موظف صاحب دخل ثابت.. أرزقى عايش يوم بيوم.. صنايعى لا غنى عنه مهما اشتدت الظروف أو حتى فلاح يزرع الأرض ويأكل مما تجود به، جميعهم أصبحوا فى الهم سواء الكل يشكو وبعضهم يصرخ من ضيق الحال والعجز عن الوفاء بمتطلبات البيت والأسرة التى هو مسئول عنها.. موجات «تسونامى الأسعار» دمرت كل الحلول التى كانت ممكنة للتحايل على الغلاء الفاحش الذى اجتاح الأسواق. كل السلع الغذائية وغير الغذائية والبضائع وكافة الخدمات والمرافق.. العجز وصل فى كثير من الحالات التى نعايشها يومياً إلى حد ترك الجمل بما حمل و«خراب البيوت» «سيد»: مش لاقى «أأكل العيال» والست مش مبطلة طلبات.. يعنى أمد ايدى وأشحت؟ عندما تزيد الحمول عن طاقة رب الأسرة يحدث أمر من اثنين إما أن يتحول البيت إلى «ساحة معارك» يومية بين احتياجات تتزايد وأسعار ترتفع بجنون وبلا توقف وبين دخل محدود أو منعدم فيحل الغم والهم على الجميع الزوج والزوجة والأولاد الذى لا ذنب لهم فى كل ما يحدث حولهم، أو يشعر رب البيت بالقهر والعجز فيصبح الجميع عل حافة «الدمار الشامل» فتقترف الجرائم أو يقع الطلاق أو «يطفش» الرجل من البيت بعدما انتزعت منه قسراً أهم دعائم قوامته. وما أكثر حالات الطلاق التى نسمع عنها اليوم بسبب طلبات الأم التى هى فى مواجهة مباشرة مع احتياجات بيتها فى الشراء من الأسواق فيما يعانى الأب من عدم زيادة دخله أو تلاشيه إن كان من الأرزقية أو الصنايعية الذين يكسبون قوتهم بعملهم يوماً بيوم. الأمر يصل عند زيادة الضغوط إلى حد العنف الأسرى وهناك رجال قابلناهم ينامون فى الشوارع هرباً من المسئولية التى أصبحت فوق طاقاتهم.. الأمر كان مشابها رغم اختلاف التفاصيل فى حكاية سيد حسين الذى لم تكن زيادة الأسعار المتتالية فى الآونة الخيرة إلا القشة التى قصمت ظهر البعير الذى لم يجاوز عمره الستين عاماً إلا أن الشقاء لسنوات طوال جعله شيخاً هرماً يهيم على وجهه فى الشوارع، قال الرجل فى بؤس وهو مغمض العينين هماً وألماً: طول عمرى شايل الهم وشغال بصحتى شيال غلة أو ملح يعنى «واخدها على ضهرى» وربنا بيرزقنى برزق السبع عيال وأمهم، أصحو الساعة خامسة فجراً إلى الساحل فى المنيب والنقلة اللى يجود بيها ربنا أشترى عيش وكيس سكر وأعطى الباقى لأم العيال تشترى أى حاجة من السوق وناكل ونشبع والعيال كبروا وبيشتغل اتنين منهم والباقى لسة محتاجين لكن من حوالى 3 شهور صحتى تعبت والعمود الفقرى تاعبنى لكن برضه بشتغل والست تاخد ال50 جنيه تصرفها فى شوية عيش وخضار ولا لحمة ولا غيره والعيال تقوم جعانة، تقولى قوم اشتغل مافيش عشا، أقولها منين مش قادر، ترد تقول لى اتصرف الحاجة غالية، كل يوم «عركة» سيبتلها البيت وبقالى كام يوم فى الشارع مش قادر أوريلهم وشى، ومفيش شغل. و«الحوجة وحشة». «فرغلى»: كيلو اللحمة أغلى من يوميتى.. وأجوع لأوفر مصاريف ولادى فى البلد! حال فرغلى أفضل إلى حد ما فهو أيضاً أرزقى رغم أنه عامل تليفونات. إلا أنه يحصل على أجره باليومية. يوميتك كام؟ - الشغل مش كل يوم. يعنى ممكن أشتغل يومين فى الأسبوع ب100 جنيه للمرة. هل يكفيك دخلك للإنفاق على أسرتك؟ - لدى خمسة أولاد وكنت أعمل فى بلدنا المنيا "أرزقى" لكن مع كثرة الأعباء ومتطلبات التعليم للأولاد اضطررت أن أهجرهم وآتى إلى القاهرة لأبحث عن فرصة أفضل إلا أننى فوجئت بأن العيشة صعبة جداً والجنيه بييجى بالعافية وأصبح مطلوب منى مصروفات معيشتى هنا والإرسال لأبنائى وكل شيء غالى اللحمة هنا ب120 جنيه وفى بلدنا ب100 جنيه ومقضيها بالعافية والله عايش على العيش والفول أحيانا أجوع لأوفر للعيال ومش مكفى .كل خوفى أن يحدث لى شيء أو أمرض ووقتها سيضيع أبنائى. عاود الرجل الحفر بكل قوة وهو يفكر فى حمل ثقيل أصبح مؤلما فى ظل معيشة تزداد أعباؤها يوماً بعد يوم دون أى زيادة بل إن رأسماله «صحته» فى تناقص مستمر. «حمزة»: زوجتى اشتغلت لتساعدنى وحرمت أبنائى من الثانوية العامة غصب عنى! العمر يجرى دون حسابات لاحتياجات لم نلبها بعد.. وقد ينقضى ولا تنقضى احتياجاتنا. لكنها المسئولية التى جعلت محمد حمزة الذى قارب على الانضمام لطابور المعاشات، لكن ما زال الأبناء صغاراً وفى أشد الحاجة لرعايته. ما السبب؟ - الزواج المتأخر وطبعاً الظروف التى لم تتحه فى عز الشباب والنتيجة أطفال المشيب.. هكذا قال الموظف الحكومى موضع حسد غيره من معدومى الدخل الثابت قالها واستطرد حزيناً بائساً: لولا زوجتى اشتغلت لتساعدنى كان البيت اتخرب. راتبين ولا يكفى نفقات طعام وتعليم وكسوة. كم ابنا لديك؟ - ثلاثة أبناء فى إعدادى وابتدائى وعمرى 54 عاماً يعنى قربت ع المعاش والدخل هيقل وإحنا أصلاً مش عارفين نمشى بالمرتب. أتقاضى 1700 جنيه وأدفع دروس خصوصية ب700. ومنعوا الأرباح فى الشركة. مطلوب من أى مسئول يفكر كيف نعيش وعلى أى أساس يتم رفع الأسعار؟ لقد حرمت أبنائى من التعليم الثانوى العام «إحنا مش قد المصاريف» كله هيدخل صنايع واللى شاطر يكمل ويتعلم صنعه. وتساءل الرجل بانفعال وجنون «إيه آخرة رفع الأسعار الناس مستوية. وغصب عنى اختصر من الأكل والتعليم ومش مكفى. «شريف»: الأسطوات «غرقانين فى الديون» ومقضينها «سلف»! «زمن الاسطوات راح والكل يعانى لأن الخامات غالية والسوق نايم وكل الفلوس رايحة ع اللقمة». كلمات قالها شريف رمضان، حداد، شكا من وقف الحال نتيجة ارتفاع أسعار الحديد وبالتالى ارتفاع تكاليف كل قطعة والكيلو ب10 جنيه بعد 5 جنيه من 3 شهور. والبوابة التى كانت تتكلف 2000 جنيه أصبحت 5000 والناس مش ملاحقة ع السكر والرز والزيت هتشترى حديد؟ أحيانا أعمل مع زميلى فى «لف المواتير» حيث إننى تعلمت هذه الصنعة لأتغلب على ضيق الحال. إذا لم تكن تعمل فكيف تنفق على بيتك؟ - مقضيها سلف وممكن يمر 3 شهور دون أن أصنع قطعة واحدة والمصاريف تزيد يوماً بعد يوم ومع صغر حجم العيش وارتفاع سعر السياحى أصبحت أشترى بخمسة جنيه يومياً ولا يكفينى. وبطاقة التموين؟ - ضاعت ودخلت فى متاهة لاستخرج بدلاً منها وأصبحنا فريسة للخبز السياحى وب5 و6 جنيهات فى اليوم وهناك سلع لا أستطيع شراءها لارتفاعها الزائد على الحد. الزيت ب17 جنيه أقل نوع. والسكر مش موجود. المشكلة أن البيت والأولاد يعيشون المعاناة لكن لا يقدرون معاناة الأب، نظر الرجل فى إحباط شديد والتزم الكرسى الذي وضعه منذ شهور على باب ورشته وبين وقت وآخر يقوم ليقلب فى قطعة يحاول تصنيعها عسى أن يجود الزمن بزبون يحتاج لباب أو شباك فيسدد ديونه التى أصبحت هماً لا يذيقه طعم النوم ليلاً وعناء البحث عن وسيلة للسداد نهاراً. وبعد أن غرق فى الديون أصبح العقل عاجزاً عن التفكير. وبين وقت وآخر يساعد جاره الأسطى على فى لف المواتير عسى أن يرزقه الله بثمن وجبة لأبنائه. الحاج «يحيى»: الفلاح «بيعض» فى الأرض.. واللبن مغشوش فى بطن أمه! حسرة وألم وليس راحة بال كان الفلاح معروفاً بها ومحسوداً عليها. هذا هو عنوان ملامح الحاج يحيى الفلاح الذى قضى سنين العمر فى خدمة الأرض على أمل أن يتملكها لكن وكما قال: قل خيرها ومصاريفها لا تأتى بها زراعتها، وعاش الفلاح الفقر الذى لم يعرفه مثلما تجرعه الآن وأصبح من الجوع «يعض فى الأرض» ويترحم على خير زمان. قال عم يحيى أنا مسئول عن ولادى وأحفادى إلى الآن ولولا خير زمان كنت ما قدرتش أصلب طولى، أخذ حزمة من الزرع بالأرض وشدها بكلتا يديه وقال: أنا عايش على خير أمى كنت أحلب الجاموسة وأشرب من خيرها واللبن اليومين دول مغشوش فى بطن أمه من العلف والكيماوى والحقن. كانت الأرض مليانة مواشى. اتصرفنا فيه من غلو العلف وأصبح ب220 جنيه بعد 30 جنيه. ونظر الرجل إلى أحفاده قائلا: اللحمة مابنشوفهاش غير من العيد للعيد ولا ريحة ولا طعم ومقضينها فقر فى فقر. حتى كوباية الشاى مش عارفين نشربها ومش لاقيين السكر والبقال يبيعه ب15 جنيه. ولماذا تنفق على أحفادك وأين الأبناء؟ - غلابة مش لاقيين شغل ولا فيهم صحة أنا اللى باسرح فى البلاد بشوية «لبن سلاطة» وأنا عينى اليمين ما بتشوفش يعنى ممكن عربية تدهسنى. لكن أعمل إيه مش مكفيين العيال أكل. كنا زمان نزرع وناكل اللى تطرحه الأرض طردونا علشان الإيجار مش قادرين عليه. وأصبحنا نشحت الأرز «اللى زى البلاستيك» من التموين. ثم أطلق الفلاح الفصيح الجريح نظرة إلى السماء كأنه يشكو حاله إلى الله ويترحم على خير أيام زمان ويقول «فين زمن اللبن الجميد والعيش البتاو والسمن البلدى كله راح وعايشين على حاجة السوق ومش لاقيينها. صحيح كنا زمان نطبخ من الأحد للأحد لكن طول الأسبوع نشد السبانخ والطماطم والبسلة من الأرض وندبح الفرختين من السطح ونمرق.. ونفرق». وتساءل الرجل في حسرة ودهشة بلا مجيب: الفلاح يعمل إيه فى الغلا ده مافيش رحمة، قالوا فيه معاشات، وسابونا نعض فى الأرض.