"الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ" بتلك الكلمات البسيطة شخّص أمير الشعراء أحمد شوقي حال المجتمع، وسبب تدنى المستوى الأخلاقي العام، وما يتبعه من ارتفاع في معدل الجريمة، ولخص العلاج في تأهيل الأم تربويًا. ومع ارتفاع معدل الجريمة في مصر، واحتلالها المركز الثالث على مستوى الشرق الأوسط، ظهرت الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في أسلوب التربية التي تتبعه الأم مع أبنائها، حتى ننشئ جيلا جديدًا سويًا يرتفع بمستوى الأخلاق، وينهض بالبلاد. ولأن الأم هي المدرسة التربوية الأولى التي تزرع البذرة الأساسية في شخصية الطفل، فإن سوء التربية سواء بسبب نقص المعلومات أو عدم التأهيل، يتسبب في خلق اضطرابات نفسية تقود إلى ارتكاب ممارسات تصل إلى الجرائم، ما يضر بالمجتمع بأكمله. خلال الفترة الأخيرة، انتشرت عدة ظواهر سلبية أعدّها علماء النفس جريمة في حق الأطفال، وسببا في ارتفاع معدل العنف والانحراف السلوكي داخل المجتمع. أخطاء ترتكبها المدرسة الضرب في الشارع بدت مؤخرًا ظاهرة ضرب الأمهات لأطفالهم في الشوارع أو وسائل المواصلات العامة دون مراعاة لأحساسيهم، ما يتسبب في إحراجهم أمام الغير، وشعورهم بالنقص والمهانة، حسبما يرى علماء النفس. كثرة الشتائم انتشرت بين الأمهات التلفظ بكلمات سيئة أمام أطفالهم، وتتنوع بين كونها ألفاظ بذيئة تنتقد بها الغير، أو "شتائم" تعاقبهم بها، أو إطلاق أسماء الحيوانات عليهم. وبحسب دراسة فإن الطفل يستمع إلى نحو 16 ألف مصطلح سيء "شتائم" حتى يصل إلى سن المراهقة، ما يؤثر في شخصيته ويجعله إما سليط اللسان أو ضعيف الشخصية. ظاهرة "الشبشب" العنف من أخطر أساليب التربية التي تنشئ جيلًا يميل إلى القسوة، ومع ذلك اعتادت الكثير من الأمهات المصريات على اقتناء "الشبشب" كوسيلة هجوم على أبنائها أو عقاب دون وعي بمدى يفعله ذلك في نفسهم من تدمير. وباعتبار "الشبشب" أحدث أساليب العنف الجسدي فإنه يشكل خطورة على نفسية الأطفال، ويجعلهم يشعرون بالمهانة والضعف، وقد يميلون إلى الانجراف في العنف. الانحياز العنصري مع التقدم الفكري الذي تشهده البلاد، إلا أن المجتمع لا يزال يحمل بين طياته "الذكورية"، ولم يقتصر هذا الفكر على الرجال فحسب وإنما توغل في نفوس بعض الأمهات، اللاتي ينحزن إلى أولادهن دون البنات. ودون دراية، تعمل تلك الأمهات على تفضيل الأطفال الذكور ظنًا منهن أنهم أكثر ذكاء وقوامة من الفتيات، فضلا عن اعتقادهم بأن الأولاد يصبحون سندا لهم وحماية، وهو ما يزرع العداوة في نفوس بناتهن، بينما يخلق داخل الأولاد شخصية أنانية متسلطة تحتقر الجنس الآخر. الوصمة الاجتماعية من أخطر الأساليب التي تؤثر بالسلب في شخصية الطفل، عندما تلجأ الأمهات إلى معاقبته بإلقاء اتهامات عليه تمثل له وصمة اجتماعية، مثل "مجرم"، أو "كذاب"، أو إلقاء أسماء الحيوانات عليه، ما يجعله يشعر بالفعل بأنه كما تطلق عليه. الكذب الأم قدوة لأبنائها، فلا يمكن أن تمنعهم من عمل شيء ما ثم يجدونها تقوم به، فمثلا أن تكذب أمام طفلها في حين تنهاه عن ذلك، ما يجعله يفقد الثقة في كل ما تقوله له. ظاهرة التف "تف على طنط يا حبيبي" كثيرا ما نسمع تلك الكلمات تخرج من افواه الأمهات كطريقة للمزح مع الأصحاب أو الأقارب، إلا أنها تعد من أسلحة دمار الشخصية، لأنها دون دراية تخلق شخصية همجية، ترأى أن لها الحق في التعدى على الغير، فضلا عن فقدان قيم احترام الكبير، وتفقد أولياء الأمور أنفستهم هيبتهم عند أولادهم. الصراخ الكثير من الأمهات ينتهجن أسلوب "الصوت العالي" من أجل تربية الأبناء أو لإقلاعهم عن الأخطاء التي يرتكبونها، ما يخلق شخصية مهزوزة لدى الطفل. آثار مدمرة يرى علماء النفس أن أساليب التربية السيئة التي تنتهجها بعض الأمهات تعد أسلحة دمار شامل لشخصياتهم، فتقوي ميولهم نحو الجريمة، وتخلق شخصيات ضعيفة ومهزوزة، وتشعرهم بالنقص. ذكرت دراسة للأمم المتحدة أن العنف ضد الأطفال يسبب آثار خطيرة ومدمرة تؤدى إلى اضطرابات نفسية واختلالات في الإدراك، ومشاكل عقلية وصحية واجتماعية، علاوة على السلوك العداوني. وحذرت الدراسة من العنف النفسي المتمثل في الإهانات والسباب والتهديد والتحقير، لما له من أضرار على نمو الطفل وصحته النفسية والعصبية، وسلوكه. وكشفت دراسة بعنوان "أثر أساليب المعاملة الوالدية على الأحداث المنحرفين" أن أساليب التنشئة الأسرية التي تميل إلى أساليب القسوة والحرمان والإهمال تخلق سلوكيات غير سوية. التأهيل التربوي هو الحل أوصت الدراسة بالقيام بحملات توعوية تبين للآباء خطورة الأسلوب السلبي في تربية أبنائهم، وما يلعبه الأسلوب المعتمد على القسوة والعقاب أو الإهمال، ما يدفع أبناءهم للانحراف. فيما شدت الأممالمتحدة على ضرورة وضع برامج لتأهيل الأمهات والآباء على أساليب التربية السليمة، وإبعادهم عن مظاهر العنف المختلفة، التي تؤثر على سلوكياتهم وتجعلهم عرضة للانحراف وارتكاب الجريمة.