وأنا على وفاق مع الشرع    المغرب والسنغال يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية والتحضير لاجتماع اللجنة العليا المشتركة بينهما    قوات الاحتلال الإسرائيلي تصيب فلسطينيًا بالرصاص وتعتقله جنوب الخليل    مفوضية الانتخابات بالعراق: أكثر من 20 مليون ناخب سيشارك في الاقتراع العام    سعر الفول والدقيق والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    صلاة جماعية في البرازيل مع انطلاق قمة المناخ "COP30".. صور    مروان عطية: جميع اللاعبين يستحقون معي جائزة «الأفضل»    بي بي سي: أخبار مطمئنة عن إصابة سيسكو    اللعنة مستمرة.. إصابة لافيا ومدة غيابه عن تشيلسي    تجنب المشتريات الإلكترونية.. حظ برج القوس اليوم 11 نوفمبر    المعهد الفرنسي يعلن تفاصيل الدورة الخامسة من مهرجان "بوبينات سكندرية" السينمائي    اليوم السابع يكرم صناع فيلم السادة الأفاضل.. صور    لماذا تكثر الإصابات مع تغيير المدرب؟    تقارير: ليفاندوفسكي ينوي الاعتزال في برشلونة    إصابة الشهري في معسكر منتخب السعودية    خطوة أساسية لسلامة الطعام وصحتك.. خطوات تنظيف الجمبري بطريقة صحيحة    ياسمين الخطيب تعلن انطلاق برنامجها الجديد ديسمبر المقبل    نقل جثمان المطرب الراحل إسماعيل الليثي من مستشفى ملوي بالمنيا لمسقط رأسه بإمبابة    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    رجال الشرطة يجسدون المواقف الإنسانية فى انتخابات مجلس النواب 2025 بالإسكندرية    أوكرانيا تحقق في فضيحة جديدة في شركة الطاقة النووية الوطنية    لماذا يجب منع الأطفال من شرب الشاي؟    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    هبة عصام من الوادي الجديد: تجهيز كل لجان الاقتراع بالخدمات اللوجستية لضمان بيئة منظمة للناخبين    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية «مخطوطات نجع حمادي»
نشر في الوفد يوم 16 - 04 - 2017

أحد «الجمّالين» يكتشفها داخل «جرّة» فى الجبل.. وأمه تحرق بعضها فى الفرن
عالم مصريات إنجليزى يشتريها عبر صفقة من 9 وسطاء
«بباوى» شاهد العيان الباقى: قدمت خدمات كبيرة للخبير البريطانى.. ونادم لأن المخطوطات تحتوى على «هرطقات دينية»
مكتشف الكنز ينتقم من قاتل أبيه ويأكل قلبه فى حادث ثأر
فى مطلع السبعينيات توقف القطار القادم من القاهرة على محطة سكك حديد مدينة نجع حمادى شمال قنا، كان الركاب يعرفون وجهتهم، عدا ذلك الأجنبى الوسيم والفارع الطول، والذى دفع الأهالى للتجمهر حوله، ذهب الأجنبى وتحدث إلى صاحب سيارة أجرة باللغة الإنجليزية فلم يفهمه، ورغم ذلك استقل الشاب الذى بدا وكأنه مغامر السيارة، وكان السائق يتحدث معه بلغة الإشارة، فى تلك الأثناء كان مدرس اللغة الإنجليزية «حلمى صهيون» يترجل بالصدفة البحتة فى الشارع، وكان المدرسون عددهم قليلاً ومعروفين لكل الناس، استوقف سائق السيارة «حلمى صهيون» وطلب منه أن يتحدث مع الأجنبى الذى يستقل سيارته ليعرف وجهته وماذا يريد.
