يُشكل الإرهاب أحد مظاهر العنف الذي يمارسه الإنسان، وقد عرفه المجتمع الدولي منذ أمد بعيد، قبل أن تتطور خطورته في الآونة الأخيرة عبر زيادة عملياته واتساع نطاقها وارتفاع أعداد ضحاياها نتيجة استخدام وسائل وأدوات التطور العلمي والتكنولوجي. وتعد قارة إفريقيا من أكثر مناطق العالم معاناة من الإرهاب، إذ تضم 64 منظمة وجماعة إرهابية ينتشر معظمها في شرقها وفي منطقة الساحل الصحراوي. وخطورة هذا الأمر ترتبط بمحدودية قدرات معظم الدول الإفريقية من منظور القوى الشاملة للدولة، فضلاً عن وجود عدد من الدول الفاشلة مثل الصومال، وأخرى ضعيفة غير قادرة على حماية حدودها وفرض السيطرة الأمنية على أقاليمها كافة، مثل ليبيا، علاوة على انتشار ظاهرة الحروب الأهلية والانقلابات والصراع على السلطة في عدد من الدول الإفريقية، وما تفرزه من صراعات حدودية بين دول الجوار على خلفية دعم بعض الأنظمة للعناصر الانقلابية. يضاف إلى ما سبق عوامل عدم الاستقرار والفقر والمجاعة والبطالة والأمية بين قطاعات كبيرة من المواطنين، وكذلك التدخلات الأجنبية التي لا تهتم سوى بتحقيق مصالحها. هذا كله يساهم في توفير بيئة خصبة لانتشار الجماعات الإرهابية وتنامي نشاطاتها، ويعرقل جهود التنمية الشاملة وتعزيز الاستقرار ويقوض مؤسسات الدولة. وتواجه القارة الإفريقية صورتين رئيستيْن من صور الإرهاب، الأولى: الإرهاب الداخلي «المحلي» الذي ينتشر في عدد من الدول التي تشهد حروباً أهلية وصراعات داخلية. والثاني يتمثل في الإرهاب الدولي «العابر للحدود»، وأبرز أمثلته جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا، وجماعة الشباب في الصومال، والجماعات المتواطئة مع تنظيم «داعش» في ليبيا، وكذلك الجماعات المنتمية إلى تنظيم «القاعدة»، خصوصاً في بلاد المغرب العربي. وتتمثل دوافع الإرهاب على الساحة الإفريقية في رعايته بواسطة بعض الدول، واستمرار التوتر في مناطق عدة في القارة، وممارسة التمييز العنصري والاستبداد، والنظام الاقتصادي الدولي غير المتوازن، واستغلال الغرب مقدرات وموارد وثروات الشعوب، وانتهاك حقوق الإنسان، والممارسات التعسفية لبعض الأنظمة السياسية في مواجهة شعوب معينة أو طوائف عرقية. وتقوم الجماعات الإرهابية بتنفيذ عملياتها من أجل التأثير في قوى الدولة الشاملة بخاصة العنصر السياسي لجذب الرأي العام نحو قضية معينة أو الاحتجاج على سياسات محددة للنظام الحاكم، والعنصر الاقتصادي لإنزال الأضرار بالبنية التحتية للدولة، والعنصر الاجتماعي لنشر أفكار أو عقائد معينة لإجبار الشعب على اعتناقها مثل تبني بعض الجماعات فكر إقامة دولة الخلافة، ما يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي للدول. ويتمثل أبرز انعكاسات الإرهاب على الأمن القومي للدول الإفريقية في الآتي: - في المجال السياسي وعلى الصعيد الداخلي يبرز عدم قدرة أجهزة الدولة على استكمال بناء مؤسساتها الديموقراطية في ظل حال الانفلات الأمني المصاحبة لنشاط التنظيمات الإرهابية، وتراجع قدرة مؤسسات الدولة على توفير الأجواء الأمنية المستقرة التي تدعم خطط التنمية الشاملة في المجالات كافة، والتأثير في مخططات الدولة للنهوض بالقوة الشاملة وتحقيق الأهداف والغايات القومية لتلبية مطالب تحسين الأوضاع المعيشية والوصول إلى رفاهية المجتمع، وبما يوفر البيئة المناسبة لإثارة الأقليات والمهمشين في الدولة