الإنسان العربي خاصة، والمسلمون عموماً، من المحيط إلى الخليج يتفجر غضباً ويتلوى حزناً ويتمزق ألماً؛ بسبب ما يحدث اليوم باسم الإسلام من فواجع ومحن وإرهاب، نتيجة عبث شرذمة ضالة من المتطرفين، هدفها قتل الناس لا هدايتهم، والعجيب أن هذا التنظيم يمتلك طاقات بشرية واقتصادية وعسكرية، يستخدمها فقط لممارسة الخراب والدمار وزراعة الشر وسفك الدماء وقتل الأبرياء في نيس، ولندن، وبرلين، واستوكهولم، ومصر، والعراق وسوريا. هذه الدراما المأساوية، والانحرافات الفاسدة التي يرتكز عليها المتطرفون بمخططهم الشرير ضاربين عرض الحائط بالمعايير والمبادئ والقواعد الإنسانية، فما بالنا بقيم الإسلام الأسمى، التي تقدس الأمن والسلم والتعايش بين سائر الأديان والأعراق، رافعاً لواء الكرامة والإنسانية لبني البشر جميعاً. بينما يسعى هؤلاء الحمقى لخلق العداوات بين الشعوب، بموجب أفكار آسنة يحملونها ويعمدون بموجبها إلى إقامة ما يسمى ب «الخلافة» التي لا تقوم في استراتيجيتهم الهوجاء، إلا بعد تدمير هذه الحضارة وتحطيم معنويات الناس وإشاعة الجهل والتخلف. هذه هي رسالتهم التي يصدرونها للعالم باسم الإسلام، وهم لا يتورعون عن أي فعل جبان أو خسيس لتحقيق مآربهم. ومن هذه الأعمال التي تشهد بخستهم وحقارتهم، وما أكثرها وأبشعها، ذلك العمل الإرهابي عندما استهدف كنيستين في مصر، ما أدى إلى مقتل العشرات من المصلين الأبرياء، وعندما قاد أحدهم سيارته على جسر ويستمنستر بلندن،مصطدماً بالمارة؛ فقتل ثلاثة أشخاص، وجرح 29 آخرين، وتمكنت الشرطة من قتله. هذه العمليات الإرهابية وغيرها هي إساءة جديدة إلى الإسلام كديانة، والمسلمين كشعوب مقهورة ليس باستطاعتها دفع الأذى عنها من قبل أشخاص ينتسبون إليها. ويعد أسلوب الدهس من الأساليب التي يتبعها الإرهابيون، تنفيذاً لفتوى الإرهابي المقتول «أبو محمد العدناني»، الذي كان متحدثاً باسم داعش، والتي أصدرها كردّ على بدء التحالف الدولي حربه ضد أماكن وجود هذا التنظيم في العراق وسوريا. وكان أول تطبيق لهذا الأسلوب على يد شخص تونسي بشاحنة على شاطئ نيس بفرنسا في يونيو الماضي، حيث قتل وجرح المئات من الأبرياء. وأيضاً قام تونسي آخر بالهجوم بشاحنة في برلين في ديسمبر الماضي، وقتل وجرح أكثر من اثني عشر شخصاً. ومؤخراً، تعرضت قطارات مدينة سان بطرسبورغ لهجمات إرهابية راح ضحيتها أكثر من 50 شخصاً بين قتيل وجريح. وفي السويد، داهم إرهابي من أوزبكستان حشداً بشاحنة مسروقة وسط استوكهولم، ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة 15 آخرين بجروح. وفي تعليقها على ما حدث في لندن، قالت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي:«إن منفذ الهجوم المسلح تأثر بما وصفته ماي ب «الإيديولوجيا الإسلامية». ورغم أن الإسلام دين وليس إيديولوجيا، وأن أفكار المتطرفين لا يمكن نعتها بالإيديولوجيا، بل هي أقرب إلى العته الفكري والانحطاط الأخلاقي، منها إلى الأنساق المعرفية المؤسسة على قواعد صلبة من الفكر. لكن لا شك أن المتطرفين ينهلون من منابع فكرية ملوثة، حيث تمتلئ كتب التراث والفقه بثنائيات الإيمان والكفر، وأيضاً بأحاديث وفتاوى أطلقها أشخاص زعموا أنهم علماء، وما هم بذلك، ودعوا فيها إلى قتل الآخر المختلف، ليعمّ الإسلام أصقاع الأرض. إن ثقافة القتل التي تجد لها أنصاراً ومروّجين هي نقيض للإسلام الذي هو دين الرحمة ودين الوسطية. إن التطرف، بكل صوره وأنواعه، يمثل آفة ومرضاً يعتري جسد الأمة ويجعلها في حالة وهن شديد، وإذا تمكن من جسدها فإنه سيقضي عليه قضاء مبرماً، وهو لا يمكن أن يكون حالة مثالية يمكن المفاخرة بها بين الأمم الأخرى، بل حالة تبعث على الأسى واليأس في نفس الوقت، من حال الأمة الذي وصلت إليه الآن. والواقع أن التغلب على الفكر المتطرف مهمة شاقة، وشبه مستحيلة في ظل تعارض المشاريع الدولية حول المنطقة العربية والإسلامية. وزاد في حجم المأساة البعد الطائفي داخل الإسلام، وما يجري من حروب بالوكالة في كل من العراق وسوريا، والتي أنتجت عشرات الآلاف من الإرهابيين المستعدين للانتحار تحت شعارات مقدسة، مثل: «الدفاع عن العقيدة ضد الكفرة والمرتدين». إن الشعوب في مختلف بقاع العالم تدفع ثمن أخطاء القوى الكبرى، خاصة أثناء الحرب الباردة، واليوم يعاد إنتاج إرهاب عالمي واسع لتحقيق أهداف استراتيجية لقوى عظمى، تستخدم التنظيمات المتطرفة كوسيلة لتحقيق تلك الأهداف، وأبرزها إنهاك هذه الدول، وتوجيه مواردها لمحاربة الإرهاب لا للتنمية. لذا على العقلانية في العالم العربي، التي تواجه مخاطر كبيرة؛ أن تقوم بدورها التنويري؛ فالأدبيات الناقدة للتطرف شهدت فتوراً وتراجعاً كبيرين في المدة الأخيرة، حيث تركت الساحة خالية للفكر المتطرف؛ كي يرتع كما يشاء، ويبث سمومه اللا عقلانية، ويقوم بحملة كاسحة ضد الفكر التنويري، من خلال الخطابات الأسطورية الخرافية، والتي لا تعمل إلا على طمس الحقيقة، وإتلاف الطاقة الذهنية لشباب الأمة، وتسوق الناس كالقطيع إلى جحيم التطرف؛ بالقضاء الكلي على نور العقل والعقلانية عن طريق اتباع أعمى، أو بإملاء من زعيم متطرف يمارس العدوانية السياسية والأخلاقية بوصفه سديماً غامضاً، لذا فمهمة العقلانية العربية إماطة اللثام عن هذا الفكر، وإزالة هذا الضباب لكي تنعم المنطقة، والبشرية جميعاً، بنور الإيمان الحقيقي الذي يجسد الفضيلة والأخلاق الدينية القويمة. نقلا عن صحيفة الخليج