ما الذى يجعل أستاذًا زائراً فى جامعة «كليرمونت» الأمريكية، فى تخصص المصريات، يأتى إلى بلدة صغيرة اسمها نجع حمادى كل مقوماتها مصنع لتكرير السكر وآخر لتصنيع خام الألمونيوم وقصر لحفيد إبراهيم باشا بن محمد على الكبير، هو الأمير يوسف كمال؟! قال جيمس روبنسون لمدرس اللغة الإنجليزية «حلمى صهيون» إن سبب زيارته هو إعداد دراسة عن مخطوطات نجع حمادى التى تم العثور عليها مصادفة سنة 1945، وأحدثت دويًا هائلاً على المستوى العالمى نظرًا لمحتواها الدينى والفلسفى، أقام «جيمس روبنسون» فى فندق متواضع عدة أيام ثم غادر إلى القاهرة.
بعد ذلك بسنوات رحل «حلمى صهيون» عن نجع حمادى واستقر بالقاهرة بعدما ترقى وأصبح مفتشًا بالتربية والتعليم، وكان على اتصال بالأمريكى جيمس روبنسون، وفى سنة 1975 كان «إبرام بباوى» مدرس اللغة الإنجليزية فى زيارة ل«حلمى صهيون» فى منزله وسط القاهرة وربطتهما صلة قرابة، وهناك التقى بالأمريكى «جيمس روبنسون» وتعارفا، كان «بباوى» يتحدث الإنجليزية بطلاقة أبهرت «روبنسون» وعرف الأمريكى أنه أمام شخصية لها ثقل اجتماعى واقتصادى بالنسبة لمجتمع صغير كنجع حمادى، كونه أحد أبناء المزارعين الأقباط وله ملكيات زراعية فى قريتى «هو»، و«القصر والصياد» جنوب وشرق نجع حمادى، وكذلك ملكيته من العقارات وأهمها عقار فى وسط المدينة، وكون شقيقه الصيدلانى «ينى بباوى» من الأوائل الذين امتلكوا صيدليات فى المدينة، كل تلك المقومات جعلت «إبرام بباوى» يلعب دورًا محوريًا فى الأحداث التالية، ونفس المقومات حفزت «جيمس روبنسون» أن يطلب منه أن يرتب له مقابلة فى أقرب وقت مع جمّال يدعى «محمد على السمّان خليفة».
قبل لقاء روبنسون وإبرام بباوى بنحو 30 سنة، وتحديدًا فى أحد أيام ديسمبر 1945 من القرن الماضى، خرج الشقيقان محمد وخليفة على السمان من قريتهما «القصر والصياد»، وكانا يعملان جمّالين، إلى جبل الطارف القريب من قريتهما، لجلب الأسمدة العضوية من جرف الجبل لتسميد الأرض الزراعية بتكليف من أحد مزارعى القرية نظير أجرهما، عبأ الأخوان «سمّان» السلال على ظهور الجمّال بالأسمدة العضوية، وأثناء قيام محمد السمّان بإنهاض الجمّل من الأرض سقطت سلة أسمدة من فوق الجمّل وأحدثت صوت ارتطام بالأرض، تبين صاحب الجمّل الأمر بمعاوله فظهرت فى جرف الجبل جرة مصنوعة من الفخار ومطلية بالقار ومختومة بختم برموز عجز «السمّان» عن تفسيرها، وخشى أن يكون داخلها جنّ، ولكنه استجمع شجاعته وكسرها بمعوله فربما كانت تحوى كنزًا أو «لقية»، كُسرت الجرة الفخارية وظهرت أوراق قديمة من البردى عليها مكتوبة نصوص بلغة غريبة وملفوفة بعناية فى أغلفة من الجلد القديم، التقط «السمّان» الأوراق وربطها بعناية فى نهاية جلبابه وغادر الجبل وشقيقه إلى منزلهما فى القرية، وسلما ما وجداه إلى أمهما فى «القصر والصياد» التى خبأت الكتب فوق سطح المنزل المتواضع.
