ليست كل العيون سواء، هناك عيون مبصرة بالبصيرة وهناك أخري فقدت البصر والبصيرة، ليس الإبصار دائما نظراً وليس العمى دائما هو عمى النظر وفي الاخلاص للوطن لا يمكن أن تكون الحرية والأخلاق وجهة نظر.. هل سمعتم عن الشاب رضا عبد العزيز الذي فقد عينيه في احداث شارع محمد محمود وتعرض رأسه لما يشبه التحطيم والتدمير، هذا الشاب ذهب الى ألمانيا لمدة شهر للعلاج وأعتقد أن للمستشار الرائع زكريا عبد العزيز دوراً في سفره وبالمناسبة أنا أرشح المستشار زكريا للحصول على لقب أبو المصريين هذا الوطن العظيم الذي يعمل في صمت مع المصابين وأسر الشهداء ولا أسمع عن حكاية شهيد أو مصاب إلا وأجده حاضراً باسمه وجهده، وكأنه راهب أو شيخ صوفي يظهر في وقت الأزمات بلا ضجيج ليضمد الجراح ويأخذ بيد كل جريح أو مصاب أو يضع بلسماً على الأفئدة المكلومة لأمهات الشهداء، سافر رضا إلى ألمانيا وعاد بعد أن أجرى عدة جراحات في عينيه لكنها للأسف لم تنجح جميعها وعاد الشاب العشريني فاقداً عينيه يتعكز على ذراع تسحبه الى حيث يشاء، شاهدت رضا أثناء استقباله الجمعة الماضي في مطار القاهرة وكانت «قناة 25 يناير» تنقل الحدث - وهو حدث فعلاً - على الهواء، قال له المذيع هل أنت نادم على أنك شاركت في أحداث الثورة وفقدت عينيك فابتسم، وقال: «لو رجعت لي عيني سأتمنى أن أنزل وأشارك وأفقد عيني مرة أخرى، أنا كنت مش شايف قبل ثورة 25 يناير كت أعمى زي ملايين الشباب المصريين، ولما نزلت ميدان التحرير فتحت ودلوقت أنا شايف أكتر من الأول، أنا بقول لشباب مصر ما تسافروش وتسيبوها مصر محتاجة لنا كلنا الفترة الجاية» كلمات بسيطة وليس فيها مستويات التقصير لكلمنجية الفضائيات أو تنظيرات المنظرين، ثم سأل المذيع أم رضا التي كانت تحمل وروداً هل أنت حزينة عشان العملية ما نجحتش.. فقالت بابتسامة أدهشتني: أنا زرعت فيهم حب البلد دي هوه وأخوه وأنا كنت بقولهم ما تنزلوش ميدان التحرير في الأول بس لما رضا فقد عينيه في أحداث محمد محمود وسافر للعلاج أنا قلت لأخوه إنزل الميدان وخد بتار أخوك من اللي ضربوه وأصابوه وأنا حاسحبه وانزل ميدان التحرير يوم 25 يناير في ذكرى الثورة وبكت وهي تبتسم فأبكتني وهزتني، وتساءلت: هل يشاهد مبارك هذه الأم؟ هل رأى حبيب العادلي وحسن عبد الرحمن ومنصور العيسوى وزكريا عزمي وفتحي سرور وجمال مبارك وعلاء وسوزان ونظيف وكل زمرة الفساد والطواغيت هل شاهدوا هذه الأم المكلومة وغيرها من أمهات الشهداء والمصابين، وإذا شاهدوها ترى كيف سيكون شعورهم للعجب العجاب في الوقت الذي يفقد فيه خيرة شباب مصر عيونه ويعاني آلاف من فقد الابصار تجد السيد زكريا عزمي والسيد فتحي سرور يجريان جراحات ازالة مياه بيضاء في مستشفيات مصر السبع نجوم وهما قيد السجن، السيدان اللذان تجاوزا السبعين أو الثمانين حريصان على دقة ودرجة الابصار في عيونهما وعشرات الآلاف من شباب مصر اليافع منهم من فقد عضواً أو نسفت عينه تماما بفعل نظام مبارك وبقايا ميليشيات العادلي، إنني أتعجب من قدرة هؤلاء على التشبث بالحياة والدفاع عن رغبتهم فيها لآخر رمق وتمنيت لو أن لديهم ضميراً يابانياً هذا الضمير يتكون لدى اليابانيين منذ نشأتهم عندما يكتشف الانسان أنه أخطأ في حق أخيه الانسان يجلد نفسه ويعاقبها وعندما يرتكب المسئول جريمة في حق الشعب ينتحر فوراً مع تقديم اعتذار واعتراف انه أخطأ، ما فعله مبارك وأفراد نظامه داخل وخارج طرة يستوجب أن نعطيهم درساً في طرق الانتحار الياباني لعلهم يفعلونها ونخلص منهم وحسبنا الله ونعم الوكيل.