طالعتنا جريدة الأهرام في 2 يناير 2012، ومع مطلع العام الجديد وقرب الاحتفال بمرور عام علي ثورة الشعب المصري العظيم في 25 يناير بخبر مفاده: نظام جديدة للثانوية العامة، إضافة سنة رابعة تخصص لدراسة المواد المؤهلة للكليات، 5 سنوات بدلا من ست للقبول بالمرحلة الابتدائية، ولقد صرح وزير التربية والتعليم بأن هذا النظام لمصلحة الطلاب وأولياء الأمور، وأنه اقتراح منبت الصلة بمشاريع تطوير الثانوية العامة السابقة، والغريب في الأمر، أن السيد الوزير الذي لم يمض علي جلوسه علي كرسي الوزارة أقل من شهر ترك مشكلات وأزمات النظام التعليمي وأنشغل هو وقياداته بالوزارة بالثانوية العامة، بمشروع سوف يطرح للنقاش وللبرلمان المقبل، وتناسي سيادته أنه وزير في حكومة «إنقاذ وطني» حكومة «اسعاف» للقضايا الملحة والعاجلة والآنية، وتصور سيادته أنه مستمر لما بعد البرلمان وسيطرح قضايا استراتيجية لتطوير التعليم وعلي رأسها الثانوية العامة. ان تلك الأفكار في هذا التوقيت تعني أن وزارة التربية والتعليم غائبة تماماً عن أن هناك ثورة تمت في الوطن، هي ثورة 25 يناير، طرحت شعارات مفصلية «حرية، كرامة، عيش ، عدالة اجتماعية» وطرحت أيضاً القطعية الجذرية مع النظام السابق بكل صوره وأشكاله، وبدلاً من أن تضع الوزارة وقياداتها أهداف الثورة وتطلعاتها علي أجندة عملها، بدأت في التفكير في القييم، وطرحت تلك الأفكار التي تعني في التحليل الأخير تضييق فرص القبول بالجامعات، وفرض قيود علي الطلاب في مواصلة تعليمهم العالي والجامعي، وكذلك قيود علي المساواة والعدالة الاجتماعية التي تعني إتاحة التعليم للجميع دون تمييز أو اقصاء. ولعل السيد وزير التربية والتعليم وهو من أحد قياداتها وعايش كافة ممارسات مشاريع تطوير التعليم وتحديداً الثانوية العامة، يعلم علم اليقين أن مشروع تطوير الثانوية الذي دخل الثلاجة بعد ثورة 25 يناير، كان مرتبطا بمشروعات تطوير التعليم العالي التي انطلقت من الإدارة الاقتصادية، ومحاولات فرض قيود علي التحاق الطلاب بالتعليم الجامعي والعالي بوجود اختبارات للقبول بالجامعات تعقد عقب امتحان الثانوية العامة ولقد سميناها حينذاك في عهد حكومة أحمد نظيف بالغرابيل الأربعة أو الحواجز والسدود الأربعة التي تحول دون مواصلة العديد من طلاب الثانوية العامة الالتحاق بالتعليم الجامعي والعالي. لقد انطلقت المشاريع السابقة ومشروع الوزير الحالي من أن الثانوية العامة مرحلة دراسية منتهية لا يترتب عليها مواصلة التعليم الجامعي والعالي ولقد قلنا مراراً وتكراراً إن نسبة البطالة في التعليم المتوسط والمؤهلات المتوسطة الزراعية والصناعية والتجارية تتجاوز 80٪ وأن خريجي تلك المؤهلات لا يجدون عملاً أصلاً في سوق العمل الغائب وغير المتوفر، فكيف بنا نضيف إليهم قرابة نصف مليون من طلاب الثانوية العامة كل عام جديد؟! والأكيد أن السيد وزير التربية والتعليم يعرف أن العالم شماله وجنوبه شرقه وغربه يسعي إلي زيادة عدد سنوات التمدرس - الانخراط في التعليم - من تسع سنوات إلي عشر أو إحدي عشرة سنة، حيث استطاعت العديد من الدول أن تجعل الإلزام في التعليم حتي المرحلة الثانوية ليصبح الالزام 12 سنة، فكيف بوزير الثورة وعصر المعلومات والمعرفة يسعي إلي تقليل عدد سنوات الالزام من تسع إلي ثماني سنوات؟ هل هذا هو تفكير الوزارة بعد ثورة 25 يناير. ان عصر المعلومات والمعرفة المتدفقة تجعل الدول جميعها تسعي إلي زيادة عدد سنوات الالزام لتصل إلي 12 عاماً وتصل إلي نهاية المرحلة الثانية وليس الاعدادية. والأكيد أيضا أن السيد وزير التربية والتعليم يعرف أن تلك السنة الرابعة التي يود اضافتها الي الثانوية العامة، أنها سنة تعد مصفاة من خلال الاختبارات والامتحانات التي لا نعرف ما ضرورتها وأهميتها في تلك السنة ومن الذي سيقوم بها وزارة التربية والتعليم أم التعليم العالي؟! وما مضمون تلك الاختبارات التخصصية؟ وما المواد التي سيتم تدريسها للطلاب؟ وهل ستقوم وزارة التربية والتعليم بالتدريس، والتعليم العالي بالاختبارات؟ ان نظام الثانوية العامة الحالي يتضمن مواد مؤهلة في الثانوية العامة تضاف إلي المجموع الكلي عدا الالتحاق بالجامعات. والسؤال المطروح الآن، لو أن هناك طالبا يرغب في الالتحاق بكلية التجارة أو الحقوق ماذا يدرس؟!،وكيف يمتحن؟ ومن الذي يمتحنه؟ هل سيدرس مواد قانونية قبل الالتحاق، أم يدرس مواد تجارية قبل الالتحاق؟ وإذا درس فما جدوي دراسته بالكلية؟ واذا عدل الطالب عن رغبته في الالتحاق بتلك الكلية ما مصيره؟! لا شك أن قيادات وزارة التربية والتعليم والوزير ذاته يعلم أن هناك المواد الإنسانية - العلوم الاجتماعية إلي جانب اللغات تعد مواد مؤهلة للالتحاق بقطاع الكليات النظرية وتضاف درجاتها إلي المجموع الكلي وهناك مواد رياضيات لكليات القطاع الهندسي ومواد العلوم للقطاع الطبي، فما جدوي أهمية تلك السنة الرابعة التي يود السيد الوزير أن يشغلنا بها ويشغل نفسه وقياداته، أليس احري بسيادته أن يوفر جهده لإعادة الاعتبار إلي المدرسة وإعادة الاعتبار إلي المعلم المصري، وتطوير المناهج الدراسية بحيث تحوي القيم الأساسية للمجتمع الجديد، مجتمع الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية؟!. هل كتب علي شعبنا وأمتنا أنه بمقدم كل وزير للتربية والتعليم أن يلعب بمستقبل أبناء الوطن، ويضع يده دون دراية أو علم بأسس التربية وقواعدها فالاتجاهات العالمية والمعاصرة التي تسعي نحو تحقيق شعار اليونسكو الذي وضع منذ عام 1999، يؤكد علي أن: التعليم للجميع، والتعليم للتميز، والتميز للجميع، ذلك الشعار الذي تسعي جميع دول العالم المتقدم منها والمتخلف إلي تحقيقه، هل كتب علينا أن ننشغل بقضايا هي أبعد ما تكون عن المشكلات الآنية والعاجلة في وزارة الانقاذ الوطني - الاسعاف. إننا نأمل من السيد الوزير أن يضع أمامه القضايا العاجلة والتي تتمثل في زيادة كثافة الفصول الدراسية التي تتجاوز في بعض المدارس 70 طالب، وتطوير أداء المعلم بطرح برامج للتنمية المهنية للمعلم، والقيادات الادارية، واعادة الاعتبار إلي المدرسة وجعلها مكاناً للتعليم والتعلم، بدلاً من فقدانها القدرة علي تلك الوظيفة والتي تركتها إلي مراكز الدروس الخصوصية التي يقابلها السيد الوزير عند دخوله وخروجه من الوزارة. فضلاً عن تطوير أساليب التقوية واقصاء منظومة التقويم الحالية القائمة علي ثلاثة «التلقين، الحفظ، التذكر»، ويطرح بدلاً منها منظومة جديدة تقوم علي الابداع والابتكار والخلق والمخالفة والأسئلة، نماذج الأجوبة الحاضرة. ان نظامنا التعليمي في أمس الحاجة إلي تغيير جوهري في ذهنية القائمين عليه والممارسين له، عقلية وذهنية ما بعد ثورة 25 يناير، ذهنية وعقلية تؤمن بأهداف الثورة وأحلامها، ذهنية وعقلية تنشغل بأن شباب الثورة الذين قاموا بها من خارج نظام التعليم المعرفة البالية المقدمة له من النظام التعليمي التقليدي الراكد، معرفة تم اكتسابها من مهارات التواصل الاجتماعي والحاسب الآلي والانترنت، تلك المهارات التي تقوم علي التعلم وليس التعليم القائم علي التلقين، نظامنا التعليمي ووطننا بعد ثورة 25 يناير في حاجة إلي نقل ذلك النظام من التعليم «التلقين، الحفظ، التذكر» إلي التعلم «المهارات، القدرات، الإبداع، الابتكار» دور فاعل للمتعلم للسعي نحو المعرفة بنفسه ولنفسه وليس بأن يقوم المعلم بتلقينه تلك المعرفة، تلك هي الأولويات وليس الثانوية العامة ذات السنوات الأربع. ---------- د. شبل بدران أستاذ أصول التربية بجامعة الإسكندرية