يرجح المؤرخون أن «القصر والصياد» كانت المركز التجارى لعاصمة الإقليم السابع «حوت سخمو إى» أو قرية «هو» حاليًا شمال مدينة قنا، بسبب الضرائب الضخمة التى فرضها الملك تحتمس الثالث أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة فى عصر الدولة الحديثة فى الحقبة الفرعونية عليها، وبلغت 6 سبائك ذهبية وواحدة فضة، وألف رغيف، وعدد من سلال الغلال، وستة عجول متفاوتة الأعمار، وثور، و500 إوزة، وذكرها المؤرخ جيمس بيكى «خينوبو سكيون» أى المكان الذى يرعى فى الإوز، كما تتلمذ فى القرية ذاتها الأنبا «باخوميوس» الذى أسس رهبنة الشركة أو إقامة الرهبان فى دير واحد بدلاً من التوحد فى الجبال، على يد الأنبا «الأنبا بلامون» صاحب الدير الوحيد فى العالم الذى يحمل اسمه، والقرية جغرافياً تقع فى محيط جبل الطارف الذى يصنفه الجغرافيون كونه خزينة الآثار التى حفظت آثارًا أكثر من حقبة بمأمن عن عبث اللصوص وقسوة الطبيعة وتقلباتها.
بعد عثور «السمّان» على المخطوطات بستة شهور وتحديًدا فى 7 مايو 1945، قتل الأب «على السمّان خليفة» أثناء أدائه وظيفته كحارس على المعدات الزراعية فى حقول القصب حيث وُجد مقتولاً بطريقة بشعة فى الصباح، تقول وثائق أمريكية إن أبناء «السمّان» اقتصوا لأبيهم بطريقة تفوق فى بشاعتها طريقة قتل أبيهم، تلقى الوثائق الضوء على تفاصيل تلك الحادثة وتورد أن محمد السمان استدل على قاتل أبيه من أحد الجيران وأخبر أمه وأشقاءه، فخرجت الأم وأبناؤها السبعة إلى الشارع وقاموا جميعًا بقتل المزارع ومثلوا بجثته وقطعوا أطرافه واستخرجوا قلبه والتهموه جميعًا ثأرًا لأبيهم!.
كان القتيل الأخير الذى تم التمثيل بجثته من عائلة كبيرة فى قرية مجاورة، وردت عائلته بقتل أحد أبناء «السمّان»، كما حاول نجل القتيل وكان شابًا فى مقتبل العمر أن يقتل «محمد على السمّان خليفة» وأصابه بطلق نارى جوار القلب لكنه نجا من الموت بأعجوبة، ولكنه ظل مطاردًا هو وأشقاءه من وزارة الداخلية بسبب ارتكابهم جريمة القتل ثأرًا لأبيهم، كل تلك الأحداث أجلت تفكير عائلة «السمّان» فى محتويات الجرة الفخارية التى تحتفظ بها الأم فوق سطح المنزل، سوى تفكير الأم أن ما تحويه الكتب من طلاسم مكتوبة بلغة غير مفهومة سبب ما يمرون به من أزمات وتعقيدات فى حياتهم، قررت الأم أن تستخدم الكتب القديمة كوقود فى إحماء الفرن البلدى الذى تستخدم فى تلك الفترة لإنضاج الخبز الشمسى فى بيوت المزارعين للتخلص من لعنتها حسب اعتقادها.
بدأت الأم فى إحراق المخطوطات والتهمت النيران المخطوط السابع منها بالفعل، وتدخل نجلها محمد السمّان ليوقفها عن إكمال ما بدأته، وقرر رغم كونه مطاردًا من الشرطة أن يعرف ماهية تلك الكتب، وحمل المخطوط الثالث إلى كاهن القرية الذى يثق به، عرف القمص باسيليوس عبدالمسيح أن المخطوط أثرى وأخبر «السمّان» أنه ربما يكون مخطوطًا قبطيًا، فطلب الجمّال من القس أن يحتفظ بها وجلب له باقى المخطوطات أيضًا لتكون بعيدة عن أعين الشرطة لو قامت بمداهمة منزله بحثًا عنه أو عن الأسلحة.
