الأولة آه .. والثانية آه .. والثالثة آه - الأولة: مصر .. قالوا تونسى ونفونى .. والثانية: تونس .. وفيها الأهل جحدونى .. والثالثة: باريس .. وفى باريس جهلونى الأولة: مصر .. قالوا تونسى ونفونى جزاة الخير واحسانى .. والثانية: تونس .. وفيها الاهل جحدونى وحتى الغير ما صافانى .. والثالثة: باريس .. وفى باريس جهلونى وانا موليير فى زمانى. هذه هى كلمات الراحل العظيم بيرم التونسى الذى نحتفل بذكراه الحادية والخمسين هذه الأيام، والتى تواكب احتفالنا بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير؛ حيث اقام المجلس الأعلى للثقافة برئاسة الدكتورة كاميليا صبحى أمسية فنية تحت عنوان "شمس الأصيل" اقيمت الأمسية فى قاعة المؤتمرات بمقر المجلس بدار الاوبرا وحضرها عدد من المهتمين بالشعر والفنون . تحدث فى الندوة الشاعر رجب الصاوى وألقى عددا من قصائد التونسى, وقال إن الراحل العظيم استحق لقب شاعر الشعب الذى ناله عن جدارة واستحقاق لأنه كان مُلهما "بفتح الهاء" وملهما "بكسر الهاء" لأنه استلهم التراث وخلق منه مدرسة إبداعية جديدة فى الشعر وسار على نهجه عظماء أمثال فؤاد حداد. واضاف الصادوي أن التونسى ظهر فى عصر الفقر والجهل والمرض وتزعم حركة تنوير والوطنية وأصبح أحد فرسان العصر الذين يعبرون عن أحلام وطموحات البسطاء, واشار الصاوى الى ان بيرم اختار اللغة العامية فى شعره ليقترب اكثر من البسطاء والعامة ويدخل كل بيت فأصبح شاعر الشعب المطارد من السلطات . ثم تحدث فى الأمسية الناقد مسعود شومان وألقى فى البداية قصيدة للتونسى بعنوان "حمى النفاث والولادة" وقال إنها إحدى الصور الغنائية المكتملة التى جسدها بيرم التونسى؛ ثم تحدث عن نشأته وولادته فى مصر وليس فى تونس وقال ولد الشاعر الشعبي محمود بيرم التونسي في الإسكندرية في 3 مارس 1893م، وسُمي التونسي لأن جده لأبيه كان تونسياً, قدم إلى مصر سنة 1833م، والتونسي لقب لصق به وبأفراد أسرته لكوْنهم من تونس أصلا وهاجروا إلى الإسكندرية، وأقاموا فيها فكان أهلُ الحي يصفون الفرد منهم بالتونسي، فلحق بهم هذا اللقب. وقد عاش طفولته في حي الأنفوشي بالسيالة، والتحق بكُتّاب الشيخ جاد الله، ثم كره الدراسة فيه لما عاناه من قسوة الشيخ، فأرسله والده إلى المعهد الديني وكان مقره مسجد المرسي أبو العباس، توفى والده وهو في الرابعة عشرة من عمره فانقطع عن المعهد وارتد إلى دكان أبيه ولكنه خرج من هذه التجارة صفر اليدين. وعن أعماله قال شومان إنه أصدر مجلة "المسلة" في عام 1919م وبعد إغلاقها أصدر مجلة "الخازوق" ولم يكن حظها بأحسن من حظ المسلة, ثم نُفي إلى تونس التي يحمل جنسيتها بسبب مقال هاجم فيه زوج الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد، ولكنه لم يطق العيش في تونس لما شهده من قمع من المستعمر الفرنسي فسافر إلى فرنسا ليعمل حمّالاً في ميناء مرسيليا لمدة سنتين، وبعدها استطاع أن يزوِّر جواز سفر له ليعود به إلى مصر، فيعود إلى أزجاله النارية التي ينتقد فيها السلطة والاستعمار آنذاك، ولكن ألقى القبض عليه مرة أخرى وأعادوه الى فرنسا وعمل هناك في شركة للصناعات الكيماوية ولكنه فصل من عمله بسبب مرض الربو فعاش حياة ضنكاً وواجه أياماً قاسية . ورغم قسوة ظروف الحياة على بيرم إلا أنه استمر في كتابة أزجاله وهو بعيد عن أرض وطنه، لأنه كان يشعر بحال شعبه ومعاناته وفقره المدقع؛ وفي عام 1932م تم ترحيل بيرم من فرنسا إلى تونس لأن السلطات الفرنسية طردت الأجانب وهناك أعاد نشر صحيفة الشباب, ثم أخذ بيرم يتنقل بين لبنان وسوريا ولكن السلطات الفرنسية قررت إبعاده عن سوريا لتستريح من أزجاله الساخرة اللاذعة إلى إحدى الدول الأفريقية ولكن القدر أعاد بيرم إلى مصر عندما كان في طريق الإبعاد لتقف الباخرة التي تُقلّه بميناء بورسعيد فيقف بيرم باكياً حزيناً وهو يرى مدينة بورسعيد من بعيد، ويروى قصته لأحد الركّاب فيعرض هذا الشخص على بيرم النزول في مدينة بورسعيد، وبالفعل استطاع أن يحرر بيرم من أمواج البحر ليجد نفسه في أحضان مصر. وقدم بيرم التماساً إلى القصر بواسطة أحد أقاربه وتم العفو عنه بعد أن تربع الملك فاروق على عرش مصر فعمل كاتباً في أخبار اليوم وبعدها عمل في جريدة المصري ثم في جريدة الجمهورية، وقد قدّم بيرم أعمالاً أدبية مشهورة، كان أغلبها أعمالاً إذاعية منها سيرة الظاهر بيبرس وعزيزة ويونس؛ وفي سنة 1960م منحه الرئيس جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية لمجهوداته في عالم الأدب, وبعدها حصل على الجنسية المصرية. غنّت له أم كلثوم عدة قصائد مما ساعد على انتشاره في جميع الأقطار العربية، وظل إلى آخر لحظة في حياته من حملة الأقلام الحرة الجريئة، وأصحاب الكلمات الحرة المضيئة. وتوفي بيرم التونسي الحامل للجنسيتين المصرية والتونسية في 5 يناير 1961م عن عمر يناهز 68 عاماً بعد معاناته من مرض الربو. وفى نهاية الأمسية ألقى عدد من الشعراء الشبان عدة قصائد للراحل العظيم وكذلك بعض أشعارهم كما غنى أحد الفنانين أشعار بيرم على العود .