ومحاولة ترسيخ تعرضهم للظلم والقهر، وكذا إثارة الفتنة الطائفية، والنزعات العِرقيّة والقِبليّة، وبما يهدد النسيج الوطني للمجتمعات الإفريقية. أما على الصعيد الخارجي، فيبرز تفاقم حالة الاستقطاب الإقليمي، تباين الرؤى بين الدول الإفريقية والدول الغربية (الاستعمارية القديمة والقوى الدولية الحالية) حول تقييم طبيعة التهديدات الإرهابية في المنطقة، توتر العلاقات مع بعض الدول ارتباطاً بقيام الأنظمة المعادية للنظام الحاكم بإيواء عناصر المعارضة ودعمها، التحريض على التظاهرات والتمرد والعصيان وأعمال العنف والشغب، ما يؤدي إلى حدوث فجوة في العلاقات مع الدول الداعمة للعناصر الإرهابية والمتطرفة، وإثارة التوترات والنزاعات حول المناطق الحدودية التي تتسرب منها العناصر الإرهابية إلى داخل البلاد، ما يزيد من حالات التوتر والنزاعات الإقليمية. - في المجال الأمني: زيادة الأعباء التي تتحملها قوى الأمن لمكافحة الإرهاب وتأثيرها السلبي في الخطط الأمنية والمهمات المكلفة بها، زيادة إرهاق القوات نتيجة الامتداد الزمني لخطط مكافحة الإرهاب، زيادة معدلات الجرائم الجنائية في ظل اتساع بؤر الإرهاب وحال الإنفلات الأمني المصاحبة له، تهيئة الأجواء لانتشار العوامل التي تهدد أمن الدول واستقرارها، زيادة أطماع القوى الخارجية لتوسيع مساحة التدخل في الشأن الداخلي في الدول وتغذية القضايا الداخلية التي تهدد وحدة المجتمع، تعرض الدول لضغوط خارجية تمس سيادة الدولة على أراضيها من إجراءات تحت ذرائع مكافحة الإرهاب والحد من تهديداته، تصاعد عمليات التنسيق والتعاون بين العناصر الإرهابية مع العاملين في عمليات تجارة وتهريب السلاح والهجرة غير الشرعية. - على المستوى المجتمعي: يؤدي إلى نشر ثقافة العنف، وإشاعة مناخ سلبي بين أفراد المجتمع نتيجة قتل الأبرياء وزيادة الشعور بالخوف والقلق، إظهار عجز النظم السياسية، وعجز الحكومات عن توفير الأمن للمواطنين، بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية والتي تتمثل في تكلفة إنقاذ الضحايا وعلاج المصابين وإزالة آثار الدمار، زيادة تكلفة إجراءات الأمن الإضافية، انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، إحلال العنف ومنطق الميليشيات محل القانون والدولة. كما أنه يساهم في تشويه الصورة الذهنية لدى الغربيين عن الإسلام والمسلمين، بسبب الممارسات الإرهابية التي تتم باسم الإسلام بواسطة الجماعات الإرهابية التي تنتمي إلى الإسلام الراديكالي. ومنذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 حدث تطور ملحوظ في مجال مكافحة الإرهاب على الصعد الوطنية كافة، إذ اتخذ الكثير من الدول الإفريقية إجراءات في هذا الصدد، منها سن تشريعات، وإنشاء مراكز وطنية لمجابهة الجرائم العابرة للحدود، وتشكيل عناصر أمنية لمناهضتها. وعلى الصعيد الإقليمي جرى توقيع اتفاقيات لتبادل المعلومات، وعقد المؤتمرات وورش العمل، وتنمية قدرات عناصر مكافحة الإرهاب. ولوحظ تطور التعاون الإفريقي الأميركي، ومن أبرز صوره إنشاء مبادرة مكافحة الإرهاب في شرق إفريقيا، وإقامة قاعدة عسكرية أميركية في جيبوتي وقوة العمل المشتركة في القرن الإفريقي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتجميد أرصدة بعض المؤسسات المتهمة بتمويل الإرهاب، وإجراء عدد من التدريبات المشتركة مع بعض دول القارة. نقلا عن صحيفة الحياة