كان صهر القس مدرسًا للغة الإنجليزية ويدعى راغب أفندى أندراوس وكان يتنقل بحكم وظيفته فى مدارس المنطقة، وتصادف أن استقر فى تلك الفترة فى «القصر والصياد» وزار منزل شقيقته وعندما رأى المخطوط الثالث أدرك قيمته المحتملة وأقنع زوج شقيقته أن يمنحه له ووافق القس، فسافر «أندراوس» إلى القاهرة وطلب مقابلة الطبيب جورج صبحى الذى كان مهتمًا باللغة القبطية فى المتحف القبطى، وأدرك « صبحى» أهمية المخطوط فطلب شراءه لصالح المتحف القبطى، وتنازل عنه راغب أفندى أندراوس نظير مبلغ 250 جنيهًا، وكان ذلك فى 4 أكتوبر 1946وكان ذلك المخطوط أول المخطوطات التى تصل إلى المتحف القبطى.
لم تجب الوثائق الأمريكية عن عدة أسئلة ومنها هل اقتسم راغب أفندى أندراوس ثمن المخطوط مع محمد السمان؟ وكيف استعاد الأخير بقية المخطوطات من القمص باسيليوس عبدالمسيح.
عاد إبرام بباوى إلى نجع حمادى ليبحث فورًا عن «محمد على السمّان خليفة» ويحقق طلب «جيمس روبنسون»، كان يعمل تحت رئاسة «بباوى»، حيث كان يشغل ناظر مدرسة الإعدادية بنين، مدرسًا يدعى «وديع فلتاؤوس»، وكان يقيم فى «القصر والصياد»، نجح «بباوى» فى الوصول إلى السمّان عن طريق مرؤوسه فى المدرسة، وأبلغ روبنسون الذى تحمس للمجىء بسرعة.
ذاكرة إبرام بباوى وهو الشاهد الوحيد على الأحداث الباقى على قيد الحياة، أصابها الوهن بعد أن بلغ من العمر نحو 90 عامًا، طرقت على باب المنزل الكبير وسط المدينة ففتح نجله، ترجّل بباوى إلى الغرفة التى تزينها صورة تذكارية للأسرة مع روبنسون، بصعوبة بالغة، نشط الرجل التسعينى ذاكرته ل«الوفد».. قدمت خدمات كثيرة لجيمس روبنسون وارتبطت بصداقة معه رغم أننى غير سعيد بما تحويه هذه المخطوطات من كتابات وهرطقات دينية.
يصف «بباوى» اللقاء الأول بين «السمّان» و«روبنسون».. ذهبنا للقرية وعندما خرج الأول من منزله احتفى به روبنسون وكأنه وجد كنزًا والتقط له ومعه عشرات الصور إضافة إلى كل أفراد أسرته وبالطبع والدته التى أحرقت أحد المخطوطات، بكاميراته المتطورة فى ذلك الوقت من نوعية (Bolaroid)، والتى كان يستخدمها فى توثيق حفائره فى جبل الطارف، وطلب عالم المصريات من «السمّان» أن يسرد له كل تفاصيل عثوره على الجرة الفخارية ولا يهمل أيًا منها وكان يسجل كل كلمة ويستفسر عن أدق التفاصيل ويستوضحها أكثر من مرة ويدّون، ولكن السمّان رفض طلب جيمس روبنسون بالذهاب إلى موقع العثور على جرة الفخار بسبب حادث الثأر القديم يروى بباوى..حاول معه بكل الطرق المال، والحماية من الداخلية، وتغيير هيئته، لكنه رفض تمامًا، وكان هدف روبنسون أنه كان يعتقد أنه ربما يعثر على مخطوطات أخرى فى الجبل.
بعد بيع المخطوط الأول من ما يصطلح عليه علماء الآثار بمكتبة نجع حمادى التى تعود للقرن الرابع الميلادى، يروي «جيمس روبنسون» قصة بيع باقى المخطوطات داخل مصر وخارجها من خلال تفاصيل مهمة فى كتابيه (The Nag Hammadi Codices) و(The Nag Hammadi Library) حقق فيها بنفسه خلال زياراته المتكررة لنجع حمادى ومنطقة اكتشاف المخطوطات، يقول بعد بيع المخطوط الأول تناقل السكان فى «القصر والصياد» والقرى المجاورة قصة المخطوطات القديمة التى يحوزها السمّان، وأصبحت معروضة للبيع عبر الوسطاء المحليين، ومنهم «ناشد بسادة» الذى حاز مخطوطًا بمشاركة تاجر ذهب من مدينة نجع حمادى وقاما ببيعه واقتسما حصيلة البيع، وكذلك «فكرى جبرائيل» وهو تاجر غلال وكان يملك متجرًا فى القاهرة وأخر فى مدينة نجع حمادى وباع مخطوطًا بمبلغ كبير، ويشير عالم المصريات فى كتابيه أن معظم المخطوطات بيعت بواسطة تاجر آثار يدعى «زكى بسطا» كان يقيم فى مدينة قنا وكان الوسيط من الأشقياء «بهيج على أدم » وكان يعيش فى القرية، ويضيف روبنسون أن «بسطا» حاول بيع المخطوطات فى متجر «منصور» المتخصص فى بيع العاديات بفندق «شيبرد»، وباعها فى النهاية إلى متجر (Phocion J.Tano) فى القاهرة نظير مبلغ كبير من المال.
تناقل تجار العاديات فى القاهرة المخطوطات وكان منهم «ألبرت عيد» البلجيكى الجنسية الذى كان يدير صالة بيع آثار فى وسط القاهرة بموجب رخصة رقم 112 من مصلحة الآثار المصرية، واشترى المخطوط الأول وحاول بيعه فى صالة آثار (Ann Arbor) فى نيوريوك فى سنة 1949 وفشل، إلى أن قامت أرملته «سيمون عيد» فى أول مايو 1952 ببيع المخطوط إلى معهد «جانج زويتش Jung Institite of Zurich» فى ألمانيا، وسُمى المخطوط باسم المعهد، وبعد قيام ثورة يوليو 1952، أعلن الرئيس جمال عبدالناصر أن مخطوطات نجع حمادى مملوكة للدولة ممثلة فى المتحف القبطى وتمت مصادرة ما تبقى منها لدى تجار العاديات، وأقام ملاّك متجر (Phocion J.Tano) دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية بسبب المصادرة، انتهت بتعويضهم بمبلغ 4 آلاف جنيه نظير التنازل عنها لصالح المتحف القبطى الذى استرد فيما بعد المخطوطات التى بيعت خارج البلاد، وكان الدكتور طه حسين أصدر قرارًا مماثلاً أثناء تولية حقيبة وزارة المعارف قبل الثورة.
كان محتوى مخطوطات نجع حمادى وهو الفلسفة الغنوسية وهى فلسفة دينية مسيحية كتبها مجموعة من الرهبان فى أوائل القرن الرابع الميلادى فى توافد العديد من الباحثين من عدة دول لدراستها، وكان من هؤلاء «جيمس روبنسون» الذى بدأ اهتمامه بها منذ سنة 1960، كانت الظروف السياسية فى مصر لا تسمح بعمل الأجانب حيث وقع العدوان الثلاثى سنة 1956 وكذلك العلاقات الشائكة التى النظام المصرى فى ذلك الوقت بدول الغرب.
لجأ «جيمس روبنسون» إلى اليونسكو لإقناع الحكومة المصرية بالموافقة على دراسة المخطوطات وترميمها بطريقة علمية ونجح، يقول شاهد العيان إبرام بباوى إن الأمريكى كان يأتى كل سنة حتى بداية الثمانينيات، وارتبط بصداقة وطيدة مع الصيدلانى النوبى «هانى الزينى» الذى كان يشغل مدير مصانع سكر نجع حمادى وقتها، وكان مولعًا بعلم المصريات، وعمل أيضًا خبيرًا بالأمم المتحدة ومنحته الدولة وسام الاستحقاق قبل وفاته سنة 2013، ويضيف.. دعم الزينى روبنسون بإمكانيات شركة السكر حيث فتح له استراحة المصانع بعد أن كان يقيم فى فندق صغير على النيل فى نجع حمادى، وكذلك مده بسيارة لتنقلاته فى المدينة وقراها وجبل الطارف وكان يرافقه أحيانًا أثناء الحفائر، وكان يرافق روبنسون صديقته «أنيتا»، ويورد بباوى أنه دعا أفراد البعثة جميعًا للغذاء فى منزله وكان عددهم 13 فردًا ويتذكر منهم دوجلاس (Douglas Kuylensti) وكان طيارًا فى شبابه، وكانت مهمته توثيق عمل البعثة بالكاميرا الفوتوغرافية، و«سعدى سعفان» فلسطينى الجنسية، وكان سائق روبنسون وحارسه ويرافقه كظله.
فى سنة 1975 انتهى جيمس روبنسون وفريقه بالتنسيق مع اليونسكو من ترميم وإعداد دراسة متكاملة عن مخطوطات نجع حمادى المحفوظة حاليًا فى المتحف القبطى بالقاهرة، وبلغ عددها 12 مجلدًا تحوى 52 نصًا أو كتابًا عددها ألف و125 صفحة وكتبت باللغة القبطية وباللهجتين الصعيدية والإخميمة الجنوبية، وبمشاركة وإشراف علماء مصريين ومنهم الدكتور لبيب حبشى وباهور لبيب، ونشر روبنسون اكتشافه 1975 وترجم إلى الفرنسية والألمانية، وزار هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى المتحف القبطى لتفقد المخطوطات، وتم إعلان نتائج الاكتشاف فى احتفال كبير فى المتحف القبطى، وحرص «جيمس روبنسون» على دعوة صديقه إبرام بباوى الذى داعب الحضور فى كلمته التى ألقها بالإنجليزية «السُمّان طائر جميل ولحمه شهى بعكس محمد السمّان»!. ولم تنقطع علاقة روبنسون بباوى حتى بعد إنهاء عمله فى نجع حمادى، وكان حريصًا على زيارة صديقه بمنزله حتى أوائل التسعينيات، وعاش عالم المصريات أيامه فى نجع حمادى مثل المستشرقين كان يأكل الأكلات الصعيدية ويزور أصدقاءه فى القرى فى منازلهم وتمكن خلال زياراته المتعددة من رصد مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومنها إشكالية الثأر فى كتبه، كما زار ودرس امتداد جبل الطارف فى قرية «أبومناع» التابعة لمركز دشنا، وآثار قرية «هو»، و«فاو»، ونشر صديقه السويدى تورنى سودربرغ كتابًا عن مقابر عصر الدولة القديمة شرق نجع حمادى.
وبفضل دراسة ونشر مخطوطات نجع حمادى، التى تعود زمنيًا إلى نهاية القرن الثالث الميلادى إلى بداية القرن الرابع الميلادى، أزيح الكثير من الغموض عن الفلسفة الغنوصية وأدبياتها التى كانت مجهولة للعالم حتى منتصف القرن التاسع عشر، وهى فلسفة دينية مسيحية نشأت فى سنة 75 ميلادية، وضمت مخطوطات نجع حمادى 3 أنواع من الكتابات.. «كتاب توما المجاهد»، ومؤلفات غنوصية وتضم «حكمة يسوع»، «كتاب يوحنا السرى»، «إنجيل الحق»، والنوع الثالث تفسيرات وإيحاءات غير متأثرة بالديانة المسيحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.